يبدو ان الأسبوع الطالع سيشكل الحدود الفاصلة بين استمرار جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بالوتيرة الشكلية الروتينية إياها التي طبعت الجلسات السبع السابقة التي عقدها مجلس النواب، او التوقف الظرفي عن الدعوات التي يوجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسات الخميس بلا طائل لتمرير شهر كانون الأول، علّ وعسى تنشأ تطورات من شأنها ان تبدل مسار العقم الذي يحاصر ازمة الفراغ الرئاسي. واذا كانت الأجواء المتصلة بالازمة قد ازدادت تلبداً وتشاؤماً وقتامة في ظل “الاقتحامات” الإقليمية السافرة لمحور “الممانعة” للساحة اللبنانية التي ميزت الساعات الثماني والأربعين الأخيرة في ظل كلام مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي عن لبنان، كما تسريب كلام لرئيس النظام السوري بشار الأسد حول لبنان، فان هذه التدخلات ولو كانت مألوفة في تاريخ النفوذ المزدوج للنظامين الإيراني والسوري عبر حليفهما الأساسي “حزب الله” وحلفائه الاخرين شكلت تطورا حسيا ملموسا واثباتا إضافيا على الاستباحة الإقليمية للاستحقاقات اللبنانية التي تتيحها ممارسات فريق 8 اذار بالتكافل والتضامن مع الراعيين الإقليميين لهذا الفريق. ولم يكن ادل على ذلك من امتناع أي زعيم او مسؤول او نائب من هذا الفريق عن اعلان أي موقف ولو مبدئي يرفض عبره أي مداخلات خارجية من أي جهة أتت لئلا تشكل عامل تعقيد إضافيا للمسار المأزوم والانسداد المتحكم بأزمة الاستحقاق الرئاسي.
ولكن تباهي مرشد الثورة الإيرانية بتمدد نفوذ نظامه الىِ العراق وسوريا ولبنان وحديثه عن “ابطال المقاومة” في لبنان، بدا من وجهة الرصد الديبلوماسي والسياسي لتوقيت هذه “الاطلالة” بانه تثبيت المثبت لجهة ان طهران تستعرض نفوذها وسطوتها على الساحة اللبنانية لتعزيز أوراق حلفائها في معركة فرض مرشحهم او المضي في تعطيل الاستحقاق لفتح بازار الصفقات الدولية والإقليمية وتحويل لبنان ورقة ضغط ومقايضة للمرور الحتمي بطهران لانجاز الاستحقاق اللبناني.
وهذا التطور وان لم يكن جديدا لجهة تكرار ادبيات طهران عن تمدد نفوذها الى عواصم عدة في المنطقة في مقدمها بيروت، يضع الاستحقاق اللبناني في عين العاصفة الإقليمية الدائرة حول ايران تحديدا واذرع نفوذها في المنطقة. وفي أي حال سيكون لبنان مدرجا هذا الأسبوع على جدول اعمال المحادثات الأميركية الفرنسية التي ستجرى بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارة الدولة التي يبدأها الأخير لواشنطن غدا الثلثاء كما اكدت معلومات العاصمة الفرنسية عشية الزيارة .
وتتسم المفاتحة الأميركية الفرنسية المتجددة حول الازمة اللبنانية بأهمية خاصة في ظل تاكيدات البلدين لعمق التفاهم بينهما حول اهدافهما في لبنان لجهة استعجال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تلتزم اجندة إصلاحية انقاذية تتيح للبنان الحصول على الدعم الدولي. ولن يكون التدخل الإقليمي السافر الذي برز علنا في الاستحقاق اللبناني بعيدا من أجواء هذه المحادثات خصوصا في ظل تصاعد الإدانة الغربية الشاملة للقمع الدموي الذي يمارسه النظام الإيراني ضد الاحتجاجات المتسعة في ايران .
ومع تزايد اخطار الفراغ الطويل، اكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في حديث تلفزيوني مساء امس انه مؤتمن على دوره وموقعه كرئيس للحكومة ولا يأخذ مكان “فخامة رئيس الجمهورية” وان مجلس الوزراء هو اليوم من يحل مكان رئيس الجمهورية وليس نجيب ميقاتي . وكرر انه مع احترامه للرئيس ميشال عون فان هناك اياد خارجة عن ارادته عطلت تشكيل الحكومة . وقال انه متاكد من وجود ميكروفونات كانت تنقل ما كنا نقوله في قصر بعبدا الى الخارج حتى يسمعها رئيس الظل. واكد انه “لا يتدخل بالقضاء وانا مع متابعة واغلاق ملف رياض سلامة والدستور يخولني أن أدعو لجلسات مجلس الوزراء وسأقوم بالدعوة لاجتماع مجلس الوزراء وكل واحد يتحمل مسؤوليته”.
خامنئي والأسد
في هذا الاطار، كان خامنئي جدد التأكيد مرة جديدة ان لبنان ساحة نفوذ تابعة له اذ اعتبر “ان سياسة إيران الفاعلة في لبنان وسوريا والعراق كانت نتيجتها فشل مخطط أميركا في هذه البلدان”، مؤكدًا أنّ “الأعداء استهدفوا سوريا والعراق ولبنان وليبيا والسودان والصومال، لضرب العمق الاستراتيجي لإيران”. وقال أنّ قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني “كان له الدور البارز في انتصار إيران على المشروع الأميركي في المنطقة”، مشيرًا إلى أنّ “قوات التعبئة الايرانية واجهت “داعش” الذي أوجده الأعداء وهاجم المراقد المقدسة، وعناصر التعبئة دعموا أبطال لبنان وفلسطين”، معلنًا “أننا سنواصل دعمنا لقوات المقاومة في المنطقة ولبنان وفلسطين”.
ومن جانبه تناول الرئيس السوري بشار الاسد في حديث اجراه قبل أيام مع مجموعة من صحافيين بعيدا من الأضواء وكشف النقاب عنه اخيرا العلاقة مع “حزب الله” فقال “دعَمنا حزب الله، وما زلنا ندعمه، وسنبقى ندعمه لأنه حليف استراتيجي لنا”، معربًا عن “خشيةٍ على لبنان ومستقبله في ظل الواقع الحالي، لكونه خاصرة سوريا الأساسية، والاستقرار فيه مهم جداً لسوريا”.
“محو الدور المسيحي”
ووسط هذه الاجواء اطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عبر عظة القاها امس في روما مواقف جديدة من ازمة الاستحقاق فسأل: ” لماذا إقفال الدورة الأولى بعد كل اقتراع وتعطيل النصاب في الدورة التالية خلافا للمادة 55 من النظام الداخلي للمجلس؟ لا يستطيع المجلس النيابي مواصلة التلاعب والتأخير المتعمد في انتخاب رئيس للدولة يؤمن استمرارية الكيان والمحافظة على النظام . فما هو المقصود؟ أعدم فصل السلطات؟ أمحو الدور الفاعل المسيحي عامة والماروني خاصة؟ لماذا رئيس مجلس النواب ينتخب بجلسة واحدة وحال موعدها؟ ولماذا يتم تكليف رئيس الحكومة فور نهاية الاستشارات الملزمة؟ أهما أهم من رئيس الدولة؟ إكشفوا عن نواياكم يا معطلي جلسات انتخاب رئيس للدولة”.
وتوجه للنواب : “إذهبوا وانتخبوا رئيسا قادرا بعد انتخابه أن يجمع اللبنانيين حوله وحول مشروع الدولة، ويلتزم الدستور والشرعية والقوانين اللبنانية والمقررات الدولية، ويمنع أن يتطاول عليها أي طرف وأن يحول دون تنفيذها وتعطيلها، أو أن يتنكر لدور لبنان ورسالته في المنطقة والعالم. لا تنتخبوا رئيسا لهذا الحزب أو التيار أو المذهب. ولا تنتخبوا رئيسا لربع حل أو نصف حل، بل لحل تدريجي كامل. فرئيس لبنان يكون لكل لبنان أو لا يكون، مثلما يكون لبنان لكل اللبنانيين أو لا يكون. يبقى أن يكون كل اللبنانيين للبنان بولائهم الوطني وخضوعهم لدستور الدولة.”.
بدوره ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة انتقد بحدة “المـسـرحــيــةِ الــهَــزْلــيــةِ الــتــي تــتــوالــى فــصــولُـهــا أســبـوعــيــاً، ولا تــبــدو لــهــا نــهــايـة، لأنّ أبــطــالَــهــا يَـتَجـاهَـلـون قــواعــدَ الــنــظــامِ الــديــمـوـقـراطــي، أو يُــريــدونــه مُــعَــلّــقــاً كــمــا جــعــلــوا الــدســتــورَ مُــغَـــيَّــبــاً”، متسائلاً: “أهــي قِــلّــةُ مــســؤولــيــةٍ أم قِــلّــةُ وطــنــيــة؟ وأيُّ وفــاقٍ أو اتــفــاقٍ يَــدعــون إلـيــه وأيُّ تــوافُــقٍ يَــدَّعــونــه وهــو تــكــاذُبٌ، وأيّــةُ ديــمـوقــراطــيــةٍ يَــتــغــنــون بــهــا وهـم لا يــســتــطــيــعــون انــتــخــابَ رئــيــسٍ إلاّ بــعــد مــخــاضٍ عــســيــرٍ ووقــتٍ ضــائــعٍ وتَــراجُــعٍ وانــحــلالٍ وانــهــيــار؟ ألا يــعــرفــون أنّ عــلــيــهــم أن يــعــقــدوا جــلـســةً مــفــتــوحــةً تــتــوالــى فــيــهــا الــدوراتُ الإنــتــخــابــيــةُ ويــتــنــافــسُ الــمــرشــحــون بــوضــوحٍ فــيــخــتــارُ الــنــوابُ مَــن يــشــاؤون والــرابــحُ يــكــونُ رئــيــسَ الــبــلاد؟ أمــا بــدعــةُ الــتــعــطــيــلِ فــهــي جــريــمــةٌ بــحــقِ الــوطــنِ وبــحــقِ الــنــاخــبِ الــذي أوصــلَ الــنــائــبَ لــلــقـيــام بــواجــبِــه، فــلا ســلــطــةَ اســتــنــســابــيــةَ لــلــنــائــبِ مــن أجــلِ الــقــيـامِ بــواجــبِــه الــدســتــوري وإلاّ فــهــو يَــخــون ثِــقَــةَ الــشــعــبِ ويَــضــرُبُ مــصــلــحــتَــه”.
أجواء أوروبية
الى ذلك شارك وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب في اجتماعات المنتدى السنوي للاتحاد من أجل المتوسط ووزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي والجوار الجنوبي في برشلونة، حيث القى كلمة تطرق فيها إلى مسألة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وضرورة ايجاد حل للقضية الفلسطينية باعتبارها المدخل الاساسي والضروري للامن والاستقرار في الشرق الاوسط. كما تناول النزوح السوري، مشيرا الى أن “لبنان يستضيف مليوني نازح أي نصف عدد اللبنانيين ما يهدد النموذج اللبناني مؤكدا “ضرورة وضع خارطة طريق جدية لاسيما في ظل تقليص الموارد المخصصة من قبل الدول المانحة للأزمات في الشرق الأوسط عموما والأزمة السورية خصوصا جراء انشغال العالم بأزمات جديدة”. وأكد ان “لبنان يواجه الكثير من التحديات وهو بغنى عن مشاكل اضافية خارجية ولا بد للدول المانحة والمجتمع الدولي من ان يساعداه للحفاظ على النموذج اللبناني عبر مشاركته الأعباء وتفهم ضرورة ايجاد حلول تتناسب مع الإرادة اللبنانية”.
وعلى هامش اعمال المنتدى، عقد بو حبيب اجتماعات ثنائية مع عدد من المشاركين وأبدى المسؤولون الاوروبيون تفهما لما يعانيه لبنان من تداعيات خطيرة جراء النزوح السوري، مبدين استعدادهم لمواصلة النقاشات مع الجانب اللبناني للبحث بالحلول الممكنة لازمة النزوح. كما شدَّد المسؤولون الاوروبيون على ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات في أقرب وقت ممكن والبدء بالاصلاحات اللازمة تمهيدا لتوقيع اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي. وأكد المسؤولون الاوروبيون أن المجتمع الدولي تحديدا الاتحاد الاوروبي جاهز لتوفير الدعم والمساعدات للبنان مباشرة بعد الاتفاق مع الصندوق.