فجأة ومن خارج السياق العام للمشهد، شرب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “حليب سباع” فخلع عنه “لبوس الحمل” الذي تدثّر به عشية الشغور حين أعلن أنه لا ينوي “استفزاز أحد أو تحدي أحد” وأنه ليس في وارد دعوة مجلس الوزراء للانعقاد إلا في حالة الضرورة القصوى التي تستدعي من المجلس اتخاذ موقف حيال “قضية كبرى تتعلّق بالأمن الوطني أو بحدث كبير ليس في الحسبان”، على أن يسعى لتأمين أوسع غطاء لهذه الدعوة بالتشاور مع الوزراء والمرجعيات الروحية والقيادات السياسية حتى غير الممثلة منها في الحكومة!
فماذا حصل ليستأسد ويتعمّد استفزاز المسيحيين والموارنة على وجه الخصوص بدعوته مجلس الوزراء للانعقاد بجدول أعمال فضفاض من 65 بنداً وكأنّ لا شغور في رأس الجمهورية ولا حكومة تصريف أعمال تصرّف شؤون الدولة بالحدود الضيقة لمفهوم التصريف؟ ببساطة هي رسالة “أنا الحاكم بأمر الثنائي” أراد إيصالها “الثنائي الشيعي” عبر ميقاتي رداً على رفع بكركي سقف الموقف في مواجهة تعطيل الاستحقاق الرئاسي، وتؤكد “القدرة على لجم انعقاد مجلس الوزراء أو إرخاء اللجام الحكومي وإطلاق العنان لحكومة تصريف الأعمال لكي تدير شؤون الدولة بلا رئيس للجمهورية على قاعدة التصعيد بالتصعيد والاستفزاز بالاستفزاز”، وفق تعبير مصادر معارضة، معربةً عن قناعتها بأنّ “بصمات” رئيس المجلس النيابي نبيه بري كانت “واضحة خلف الثقة العارمة التي أبداها رئيس حكومة تصريف الأعمال في إطلالته المتلفزة الأخيرة عندما أظهر العزم والعزيمة على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد… بمن حضر”.
وبالفعل، دعا ميقاتي أمس إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء بعد غد الاثنين متسلحاً بتأييد وزراء الثنائي الشيعي من ضمن نحو 16 وزيراً أكدوا حضورهم الجلسة، قبل أن يضاف إليهم وزير الاتصالات جوني القرم بعد تلقيه مساءً وعداً بتمرير ملف “أموال أوجيرو” من خارج جدول الأعمال، ما يؤمن نصاب الثلثين القانوني لانعقاد الجلسة حسبما جزم ميقاتي نفسه، مقللاً في المقابل من تأثير تغيّب وزراء “التيار الوطني الحر” على الميثاقية “لأنّ هناك ما بين 5 و6 وزراء مسيحيين سيحضرون”.
أما عن السيناريو الذي سيعتمده “التيار الوطني” في مقاطعة جلسة الاثنين، فأوضحت أوساط مطلعة على أجواء “ميرنا الشالوحي” أنّ “التغيب بداعي السفر” سيكون العنوان العريض للمقاطعة، بينما سيتولى رئيس “التيار” جبران باسيل عملية الرد “بالسياسة” على ميقاتي في الأيام المقبلة، من دون أن يوفّر في رده “الثنائي الشيعي” لتغطية انعقاد مجلس الوزراء في فترة الشغور “بخلاف ما كان متفقاً عليه عند نهاية العهد”. وفي مستهل حملة التصويب على عدم دستورية انعقاد حكومة تصريف الأعمال، وضعت وسائل إعلام “التيار الوطني” هذا الانعقاد في خانة “التعدي على مقام رئاسة الجمهورية” من جانب ميقاتي “ومن يدعمه”، معتبرةً أنّ ذلك يشكل “تحدياً للقوى السياسية المسيحية والكنيسة المارونية على حد سواء”.
ومن روما، واصل البطريرك الماروني بشارة الراعي رفع الصوت في مواجهة التعطيل المتعمّد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي منتقداً “الجلسات الهزلية” التي تتم في مجلس النواب كل خميس، وتوّجه أمس عبر إذاعة “لبنان الحر” بالمباشر إلى “أصحاب الأوراق البيض” بجملة أسئلة قائلاً: “لماذا لا تعلنون عن اسم مرشحكم؟ ما معنى أن توفّروا النصاب في الجلسة الأولى وتغادروا في الجلسة الثانية أليس هذا استخفافاً بالشعب اللبناني وبشخص رئيس الجمهورية؟ لماذا تفعلون هكذا فقط برئيس الجمهورية المسيحي الماروني، فيما رئيس مجلس النواب يُنتخب بجلسة واحدة ورئيس الحكومة يُكلف فور انتهاء الاستشارات النيابية؟ كأنكم تقولون إنكم تستطيعون الاستغناء عن رئيس الجمهورية. واذا كنتم تتمسكون بالميثاق فأين هو العنصر المسيحي وأنتم تغيّبون انتخاب الرئيس؟”، وأضاف: “هذا يدل، أسبوعاً بعد أسبوع، أنهم بانتظار كلمة السر من الخارج للأسف، فهم لم يصلوا بعد إلى النضج في تقرير مصير وطنهم لانتخاب رئيس للجمهورية”.