“حياد لبنان ممنوع، زمن لويس الرابع عشر انتهى، واللامركزية الإدارية الواسعة خطر وجودي”… بهذه الرسالة الثلاثية الأبعاد الموجّهة إلى عموم اللبنانيين والمسيحيين على وجه أخصّ، اختار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد عبد الأمير قبلان على طريقته تظهير الموقف الرافض لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بغير المواصفات التي حدّدها “الثنائي الشيعي”، تحت طائل التهديد بـ”أخذ البلد إلى الفتنة” كما حذر “حزب الله” أمس على لسان الشيخ نبيل قاووق، باعتبار أنّ أي رئيس لا يتمتع بهذه المواصفات سيكون رئيساً “يخدم المطالب الإسرائيلية”، مشدداً على وجوب أن تندرج مقاربة الاستحقاق الرئاسي ضمن إطار “المعادلات الداخلية الحساسة التي لا تسمح بوصول من يراهن عليه العدو” إلى قصر بعبدا.
وباختصار مفيد، تقارب شخصية سياسية مخضرمة العرقلة الرئاسية من زواياها العابرة للحدود، على قاعدة إبحثوا في “العمق الاستراتيجي لإيران”، في إشارة إلى العبارة التي استخدمها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي في معرض إدراجه لبنان على قائمة الدول الخاضعة لمعادلة “العمق الإيراني”. وأوضحت أنّ “كلاماً من هذا النوع يعني حكماً بأنّ طهران لن تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان لا يقرّ بهذه المعادلة، وهذا ما يتمّ تجسيده بشكل أو بآخر من خلال المواصفات الرئاسية التي وضعها “حزب الله” تحت عنوان “عدم الطعن بالمقاومة” بما تشكله هذه المقاومة من أهم أوراق القوة لامتدادات العمق الاستراتيجي لإيران في ساحات المنطقة”، معربةً عن قناعتها بأنّ “خامنئي وضع بهذا المعنى أسس التفاوض مع الغرب على الورقة الرئاسية اللبنانية تأكيداً على ضرورة أن تكون لطهران الكلمة الوازنة فيها”.
وكان المرشد الإيراني قد شدد في خطابه السبت أمام “قوات التعبئة الشعبية” على أهمية “الخصائص الجغرافية والجيوسياسة” بالنسبة لسياسة بلاده، منوّهاً بأنّ “الثورة الإسلامية غيّرت قلوب الدول المجاورة لإيران (…) فلغة قلوبنا وقلبهم واحدة وتوجهاتهم هي نفس توجهاتنا”، ليخصّ بالذكر “سوريا والعراق ولبنان وليبيا والسودان والصومال” بوصفها الدول التي تمثل البعد الاستراتيجي الإيراني، مؤكداً أنّ “سياسة طهران نجحت في كل من العراق وسوريا ولبنان مما أدى إلى هزيمة أميركا في هذه الدول”، ومتباهياً من هذا المنطلق بكون “الثورة الإٍسلامية انتقلت إلى شعوب المنطقة والدول المجاورة وأوجدت فيهم التغيير”.
وفي المقابل، برزت أمس مضامين العظة التي ألقاها البطريرك الماروني بشارة الراعي من كنيسة “مار مارون” في روما وصّوب خلالها مباشرةً على “نوايا معطلي” جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، طالباً منهم أن يكشفوا نواياهم الحقيقية من وراء هذا التعطيل فتساءل: “ما هو المقصود؟ أمحو الدور الفاعل المسيحي عامة والماروني خاصة؟ لماذا رئيس مجلس النواب يُنتخب بجلسة واحدة وحال موعدها؟ ولماذا يتم تكليف رئيس الحكومة فور نهاية الاستشارات الملزمة؟ أهما أهم من رئيس الدولة؟”.
وإذ لم يغفل “العرف القائل بوجوب نصاب ثلثي أعضاء مجلس النواب في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية”، شدد الراعي على وجوب “ألا ننسى المبدأ القانوني القائل بأنه لا عرف مضاداً للدستور (…) فلماذا إقفال الدورة الأولى بعد كل اقتراع وتعطيل النصاب في الدورة التالية خلافا للمادة 55 من النظام الداخلي للمجلس؟”، داعياً المجلس النيابي إلى الإقلاع عن “مواصلة التلاعب والتأخير المتعمد في انتخاب رئيس للدولة يؤمن استمرارية الكيان والمحافظة على النظام”، وخاطب أعضاء المجلس مباشرةً بالقول: “إذهبوا وانتخبوا رئيساً قادراً بعد انتخابه أن يجمع اللبنانيين حوله وحول مشروع الدولة، ويلتزم الدستور والشرعية والقوانين اللبنانية والمقررات الدولية، ويمنع أن يتطاول عليها أي طرف وأن يحول دون تنفيذها وتعطيلها، أو أن يتنكر لدور لبنان ورسالته في المنطقة والعالم. ولا تنتخبوا رئيسا لهذا الحزب أو التيار أو المذهب. ولا تنتخبوا رئيساً لربع حل أو نصف حل، بل لحل تدريجي كامل”، محذراً من أنّ “لبنان لا يستطيع انتظار حلول الآخرين لينتخب رئيسه، خصوصاً أن ما يحصل في المنطقة لا يعد حتماً بإيجاد حلول للمشاكل القائمة بل يبقى الخطر قائماً بنشوء حروب جديدة من شأنها أن تعقّد الحل اللبناني”.
تزامناً، وصل مساءً وفد من الكونغرس الأميركي برئاسة النائب مارك تاكاتو وعضوية النائبين كولن الريد وكاتي بورتر إلى بيروت في زيارة تستمر “يوماً واحداً”، كما نقل مصدر مواكب للزيارة وستشمل عقد سلسلة لقاءات مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب، إضافةً إلى قائد الجيش العماد جوزاف عون، متوقعاً أن تشكل هذه الزيارة مؤشراً إلى بدء تبلور “توجّه أميركي حيال الأزمة السياسية التي يمر بها لبنان لا سيما في ما خصّ المخاوف من إطالة أمد خلوّ سدة الرئاسة ما سيؤدي إلى مزيد من الانهيارات الاقتصادية والمالية والفوضى المجتمعية”، ولفت المصدر في هذا السياق إلى أنّ مهمة وفد الكونغرس “بقدر ما هي استطلاعية لكنها تحمل رسائل ستتضح بعد انتهاء الزيارة عبر بيان يصدر عن السفارة الأميركية”.