بعرس كروي عالمي، مشهد فني استثنائي، وبحضور جماهيري واسع، احتفلت دولة قطر بافتتاح المونديال على أرضها واستضافة الدول المشاركة من جميع أنحاء العالم، وتكاد تكون المشهدية الرياضية التي ظهرت أمس واحدة من الأجمل بتاريخ العالم العربي، وهي تجاوزت بمعانيها ودلالاتها الوطنية والعربية كل التوصيفات التي يمكن أن يحدها الخيال.
وفي مقابل التقدّم الذي تشهده قطر على كافة الصعد، ظهر التراجع الذي يعانيه لبنان، بعدما كان منارة الشرق الأوسط ومحطة الأحداث العالمية في المحيط العربي. ويتمثّل هذا التراجع بالفراغ الدستوري والسياسي الذي ينتج عن إدارة غير مسؤولة وبالأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة. وفي هذا الوقت، تقف البلاد على أبواب الذكرى التاسعة والسبعين للاستقلال وسط الفراغ والشلل، ولسخرية القدر، ما زال القرار مصادراً لمصالح إقليمية سلخته عن محيطه العربي والدولي، بانتظار إنجاز الاستحقاقات المنتظرة.
ومن الواضح أن طبخة استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية لم تنضج بعد، خصوصاً وأن ثمّة أطرافاً سياسية تتعامل بخفّة مع حجم المسؤولية ودقّة الظروف الصعبة، وتنظر إليه من منظار فئوي نسبةً لمصالحها السياسية، في حين أن التأخر في إنجازه يفتح الباب أمام تعميق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وما هو أخطر، الأزمات الأمنية.
في سياق متصل، رأى الباحث والكاتب السياسي الياس الزغبي أن “من المؤسف أن يراقب اللبنانيون المستوى الحضاري الذي يقدمه العالم في الدولة العربية الخليجية قطر، بينما نحن في لبنان لا نقدّم سوى عروضاً سياسيةً هزليةً، خصوصا على مستوى إعادة انتاج السلطة بدءاً من موقعها الأول، رئاسة الجمهورية“.
وفي حديث مع جريدة “الأنباء” الالكترونية، اعتبر الزغبي أن “هذا المشهد المزدوج يختصر مأساة لبنان الغارق في جحيمه والضائع في تحديد توجهاته ضمن بيئته العربية أولاً، وفي السياق العالمي ثانياً”، مشدّداً على أنه “بات من الواضح أن إنقاذ لبنان لا يتم إلّا بتزويج إرادة وطنية سليمة وواعية مع إرادة دولية عربية حاضنة“.
إلّا أنّه لفت إلى أن “العالم منشغل بأزماته، والدول التي تلتفت إلى الازمة اللبنانية لا تفعل سوى ما يمكن تسميته “رفع العتب السياسي”، لذلك فإن على القيادات اللبنانية المبادرة ليلتحق بها المجتمع الدولي، فيتم إنتاج صيغة مقبولة يمكن أن تحل العقد السياسية، ليجتمع المجلس النيابي بعيداً عن إرادة التعطيل المتكررة وينتخب رئيسا للجمهورية“.
كما ذكر الزغبي “تكرار بكركي طرحها فكرة المؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة لانتشال لبنان من الحفرة العميقة التي وقع فيها”، ورأى أن “مؤشرات على هذا التوجه من القوى السياسية والوطنية التي تتوّجه بين يوم وآخر إلى الصرح البطريركي”، مشدّداً على وجوب “ابتكار صيغة جديدة لطلب معونة عاجلة من المجتمع العربي والدولي لمساعدة لبنان على تأمين مناخ ديمقراطي كاف داخل مجلس النواب يكفل عدم تعطيل النصاب وإنجاز الاستحقاقات“.
على الصعيد الأمني، وبالتزامن مع تزايد المخاوف من اضطرابات قد تضرب الواقع الأمني من جديد نتيجة التأزّم السياسي، حذر العميد المتقاعد جورج نادر من حصول اضطرابات أمنية بسبب الواقع السياسي وتعقيداته التي تولد الفوضى والمشكلات، إلى جانب الجوع والفقر.
وفي اتصال من “الأنباء” الالكترونية، عبّر نادر عن عدم ارتياحه للتصريحات حول أن الأمن ممسوك ولا خوف من حدوث مشاكل امنية، “وذلك لغياب الضمانات الاجتماعية والصحية عن القوى الأمنية”، وسأل: “كيف يُمكن للقوى الأمنية أن تضبط الأمن في ظل الفقر والجوع، مع العلم أن راتب الدركي لا يتجاوز 30 دولارا؟ ويترافق ذلك مع غياب الطبابة والخدمة الصحية لعناصر قوى الأمن“.
كما سأل نادر: “كيف يمكن ملاحقة المخالف وتوقيفه ومصادرة سلاحه الحربي وهناك مناطق يحظر على القوى الأمنية دخولها، وتجري فيها استعراضات عسكرية على “عينك يا تاجر؟”، مؤكداً وجوب تطبيق القانون في مختلف المناطق.
بكل الاحوال فإن لبنان كما كل العالم دخل في هدنة “المونديال” وتليها إجازة الأعياد، على أمل أن تكون “عيدية” ما بانتظار اللبنانيين حينها.