لم يكن ينقص المشهد الدرامي الممل الاخذ بتصدير صور فولكلورية عن ديموقراطية تصادرها ممارسات التعطيل الذي صار عليه مجلس النواب اللبناني سوى اندلاع مشادات اقل ما توصف به بانها تنم عن تخلف سياسي يعكسه استسهال بعض الجهات المعطلة الى التخوين والعودة الغريزية الى الاتهامات بالعمالة وما اليها من ثقافة هابطة لمجرد ان نوابا معارضين أرادوا ممارسة حق الاعتراض والاستفسار والمساءلة في قضية دستورية كما حصل في الجلسة السادسة العقيمة لانتخاب رئيس الجمهورية امس. ولذا رسخت وقائع المشادات التي تحولت الى “الحدث” المشوه في الجلسة الانطباعات القاتمة عن الدوران الطويل في الفراغ خصوصا ان المشادات خصوصا بين نواب من كتلتي ” التنمية والتحرير” والكتائب لم تبق يتيمة بل اشتعلت معها سجالات عنيفة تسببت بها مواقف حادة اطلقها من باريس النائب جبران باسيل واستتبعت بردود حادة من رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب طوني فرنجية بما بات معه الصراع الرئاسي اشبه بفتنة سياسية جوالة وليس مواجهة ديموقراطية في استحقاق دستوري .
بإزاء الانزلاق الذي تتسم به ازمة الفراغ الرئاسي نقلت امس مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن مصدر فرنسي رفيع تأكيده ل”النهار” ان فرنسا لن تترك الوضع في لبنان يهترىء وان باريس تتكلم مع الجميع في لبنان . وجاء كلامه بعد زيارة النائب جبران باسيل الى باريس حيث التقى مستشار الرئيس الفرنسي للشرق الأوسط وشمال افريقيا باتريك دوريل والذي يتابع يوميا الملف اللبناني .ولم يصدر أي تعليق واي تأكيد من الرئاسة الفرنسية لهذا اللقاء كما ان باسيل تجنب كليا الإشارة الى من التقاهم علما انه اجرى لقاء في الجمعية الوطنية وفي مجلس الشيوخ واجتمع بمجموعة “التيار الوطني الحر” في باريس . ويسعى باسيل مع الفرنسيين الى القيام بمبادرة قد تكون قائمة على مطالبة فرنسا بالضغط على حليفه “حزب الله” للقبول باسم توافقي غير مرشح الحزب سليمان فرنجية . وهو أشار الى انه لم يخض باسم معين او يسوق لشخصية معينة مع الفرنسيين الذين لا يريدون الدخول في لعبة الأسماء .
ومبادرته كما يقول لا تقتصر على انتخاب رئيس بل على انتخاب رئيس على أساس برنامج إصلاحي وتشكيل حكومة مع رئيس حكومة تنفذ هذه الإصلاحات . وقد امتنع الجانب الفرنسي عن الخوض بمعلومات حول اللقاء وتجنب تأكيد او نفي اللقاء الذي دار بين باسيل ودوريل واكتفى المصدر البارز بالقول ل”النهار” ان فرنسا لن تترك لبنان يهترئ وان باريس تتكلم مع الجميع في لبنان .وساد الكتمان حول مضمون اللقاء في حين ان بعض وسائل الاعلام اللبنانية قالت ان باسيل سيلتقي الرئيس الفرنسي او رئيس مستشاريه ايمانويل بون علما ان الاثنين كانا في بالي وتايلاند والرئيس الفرنسي لن يعود الى باريس قبل ١٩ تشرين الثاني بعد القمة الفرنكوفونية في تونس .
انفجار السجالات
اما الجلسة السادسة لانتخاب رئيس الجمهورية فشهدت “انفجار” سجالات حول موضوع نصاب الثلثين بعد جدل دستوري سرعان ما تسبب بتراشق كلامي بين نواب “امل” والكتائب وتمددت تداعياته المكتومة الى توتر بين الكتائب و”القوات اللبنانية” بعد وقوف الأخيرة في موقع اعتبر ممالئا لرئيس المجلس . اذ ان بري تمسك بالتمسك بنصاب الثلثين في كل الدورات الامر الذي ايدته ” القوات”.
وبدأت جلسة في أجواء متوترة على خلفية موضوع النصاب فبادر النائب سامي الجميل الى سؤال رئيس المجلس “إلى أي مادة تستند عندما تقر بأننا نريد الحفاظ على نصاب الثلثين في الدورتين؟”. وقال إن “المادة 49 لا تتحدث عن نصاب، بل عن انتخاب رئيس بالثلثين في الدورة الأولى، وانتخاب بالنصف زائدا واحدا في الدورة الثانية”. ولكن الجميل لم يسكت عما انتهت اليه الجلسة السابقة فوجه ملاحظة الى بري قائلا ان الطريقة التي انهى بها الجلسة السابقة ردا على أسئلته “لا تليق بك دولة الرئيس”. هذه العبارة اشعلت سخط بري فسارع الى رفضها ورد على الجانب الدستوري قائلا “الجلسات دائما يجب ان تكون بنصاب الثلثين، هذا الامر كان دائما موضع نقاش منذ العام 1927 وحتى الآن وأكبر دليل على ذلك ان الشيخ سامي الجميل نفسه في 1 ايلول 2007 قال حرفيا: ندعو المسيحيين الى المشاركة بجلسة إنتخاب رئيس الجمهورية وعدم ضرب نصاب الثلثين، وأن الخطر الاكبر في تخطي المؤسسات”. وأضاف بري: هذا تصريحك في واحد ايلول 2007، اولا: ورجاء لا تقاطعني “بيك الله يطول بعمرو طيب روح إسالو شو بيقول انا بقبل بدك اكثر من هيك؟ ثانيا البطريرك صفير رحمه الله إتخذ موقفا حادا وجازما ونهائيا في هذا الامر، النص واضح هو بأكثرية الثلثين للنصاب، في الدورة الاولى ينتخب الرئيس بأكثرية الثلثين، وفي الدورة الثانية بالاكثرية المطلقة، فهل المطلوب إنتخاب رئيس في 33 صوتا؟ ”
وحصلت مشادة كلامية بين النائب علي حسن خليل ونواب الكتائب، بعد مداخلة الجميل، وتدخل النائبان الياس حنكش ونديم الجميل، وتدخل النائب قبلان قبلان وقال “في العام 1982، أتوا بالنواب إلى المجلس بالملالات “ليعملوا نصاب لبشير الجميل. فرد عليه النائب نديم الجميل: “خلصنا من طق الحنك ومن الملالات تبعكن”. فأجابه قبلان بالقول: “نحن من زمان خلصنا، بس إنتو ما عم تخلصوا”.
وتحدث النائب جورج عدوان فاعتبر ان كلام الجميل كما الرد عليه من قبلان “غير لائقين ” وأعلن ان ” لا مانع إطلاقا من عقد جلسة تفسير للدستور وهذا حق للنواب، ولكن سواء حصلت الجلسة أم لا يجب أن نميز بين موضوع النصاب وموضوع الانتخابات”. واكد “اننا مع نصاب الثلثين، ولكن نتمنى على النواب أن يمارسوا دورهم ومسؤوليتهم في صندوق الاقتراع”. واثار كلامه استياء نواب الكتائب والنواب المعارضين الذين يخوضون الكباش حول موضوع النصاب واتهمت مصادرهم “القوات” ؛بمسايرة بري لابقاء باب التسويات مفتوحا معه “.
وجاءت نتيجة فرز الأصوات امس لتخفض عدد الأصوات لدى المرشح النائب ميشال معوض في ظل مزيد من التشرذم في توزع الأصوات التي كانت كالاتي : 46 ورقة بيضاء، 43 ميشال معوض، 9 “لبنان الجديد”، 7 عصام خليفة، 3 زياد بارود، 1 سليمان فرنجية، 1 ميشال ضاهر و2 ملغاة، واحدة باسم “دستور جديد للبنان جديد”، والثانية “فالج لا تعالج”.
وأوضح النائب معوض “أننا تراجعنا اليوم مقارنة بالاسبوع الماضي نتيجة تدخلات حصلت الأربعاء مع بعض النواب المستقلين” مضيفا “سنذهب نحو معالجة الوقائع وحصل توافق مبدئي مع مارك ضو ونجاة عون بانتظار ترجمة سياسية” وأضاف “معركة الخنادق” التي نخوضها اليوم هي بين لبننة الاستحقاق وبين من ينتظر كلمات سر خارجية”. ويبدو ان الحديث عن تدخلات مع مستقلين كان يقصد به معلومات عن طلب الرئيس نجيب ميقاتي من نواب سنة عدم اتخاذ أي موقف الان من المرشحين .
بري – فرنجية – باسيل
وفي أجواء متوترة مماثلة خارج الجلسة اندلعت سجالات على خلفية تسريب تسجيل صوتي لرئيس “التيّار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، يهاجم فيه من باريس، رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة كما يحذر من عودة الترويكا في حال انتخاب فرنجية بالشراكة مع بري وميقاتي . وسارع باسيل الى اصدار تعميمٌ داخلي جاء فيه: ” مطلوب عدم مهاجمة أحد في اللقاءات الداخلية وعلى الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وان رئيس التيار لم يتهجّم على أحد بل اوضح في اجتماع داخلي للتيار في باريس اسباب عدم تأييد فرنجية بأن التيار لا يرغب بالعودة داخلياً الى زمن ١٩٩٠-٢٠٠٥.”. ولكن بري رد على باسيل، من خلال مكتبه الإعلامي، وشدّد على أن “في جميع الحالات، ما كان الأمر عليه في العام 1990 نعتقد أنه أفضل مما قدم لنا في السنوات الست الماضية و الذي يتلخّص: عون – باسيل – جريصاتي”. بدوره، ردّ النائب طوني فرنجية على باسيل وقال: “سيبقى سليمان فرنجيه شخصية وطنية جامعة تتخطى محاولات التلّطي وراء الطوائف ومفاهيم التقوقع المختلفة التي أرهقت البلاد والعباد. نحن ايضا لا نتفق معك في البرنامج السياسي والإصلاحي لبناء دولة “جربنا وشفنا” أوصلتنا الى جهنم”.