كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: “لبنان يعاني من عدم وجود سلطة قادرة على الحسم ما ولّد سلطات وأصحاب نفوذ وتقاسم سلطات”… بهذه الصورة القاتمة نقل البطريرك الماروني بشارة الراعي هموم البلد إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، محذراً في تصريحاته من عمّان من أنّ “هوية لبنان مهدّدة وديمغرافيته تتغيّر”، ليجدّد الإلحاح على ضرورة “عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة يتناول تطبيق الطائف نصّاً وروحاً وقرارات مجلس الأمن الثلاثة 1680 و 1559 و 1701، وإعلان الحياد“.
وضمن “برواز” هذه الصورة القاتمة، تقف المنظومة الحاكمة صفاً مرصوصاً متكاتفاً في سبيل منع قيام الدولة “القادرة على الحسم” لمصلحة الإبقاء على مزرعة الدويلات ممسكة بمقاليد الحكم اللبناني، ولا شيء يعكرّ صفو العلاقة والشراكة بين أركانها سوى الخلاف على “تقاسم النفوذ والسلطات”، تماماً كما هو حاصل اليوم في خلفيات الخلافات المحتدمة بين أهل السلطة على أرضية المعركتين الحكومية والرئاسية.
وعلى الصفيح الحكومي والرئاسي الحامي، ارتفع منسوب الغليان والاحتقان بين توأم “مار مخايل” الذي حكم البلد بطوله وعرضه على مدى نحو عقد من الزمن، نيابياً وحكومياً ورئاسياً، ليجد نفسه اليوم على شفير خطر التهديد بالانفصال تحت وطأة تناتش الترشيحات الرئاسية بين موارنة قوى 8 آذار، لا سيما منهم حليفا “حزب الله” اللدودان، رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
لكن ورغم ما بلغه باسيل في كلامه الأخير من “مستويات غير لائقة في التعاطي بهذا الشكل التشهيري في مقاربة العلاقة بين “التيار الوطني” و”حزب الله” عبر الإعلام”، على حد تعبير مصدر رفيع في قوى الثامن من آذار، فإنّ قيادة “الحزب” لا تزال تتعاطى “بحرص وترفّع مع المستجدات صوناً لهذه العلاقة واحتراماً للتفاهم الاستراتيجي والوطني الذي أرسى دعائمه كل من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون بين الجانبين”، موضحاً أنّ “حزب الله” من هذا المنطلق آثر الصمت “رغم أنّ لديه الكثير ليقوله مقابل حملات التجني والتشهير التي تطاله، ويحرص على أن يمتصّ “الفوعة” بانتظار أن تهدأ النفوس الغاضبة لكي تعود لغة العقل والتعقّل ويصار تالياً إلى إعادة الأمور إلى نصابها السليم“.
ولأنّ “الوعاء الكبير يتسّع للصغير”، يلفت المصدر إلى أنّ “حزب الله” اعتاد على تلقّي “سهام اللوم من الحلفاء بصدره الواسع”، مذكراً بأنها “ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها “الحزب” لمواقف مماثلة هي في الحقيقة أقرب إلى الطعنات في الوجه من تلك الطعنات في الظهر التي تحدث عنها باسيل، لكنه دائماً ما يعضّ على الجراح ويغلّب مصلحة حلفائه على مصالحه والشواهد كثيرة على ذلك سواءً في الانتخابات النيابية أو في التشكيلات الحكومية أو حتى في الاستحقاقات الرئاسية”، وختم: “يكفي أنّ ما يشكو منه باسيل اليوم في الملفين الحكومي والرئاسي، سبق أن شكا منه الكثيرون من الحلفاء والخصوم على حد سواء بحيث كان الجميع يلوم “حزب الله” على مرّ السنوات الماضية باعتباره هو من يقف إلى جانب “التيار الوطني” في سبيل تحقيق شروطه ومطالبه الرئاسية والحكومية منذ العام 2006 حتى الأمس القريب… لكن من دون منّة ولا “تربيح جميلة” بخلاف الأسلوب الذي يعتمده باسيل في استعراض مسار العلاقة مع “الحزب” كلما استشعر ضيقاً أو تأزماً ما“.
واليوم، تنعقد جولة رئاسية عقيمة جديدة تحت وطأة استمرار مسرحية “الورقة البيضاء وتعطيل النصاب” التي يدير وقائعها “حزب الله” على خشبة المجلس النيابي “كرمى لعيون” حليفيه فرنجية وباسيل بانتظار حل إشكالية الترشيح الرئاسي في صفوف قوى 8 آذار، بينما تواصل قوى المعارضة دعمها لترشيح النائب ميشال معوّض مع إبقاء محاولاتها واتصالاتها مفتوحة في سبيل توحيد الصف مع نواب “الاعتدال” و”التغيير” لتدعيم فرص الوصول إلى مرشح توافقي قادر على ملامسة النصف زائداً واحداً في حاصله الانتخابي.
وغداة تلويح رئيس “التيار الوطني” بالإقدام على خطوة الإقلاع عن الورقة البيضاء والتصويت لمرشح يسميه “التيار” في صندوق الاقتراع، علمت “نداء الوطن” أنّ باسيل تداول مع الدائرة المقربة منه في مسألة ترشيح النائب ابراهيم كنعان للرئاسة، وتقرر أن يُعقد اجتماع صباح اليوم للتشاور مع كنعان في هذه الخطوة قبل المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس، غير أنّ مصادر واسعة الاطلاع أكدت أنّ “الأرجحية هي لاستمرار تصويت نواب “لبنان القوي” بالورقة البيضاء في جلسة اليوم”، لكنها لفتت في الوقت عينه إلى أنّ ترشيح كنعان “خيار مطروح جدياً على طاولة ترشيحات “التيار الوطني” لكنه سابق لأوانه راهناً“.