ان خريطة معركة رئاسة الجمهورية بدأت تظهر بوضوح اكثر، بعد الموقف الذي اعلنه الوزير جبران باسيل في باريس من انه يعارض انتخاب الوزير سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، وان التيار الوطني الحر لا يمكن ان يعطي اصواته لفرنجية كي يصبح رئيسا للجمهورية.
في المقابل، يتابع الوزير فرنجية معركته للرئاسة حتى الآن دون الاعلان رسميا عن ترشيحه، مع العلم ان البلد كله بات يعرف تماما انه مرشح منذ انتخاب الرئيس العماد ميشال عون، والذي كاد ان يصل الى قصر بعبدا، لولا الوعد الذي كان قد اعطاه حزب الله للرئيس العماد ميشال عون كي يدعمه ويوصله الى رئاسة الجمهورية.
ورغم ان فرنجية كانت معه الاكثرية يومها، الا ان حزب الله اعتذر عن دعمه لرئاسة الجمهورية، لانه مصر على دعم العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
ولان الواقع كان بهذا الشكل، فان فرنجية بقيَ مرشحا للرئاسة منذ بداية ولاية الرئيس العماد ميشال عون وحتى نهايتها، وسيكون هو المرشح المدعوم من حزب الله، لا بل مرشح حزب الله الذي سيصل الى رئاسة الجمهورية.
واقع الحال الآن، ان حزب الله يدعم فرنجية لرئاسة الجمهورية، لكنه لم يعلن ترشيحه ، كما ان الرئيس نبيه بري حليف فرنجية وهو يدعمه، وهنالك نقطة ثابتة وهي ان الثنائي الشيعي المؤلف من حركة امل وحزب الله ، لديه قناعة ثابتة بالوحدة بينهما وعدم الخلاف على اي موضوع. ولذلك، فان موقف حركة امل وحزب الله سيبقى واحدا ، سواء استطاعا ايصال الوزير فرنجية الى رئاسة الجمهورية ام لا.
بالنتيجة هل يتمّ بحث تسوية أم لا؟ لان الوزير جبران باسيل سيذهب الى معارضة قوية، كونه يملك كتلة مسيحية مؤلفة من 18 نائبا، وسيقودها الى معارضة شرسة ويبني حيثياتها، ولكن لا يُمكن الحديث عن موقف الثنائي الشيعي.
وبما ان حزب الله وبري من غير الممكن ان تتحالف معهما القوات اللبنانية سياسيا، لان هنالك خلافا كبيرا في وجهات النظر حول المقاومة وسلاحها والموقف من سوريا، كما تحالف القوات اللبنانية والسعودية، يقابله تحالف حزب الله مع ايران، واعتداد بري بعلاقاته عربيا، وفي الوقت ذاته اعتداده في العلاقة مع ايران. انما حزب الله هو الحليف الاساسي لايران وسلاحه وصواريخه وتمويله من ايران، اضافة الى المؤسسات التي استطاع حزب الله ان يبنيها بقوته الذاتية ويحدد موقفه السياسي في المنطقة.
ولذلك، من غير الممكن ان يصبح هنالك تحالف او اقتراب في وجهات النظر بين القوات اللبنانية من جهة، والثنائي الشيعي من جهة اخرى. ولهذا السبب، فان حزب الله وبري، وخاصة حزب الله لا يريدان ان يخسرا الكتلة المسيحية الوحيدة التي هي حليفتهما وهي كتلة التيار الوطني الحر التي يرأسها الوزير جبران باسيل.
اما اسباب رفض باسيل لوصول فرنجية الى سدة الرئاسة ، فيعني ان تيار المردة سيستعيد قوته الكبيرة التي كانت في قضاء زغرتا، كما انه سيستعيد قوته في قضاء الكورة، حيث بنى التيار الوطني الحر قوة له في هذا القضاء، وظهر ذلك في الانتخابات النيابية الاخيرة. كما ان التيار الوطني الحر استطاع بناء قاعدة قوية له في منطقة البترون، التي كانت مركزا قويا لتيار المردة. فاذا وصل فرنجية الى رئاسة الجمهورية، فان تيار المردة سيستعيد قوته شعبيا في منطقة البترون على حساب التيار الوطني الحر.
ولكل هذه الاسباب، يرى الوزير جبران باسيل ان من مصلحته ومصلحة تياره ان لا يصل فرنجية لرئاسة الجمهورية، حتى لو حصل على وعود منه باعطائه عددا جيدا من الوزراء ، واعطائه ضمانات واشراكه في الحكم.
اما موقف باسيل من وصول قائد الجيش العماد جوزاف عون الى رئاسة الجمهورية، فهو يعارضه كليا، ويرى في وصوله الى سدة الرئاسة انها ستكون على حساب شعبيته في التيار الوطني الحر، لان العماد جوزاف عون سيأخذ عددا كبيرا من شعبية العونيين، لان الروحية التي تتملّك المحازبين في التيار الوطني الحر اساسها روحية التحالف مع الجيش اللبناني.
فاذا وصل العماد عون الى رئاسة الجمهورية، فان قسما كبيرا من شعبية التيار الوطني الحر ستتحوّل اليه ، وبذلك يخسر جبران باسيل نسبة كبيرة من شعبية التيار الوطني الحر.
والعماد جوزاف عون لن يعطي الوزير باسيل النفوذ والحرية والصلاحيات في الحكــم التي اعطــاها الرئيــس السابق العماد ميشال عون لصهره، بل ســيعطيه عددا جيدا من الوزراء، ويعطيه تحالفا وعلاقة ممتازة، لكنه طبعا لن يكون مثل العماد عون الذي اعطاه منصب ولي عهد تقريبا، وكانت القرارات التي يأخذها الرئيس عون بالتنسيق التفصيلي مع صهره الوزير جبران باسيل.
فمن هنا، يرى باسيل ان وصول العماد جوزاف عون ليس من مصلحته، وهو يعارض وصوله الى رئاسة الجمهورية. ولا بد في هذا المجال ان نذكر ان السعودية تؤيد وصول قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون الى رئاسة الجمهورية، وهي ابلغت اطرافا عديدة منها القوات اللبنانية والطائفة السنية بواسطة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري ان المملكة السعودية تؤيد وصول العماد جوزاف عون الى رئاسة الجمهورية.
كما ان قائد الجيش يحظى بدعم اميركي كبير، حتى ان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان اجرى اتصالات مع الفرنسيين ، وقد طلب من الرئيس ايمانويل ماكرون المساعدة في هذا المجال، والعمل على خط اميركي – فرنسي- سعودي لايصال قائد الجيش الى رئاسة الجمهورية. مع العلم ان العماد عون مستقل في تفكيره، ولا ينتمي الى اي طرف من هذه الاطراف، وهو في تنشئته كضابط لم يقترب من العمل السياسي ابدا في حياته العسكرية، على عكس الرئيس العماد ميشال عون، فهو يمتلك نظرية لبنانية كاملة، ولا يريد ان ينتمي الى اي محور، رغم انه يقيم علاقات جيدة وثيقة مع هذه الاطراف.
اما الوزير سليمان فرنجية، فهو مرشح لرئاسة الجمهورية يخوض معركته بهدوء، ويريد ان يكون عهده عهد انفتاح على كل الاطراف، وعهد مصالحة لبنانية كاملة، وليس عنده عقدة من اي طرف، حتى انه ليس عنده اي مشكلة بالنسبة للتعاطي السياسي مع الدكتور سمير جعجع وحزب القوات اللبنانية، بل يريد ان يكون عهده عهد استقرار وعهد انفتاح عربيا واوروبيا ودوليا، وفي الوقت ذاته يريد ان تكون فترة حكمه طوال 6 سنوات، فترة استقرار سياسي، وان ينهض بلبنان بعد الكارثة الاقتصادية التي وصل اليها، حيث انهارت المؤسسات بالكامل، ولا بد من الخروج منها كي يعود لبنان الى مركزه عربيا واقليميا ودوليا.
بالنسبة لحزب الله سيدرس مع الرئيس نبيه بري والوزير وليد جنبلاط عدد الاصوات التي ستؤيد فرنجية. فاذا لم يستطيعوا استمالة كتلة التيار الوطني الحر، قد يكون هنالك معركة رئاسية يقودها التيار الوطني الحر ضد الثنائي الشيعي بكل ثقله، وسيستفيد الوزير جبران باسيل بكتلته المسيحية من المعارضة لكل الاطراف، وبالتالي يرى ان من مصلحته المعارضة، وعدم ايصال فرنجية الى رئاسة الجمهورية.
عند هذه النقطة قد يطرح احدهم الاتفاق على مرشح تسوية، والذي سيقوم بهذه المهمة وبعد دراسة هو الرئيس بري، الذي اعلن انه بعد اعياد رأس السنة ومن منتصف شهر كانون الثاني، سيبدأ مشاورات مع الكتل النيابية للاتفاق على اسم المرشح لرئاسة الجمهورية.
فمن سيصل الى قصر بعبدا؟ الاوفر حظا هو سليمان فرنجية، لكن امامه صعوبة كبرى في كيف ستكون علاقة حزب الله مع التيار الوطني الحر.