كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: لا تعدو جلسة مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية أكثر من محطة صارت أسبوعية لعرض جولة جديدة من اللعب العبثي على هامش الاستحقاق الرئاسي، وتفريغ بعض من الحمولة الزائدة من التناقضات والمناكفات بين مكونات سياسية ثبتَ بالملموس احترافها تعميق الانقسام الداخلي، وسَد كل منافذ الانفراج.
الصورة فضائحية بامتياز، لمهزلة جوهرها التعقيد والتعطيل، ومقاربة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، بحرص وهمي يعبّر عنه باستعراضات سطحيّة تجترّ التعابير ذاتها، والمفردات ذاتها، والانفعالات ذاتها، والهجومات او التهجمات ذاتها، منذ اولى جلسات الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية. في مشهد لم يعد يُحتمل لشدة «بَياخته» وابتعاده عن الواقع.
المشهد سيتكرر في المجلس النيابي اليوم، والوقائع باتت محفوظة عن ظهر قلب؛ رئيس مجلس النواب نبيه بري يفتتح الجلسة بنصاب مكتمل، تُتلى اسماء النواب المتغيبين بعذر، تتلى المواد الدستورية والقانونية المرتبطة بانتخاب رئيس الجمهورية، تُوزَّع اوراق الانتخاب على النواب، تفتح صندوقة الاقتراع ويودع كل نائب صوته فيها، يتولى أمينا السرّ فرز الاصوات وإحصاءها، يعلن رئيس المجلس النتيجة: ميشال معوض يتأرجح في خانة الاربعين صوتاً او اكثر قليلا، اوراق بيضاء بذات النسبة، اصوات معدودة ومشتتة لأسماء شخصيات تستحضر من هنا وهناك، وأصوات محدودة لعناوين وشعارات، يُفقد النصاب، يرفع رئيس المجلس الجلسة، ويحدد موعدا لجولة جديدة الخميس المقبل!
مشاورات وإشارات
على أنّ ما يميّز جلسة اليوم عن غيرها، هو تراجع نسبة حضور النواب اليها، حيث ان العديد من النواب عكسوا انهم غير متحمّسين للنزول الى ساحة النجمة، فيما استغل بعض آخر فترة الدوران في جائرة الفشل، بالانطلاق في سفرات خارجية على ما فعل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي زار قطر، وبالأمس قام بزيارة الى باريس، وسط تردد معلومات عن انّها مرتبطة بالملف الرئاسي. ومعلومة في هذا السياق حماسة الفرنسيين في إنضاج الانتخابات الرئاسية، ومشاوراتها متواصلة مع الفرقاء اللبنانيين، وكذلك مع الاطراف الصديقة للبنان، لا سيما المملكة العربية السعودية. وعلى خط مواز برزت مبادرة حزب «القوات اللبنانية» الى إيفاد وفد من تكتل «الجمهورية القوية» للقاء المنسقة العامة للامم المتحدة يوانا فيرونتسكا، وحمّلها رسالة الى المجتمع الدولي من خلال الامم المتحدة لمواكبة لبنان والضغط لإجراء الانتخابات الرئاسية لأنها المدخل الاساس والوحيد لاستقامة الحكم في لبنان والبدء بمسيرة إنقاذ اللبنانيين.
التوافق مستحيل
وبحسب مصادر واسعة الاطلاع فإنّ الوضع المرتبط بالملف الرئاسي باق على ما هو عليه، على الاقل حتى مطلع السنة الجديدة، الا اذا حصل اختراق ايجابي غير محسوب.
وكشفت المصادر لـ«الجمهورية» انّ المشاورات التي جرت على اكثر من خط في الايام الاخيرة لم تسفر عن اي ايجابيات، بل أشارت الى ان إمكان التوافق مستحيل، ربطا بتوجهات اطراف الصراع الداخلي. وكما هو الحال بالنسبة الى المعارضة التي لم تتمكن من الالتفاف حول مرشح معيّن، وتقفل في الوقت نفسه باب التفاهم مع الفريق الآخر على رئيس توافقي للجمهورية، كذلك هو الحال في المقلب الآخر. حيث أخفقت المحاولات بين «فريق الحلفاء» للتوافق حول مرشح معين، وقد عقد لقاء بين المعاون السياسي لأمين عام «حزب الله» الحاج حسين خليل والنائب جبران باسيل، لم يتمكن خلاله الخليل، من إقناع باسيل بالسير بالمرشح الذي يدعمه ثنائي حركة «امل» و«حزب الله».
الا ان المصادر لفتت الى ان المشاورات لم تنته، حيث ان لها تتمة في المدى المنظور، خصوصا انها تتواكَب مع اشارات مرتبطة بالملف الرئاسي تَرِد الى بعض المستويات المسؤولة عبر قنوات ديبلوماسية اوروبية، وكذلك عربية، تعكس ان الملف الرئاسي على النار، وينبغي ان ينجز في القريب العاجل.
واللافت في تلك الاشارات، كما تقول المصادر، انها تقارب الترشيحات والاسماء التي يجري طرحها في الجلسات الانتخابية الفاشلة على انها ترشيحات غير جدية، ولا مجال لوصول ايّ منها الى سدة الرئاسة، كما انها لا تستبطِن في الوقت ذاته اي «فيتو» على اي من المرشحين الاساسيين.
بري: سبيل وحيد
وجلسة اليوم، كما كل جلسات الفشل السابقة، تؤكد انّ الدولاب الرئاسي سيبقى بدوران فارغ «مطرحه»، طالما استمر الانحراف عن المعبر الالزامي لانتخاب رئيس الجمهورية، والذي اكد عليه الرئيس بري مجدداً عبر «الجمهورية»، وهو «التوافق السياسي، الذي من دونه يستحيل الخروج من دوامة الفراغ في رئاسة الجمهورية، وبلوغ بر الإنتخاب».
ولفت الرئيس بري الى «انّ الجو القائم لن يؤدي إلّا الى تعميق أزمة البلد ودفعه الى منزلقات خطيرة، وإرهاق النّاس أكثر ممّا هي مرهقة، وكما سبق وقلت لا يمكن للبنان واللبنانيين ان يتحمّلوا المزيد من التدهور، ومن هنا لا بدّ من نهاية لهذا الوضع القائم، فالناس يجب ان تحكي مع بعضها، وتتفاهم فيما بينها لانتخاب رئيس للجمهورية، هذا هو السبيل الوحيد الذي ينبغي سلوكه، والفرصة متاحة امام الجميع لبلوغ هذا التوافق، وانتخاب رئيس صنع في لبنان. وكلّما عَجّلنا في ذلك، نسرّع الخطوات نحو الانفراج، وفي ذلك بالتأكيد مصلحة كبرى للبنان واللبنانيين».
ورداً على سؤال حول التفسيرات والأصوات التي ارتفعت اعتراضا على عقد المجلس النيابي جلسات تشريعية في فترة الانتخابات الرئاسية، معتبرة ان المجلس هيئة ناخبة لا يجوز لها التشريع في هذه الفترة، آثَرَ الرئيس بري عدم التعليق على هذا الكلام، لكنّه قال: سأدعو الى جلسة تشريعية كلما دعت الحاجة، وفور إنجاز اللجان النيابية المشتركة لمشروع الكابيتال كونترول، سأبادر فوراً للدعوة إلى جلسة تشريعية لإقراره.
يُشار في هذا السياق الى ان الرئيس بري وجّه امس دعوة الى لجان: المال والموازنة، الإدارة والعدل، الإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط، لعقد جلسة مشتركة في العاشرة والنصف من قبل ظهر يوم الإثنين الواقع في 21 تشرين الثاني 2022، وذلك لمتابعة درس مشروع القانون المعجل الوارد في المرسوم رقم 9014 الرامي إلى وضع ضوابط إستثنائية وموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية.
معارك جانبية!
في السياق ذاته، توقفت مصادر مجلسية باستغراب امام بعض الاشارات التي تطرح من قبل بعض النواب الذين صنّفوا أنفسهم معارضة، تارة حول نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وتارة اخرى حول صلاحية مجلس النواب بالانعقاد في جلسات تشريعية. وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: الدستور واضح لهذه الناحية، والمطلوب فقط ان يُقرأ ويُفهم، لا أن يقارَب بخلفية سياسية وتفسيرات فارغة للنص الدستوري، واستخدامها مادة للمبازرة السياسية.
واضافت المصادر: الدستور ليس إلهاً من تمر يؤكَل لحظة جوع، او سلعة تستثمر لحظة حرج وضيق، فنصاب الثلثين يحكم جلسة انتخاب رئيس الجمهورية انعقاداً وانتخاباً ونقطة على السطر.
اضافت المصادر المجلسية: اما بالنسبة الى الصلاحية التشريعية لمجلس النواب، فهي صلاحية غير مقيّدة، وحق دائم ساعة يشاء، واذا كان البعض يستند الى نص المادة 75 من الدستور لاعتبار المجلس هيئة ناخبة في فترة انتخاب رئيس الجمهورية او الفراغ في رئاسة الجمهورية، فهذا الاستناد خاطىء وجاهل، حتى لا نقول اكثر من ذلك، فالمادة 75 المُشار اليها تنصّ على «انّ المجلس «المُلتئِم» لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة ناخبة لا هيئة اشتراعية». والمقصود بـ»المجلس الملتئم» جلسة الانتخاب حصرا، حيث لا يُجيز للمجلس حقّ التشريع في هذه الجلسة، وليس المقصود المجلس النيابي بصورة عامة ومهمته وصلاحيته التشريعية. وبكلام اوضح لا ينصّ الدستور من قريب او بعيد على تعطيل مجلس النواب وصلاحيته التشريعية. وايضاً نقطة على السطر.
وخلصت المصادر المجلسية الى القول: ثمّة مَن يخلط السياسة بالدستور، ويحاول ان يهرب الى الامام ويغطي تخبّطه بافتعال اشكالات ومعارك جانبية، عبر الاحتكام الى اجتهادات تنم عن جهلٍ فاضح للدستور، وتفسيرات تسخّر الدستور لأغراض ومآرب سياسية، وربما يكون القصد الدفين من هذا الافتعال، تمديد فترة الفراغ الرئاسي. وبالتأكيد مهما افتعلوا من صخب وعراضات فإنهم لن يصلوا إلى أي مكان.
وكان حزب الكتائب قد تناولَ، في بيان لمكتبه السياسي أمس، الحديث عن عقد جلسات تشريعية في ظل الشغور الرئاسي، معتبرا «أن أي خطوة في هذا الإطار عمل لا دستوري مرفوض يرمي إلى إطالة أمد الفراغ والإمساك بالاستحقاق وبالبلد والإبقاء على المؤسسات رهينة منطق الاستقواء بقوى الأمر الواقع». كما اعلن «تمسّكه بالدستور اللبناني، الناظم للحياة الديمقراطية، وبمواده التي تنص بوضوح على وجوب انتخاب رئيس من دون تعطيل ومن دون اجتهاد نصاب من هنا أو حجّة من هناك»، مشدداً على «ضرورة إبقاء جلسات الانتخاب مفتوحة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وهو المدخل الوحيد لتشكيل السلطة التنفيذية وإعادة الانتظام إلى عمل المؤسسات».
ترحيب بالموقف المصري
الى ذلك، أبلغت مصادر حكومية الى «الجمهورية» قولها إنها قرأت بإيجابية بالغة الدعوة التي أطلقها السفير المصري في لبنان ياسر علوي من بكركي، وحثّ فيها كل الأطراف على أن تكشف أوراقها وتسعى إلى التوافق على رئيس الجمهورية. واكّدت أنّه من الضروري والمصلحة التمعّن بهذه الدعوة، التي تعكس مدى حرص الشقيق الاكبر للبنان على استقراره وانتظام حياته السياسية. وتضع في الوقت نفسه اليد على الجرح وتدعونا الى أن نطرق باب الانفراج بتغليب منطق التوافق، على منطق الانقسام والصدام والتحدي، فمن دون هذا التوافق سيبقى الجرح مفتوحا، وسيستمر الوضع الشاذ إلى ما لا نهاية، مع ما يترتّب عليه من تداعيات سلبية على لبنان، لا طاقة لأحد على تحمّلها».
مصر: إزدهار واستقرار
وقالت مصادر ديبلوماسية عربية لـ«الجمهورية» ان ما قاله السفير المصري ليس مجرّد كلام عاطفي، بل استبطَن رسالة واضحة للبنانيين بكل فئاتهم وتوجهاتهم ومستوياتهم، تؤكد انّ مصر كما كانت دائماً، تريد للشقيق الأصغر لبنان ان ينعم بالاستقرار والازدهار.
واشارت المصادر الى ان الأسرة العربية تقف الى جانب لبنان، وعلى وجه الخصوص مصر، التي ترى انّ من واجب اللبنانيين ومسؤوليتهم ان يبادروا سريعا الى إتمام استحقاقاتهم، والاولوية بالتأكيد هي لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تتولى المهام المطلوبة الانقاذية منها، خصوصاً مع بلوغ الازمة في لبنان مراحل شديدة الصعوبة، وهو ما اكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي للرئيس نجيب ميقاتي قبل ايام قليلة.
واكدت المصادر «ان ليس لمصر مرشّح معين في الإستحقاق الرئاسي اللبناني، وما أكد عليه السفير علوي يعبّر بوضوح عما تريده مصر للبنان، وعن رغبة اكيدة لديها بأن ترى اللبنانيين وقد توافقوا فيما بينهم على رئيسهم، مع الاشارة هنا الى أننا نظرنا بارتياح كلّي ودعم الى المبادرة الحوارية الذي كان الرئيس نبيه بري يمهّد اليها، للوصول إلى توافق على انتخاب رئيس لبنان. وهذا التوافق، كما قال السفير، نشجعه ونحثّ عليه.
وردا على سؤال لماذا اختير منبر بكركي لإطلاق هذه الدعوة؟ قالت المصادر: نحن نقدّر مرجعية بكركي وموقعها كرأس الكنيسة المارونية في لبنان، لها رمزيتها وحضورها على وجه الخصوص في الاستحقاق الرئاسي، ولكن الدعوة الى التوافق، وكما أكّدنا عليها في بكركي، كذلك نؤكد عليها في كل المواقع الاخرى، ومع سائر المرجعيات السياسية والرسمية في لبنان.
الصندوق السيادي… والاتصالات
وسط هذه الاجواء، كان استعجال أممي مُتجدّد للشروع في إجراء اصلاحات عَبّرت عنه الأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة والمديرة الإقليمية لمكتب الدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خالدة بوزار، بعد لقائها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية امس، فيما برز على الصعيد النيابي امران، الاول: اعلان اللجنة النيابية للمال والموازنة عن تشكيل لجنة فرعية حول موضوع انشاء صندوق سيادي، مرتبط بالملف النفطي. وبرزت في جلسة اللجنة امس دعوة أطلقها النائب حسن فضل الله للنواب والكتل كلها، حثّهم فيها على القيام بدورهم المحدّد في الدستور للمحاسبة بتوقيع العريضة النيابية لمُساءلة وزراء اتصالات سابقين انطلاقاً من وجود فرصة حقيقية للمحاسبة في ملف موثّق شهد هدرا كبيرا من الأموال العامة، فنحن منذ مدة ندعو النواب للوقوف معنا في هذه القضية لتبيان الحقائق ومحاسبة المتورطين.
وحول الصندوق السيادي، قال: نريد صندوقا مستقلا غير خاضع للمحاصصة وبأعلى درجات الضوابط لحفظ المال العام المُتأتّي من الثروة النفطية والغازية، لأنّ هناك عدم ثقة نتيجة تجارب سابقة تبيّن وجود فساد وهدر واستغلال للمنصب العام، وعدم المضي في المحاسبة وهو الحال الموجود اليوم في مصرف لبنان كمؤسسة مستقلة. ولذلك على النواب الاستفادة من المَسار المفتوح اليوم للتحقيق في ملفات الاتصالات، وأن يكون لدينا قانون يسمح بالمحاسبة في الصندوق السيادي، من دون تعقيدات كالتي نواجهها في محاسبة الوزراء، ولا تتكرر تجربة غياب المحاسبة لحاكم مصرف لبنان
امّا الامر الثاني فهو مبادرة نواب التغيير: الياس جرادي، فراس حمدان، أسامة سعد، عبد الرحمن البزري، بولا يعقوبيان، شربل مسعد، سينتيا زرازير، ياسين ياسين، حليمة قعقور، نبيل بدر، إبراهيم منيمنة، وضّاح الصادق ورامي فنج الى تقديم طعن جزئي بقانون السرية المصرفية رقم 306 / 2022 أمام المجلس الدستوري.