كتبت صحيفة “البناء” تقول: تتحرك أوروبا جريحة تحت تأثير تجاذب حاد تفرضه عليها الضغوط الأميركية من جهة، والحاجة لمعالجات سريعة لا تحتمل المكابرة والإنكار لأسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية تعصف بها منذ الحرب العالمية الثانية، تحت تأثير أزمة الطاقة الناتجة عن المواجهة مع روسيا، وبعد أن أقرّت بيدها دول الاتحاد الأوروبي السير بتطبيق سقف لسعر النفط الروسي هو 60$ للبرميل استجابة للضغوط الأميركية رغم مخاطر أن يترتب على الموقف الروسي انخفاض في كميات النفط المعروض في الأسواق وارتفاع غير متوقع في الأسعار، ذهبت باليد الأخرى تدق أبواب روسيا طلباً لحوار قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إنه حاجة ملحة، ليأتي هذه المرة الطلب من ألمانيا التي قال مستشارها أولاف شولتز إنه لا بد من مواصلة الحوار الثنائي الألماني الفرنسي مع روسيا بحثاً عن حلول سياسية ولتخفيف آثار الحرب.
لبنانياً، جاءت دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لتحرك التجاذب النائم بينه وبين التيار الوطني الحر حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في ملء الشغور الرئاسي وممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، ولم يقتنع الكثيرون بأن خلفيات الدعوة هي قضايا لا يمكن حلها أو التعامل معها بدون اجتماع للحكومة، وفقاً لخبرة حكومات إدارة الفراغ الرئاسي سابقاً، فبدت الدعوة لاجتماع اليوم محاولة استباقية لحسم الصراع وإثبات القدرة على توفير النصاب للاجتماع الحكومي رغم معارضة التيار الوطني الحر وتلويحه بمقاطعة وزراء يعتقد أنهم يمثلون الثلث المعطل للنصاب، وفيما وزع بيان صادر عن تسعة وزراء يعلن مقاطعتهم لجلسة الحكومة ويربط ذلك بعدم جواز ممارسة حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، وضرورة التزامها بالحدود الضيقة لتصريف الأعمال، وتذكيرهم لميقاتي بأقواله السابقة أنه سيراعي في أي دعوة يجد أنه مضطر لتوجيهها لعقد جلسة حكومية، أن يكون الأمر ملحاً ولا يمكن التعامل معه دون جلسة للحكومة، والثاني أن يسبق ذلك موافقة جميع مكونات الحكومة. وانطلق البيان الذي صدر باسم الوزراء عبد الله بو حبيب وهنري خوري ووليد فياض ووليد نصار وأمين سلام وموريس سليم وجورج بوشكيان وعصام شرف الدين وهكتور حجار، ليعلن عدم مشاركتهم في الجلسة المقررة اليوم، بينما قالت مصادر رئيس الحكومة إن عدداً من الوزراء الذين وردت اسماؤهم في البيان لا علم لهم به، مؤكدة ان الدعوة لا تزال قائمة مرجحة توافر النصاب، بينما كان السجال بين ميقاتي والتيار يتوسع ليطال تأويلات موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي دعا الرئيس ميقاتي للنأي بحكومته عن تجاذب طائفي حول عقد جلسة للحكومة بجدول أعمال الأحزاب بدلاً من جدول أعمال الناس، في ظل الشغور الرئاسي، حيث اعتبر التيار أن كلام الراعي يدعم موقفه برفض الدعوة للجلسة الحكومية وقالت أوساط الرئيس ميقاتي إن دعوته أخذت بالاعتبار في جدول الأعمال هواجس البطريرك.
حتى موعد الجلسة الحادية عشرة قبل ظهر اليوم سيبقى التجاذب قائماً وتستمر الاتصالات، حتى يظهر بالوقائع مدى قدرة ميقاتي على توفير نصاب لعقد جلسة تشكل مادة سجال بلا مبرر إذا ثبت أنه لم يضمن لها النصاب اللازم من الوزراء بالنظر للقضايا التي تضمنها جدول الأعمال والتي كان يمكن التعاطي معها عبر مراسيم جوالة، كما جرت العادة في حالات مماثلة، وفقاً لما قالته مصادر سياسية تابعت ملف الاجتماع، وقالت إنه في حال نجح ميقاتي بتوفير النصاب سيكون قد سجل نقطة على التيار الوطني الحر في السياسة، من دون أن يظهر ما إذا كان وزيرا حزب الله لم يعلنا موقفهما من الدعوة بانتظار رؤية قدرة التيار على تعطيلها منفرداً، بينما يمكن أن ينضما الى المقاطعة أو ينضم أحدهم على الاقل اذا تعذر تعطيل الجلسة بوزراء التيار وحده، انطلاقاً من أن حزب الله يضع ثابتة في العمل الوزاري منذ الشغور الرئاسي هي الحرص على توافر توافق المكونات الحكومية على عقد أي جلسة لا مبرر لها إلا إثارة السجالات وزيادة التوترات الطائفية، ما لم تكن هناك قضايا جسيمة يستحيل التعامل معها دون جلسة للحكومة.
نشطت الاتصالات السياسية منذ ما بعد ظهر أمس واستمرت حتى ليل أمس من أجل تقطيع جلسة مجلس الوزراء اليوم من دون أي توترات لا سيما أن الجلسة تحمل بنوداً تتصل بصحة المواطن والمستشفيات، وتكثفت الاتصالات بعد البيان الذي صدر عن 9 وزراء، أعلنوا فيه عدم موافقتهم على جلسة مجلس الوزراء، علماً ان عدداً من الوزراء الذين ذكرت اسماؤهم في البيان لم يكونوا على علم بالبيان الذي صدر عن مكتب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وأنهم كانوا يدرسون جدول اعمال جلسة اليوم. واشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى ان الاتصالات سوف تستمر الى ما قبل موعد الجلسة من اجل تأمين النصاب ولو لإقرار ما يتصل بوزارة الصحة ووزارة الاشغال بالحد الأدنى.
وكان دعا الوزراء عبد الله بو حبيب، هنري خوري، موريس سليم، امين سلام، هكتور حجار، وليد فياض، وليد نصار، جورج بوشيكيان وعصام شرف الدين، الرئيس نجيب ميقاتي، للعودة عن دعوته لجلسة مجلس الوزراء كي لا تزيد الوضع في البلاد صعوبة وتعقيداً فيما باستطاعتنا جميعاً ان ندرأ الأخطار بالاحتكام الى الدستور وبالتفاهم والوحدة الوطنية، معلنين عدم موافقتهم وعدم قبولهم بجلسة مجلس الوزراء من منطلق دستوري وميثاقي كما عدم موافقتهم او قبولهم بأي من قراراتها.
ودعا وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الاعمال أمين سلام الى سحب الدعوة الى جلسة الحكومة يوم غد الاثنين وإلا يجد نفسه غير مشارك فيها.
وكشف وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار أنه أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعدم حضوره جلسة الحكومة يوم الاثنين مع يقينه بحرص ميقاتي على الاستقرار وإدارة المرحلة بحكمته ووعيه وحسّه الوطني، معتبراً أنّ المرحلة الحالية في البلاد تتطلّب المزيد من الوعي والحرص على الاستقرار السياسي والأمني.
وكان المكتب الاعلامي للرئيس ميشال عون وفي السياق نفسه اعتبر أن التذرع بتلبية الحاجات الاستشفائية والصحية والاجتماعية وغيرها من المواضيع التي أوردها رئيس حكومة تصريف الأعمال في جدول أعمال الجلسة التي دعا إليها، لا يبرر له خطوته التي تدخل البلاد في سابقة لا مثيل لها في الحياة الوطنية اللبنانية، مع ما تحمله من تداعيات على الاستقرار السياسي في البلاد.
في المقابل، أكد مستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فارس الجميل بأن «جلسة الحكومة قائمة في موعدها اليوم الاثنين». وأضاف في حديث تلفزيوني: «مهما كانت الاعتبارات فليتحمل كل طرف مسؤوليته»، مشيراً الى أن «نصاب الجلسة لا يزال قائماً». واعتبر أن «ما ورد في بيان الوزراء التسعة مجافٍ للحقيقة ولا إلغاء للجلسة».
وشدّد البطريرك الماروني بشارة الراعي على ان «الاستخفاف في انتخاب رئيس للدولة يضع الحكومة ورئيسها بين سندان حاجات المواطنين ومطرقة نواهي الدستور. فحكومة تصريف الأعمالِ هي حكومةُ تصريفِ أعمالِ الناسِ، لا حكومةَ جداولَ أعمالِ الأحزابِ والكتل السياسيّة»، متمنياً على رئيسِ الحكومةِ الرئيس نجيب ميقاتي، الذي طالما نأى بنفِسه عن الانقساماتِ الحادّة، أن يُصَوِّبَ الأمورَ وهو يَتحضّر مبدئيًّا لعقدِ اجتماعِ الاثنين. فالبلادُ في غنى عن فتحِ سجالاتٍ طائفيّة، وخلقِ إشكالاتٍ جديدةٍ، وتعريضِ الأمنِ للاهتزاز، وعن صراع مؤسّساتٍ، واختلافٍ على صلاحيّات، ونتمنى على الحكومةِ خصوصًا أن تبقى بعيدة عن تأثيراتٍ من هنا وهناك لتحافظَ على استقلاليّتِها كسلطةٍ تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال».
ونفى المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما يروّجه بعض الإعلام العونيّ الهوى والانتماء والتمويل عن اتصال جرى بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد عظة غبطة البطريرك في قداس الأحد. وأوضح أن رئيس الحكومة اتصل يوم أول أمس بالبطريرك الماروني للتشاور في الوضع وشرح له الظروف التي حتمت الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء. وشدّد على أن ما يحاول الإعلام العوني إلباسه للبطريرك الماروني من موقف غير صحيح على الإطلاق.
وأشار إلى أن رئيس الحكومة في دعوته إلى اجتماع الحكومة يأخذ في الاعتبار هواجس البطريرك وموقفه وسيسعى بالتأكيد إلى أن تبقى الحكومة بعيدة عن تأثيرات من هنا وهناك لتحافظ على استقلاليتها كسلطة تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال، كما دعا البطريرك الراعي، في عظته.
وزار وفد فرنسي من «كتلة الهوية والديمقراطية» في البرلمان الأوروبي، الرئيس السابق ميشال عون وبحث معه في «عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة تعمل على تنفيذ خطة اقتصادية إصلاحية لوقف التدهور الحاصل على المستويين المالي والاقتصادي». كذلك تناول البحث مسألة النازحين السوريين في لبنان، وتمّ التأكيد على أن «لبنان لم يعُد قادراً على تحمل هذا العبء بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة»، كما وعلى «ضرورة مساعدة البرلمان الأوروبي لتأمين عودتهم إلى بلادهم وتقديم المساعدات لهم فيها خصوصاً وأن أغلب المناطق السورية باتت آمنة وجاهزة لاستقبالهم».
واعتبر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن «الأولوية اليوم هي أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية يرعى خطة إنقاذية للاقتصاد، ولا يثير قضايا خلافية تخدم «إسرائيل» وتؤدي إلى الفتنة، وبالتالي، يجب أن نتفق من أجل أن ننتج الرئيس، لأن الكتل النيابية موزعة، فلا يوجد عندنا كتلة واحدة لديها 65 نائباً، سواء أكان من فريقنا أو من الفريق الآخر أو من الذين يعتبرون أنفسهم أنهم محيّدون، وبالتالي، على الكتل النيابية أن تتوافق مع بعضها، وأن يتفاهم النواب على حد أدنى من التفاهم.
على خط التحركات أعلنت نقابة موظفي الخليوي الفا وتاتش التوقف عن العمل في الشركتين ابتداء من اليوم لحين نيل الحقوق، مؤكدة أن من يتحمّل مسؤولية هذا القرار هو من سلب صاحب الحق حقه ونكث بوعوده. وأوضحت النقابة في بيان أن هذا القرار أتى بعد فشل المفاوضات، وتعنّت وزير الاتصالات.