كتبت صحيفة “النهار” تقول: على طريقة المثل الشعبي “بدل ما يكحلها عماها”، جاءت مجريات الجلسة التاسعة لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية امس لتطلق العنان حتى من قلب المجلس وباصوات نواب لادانة تتسع باطراد للسلوكيات الهزلية التي تسخف اخطر استحقاق دستوري ترتكز اليه صورة الهيبة والجدية للأصول الديموقراطية الجادة. وبلغ الجانب المستخف بالاصول ذروة خفته وهزاله بعدما قرر فريق “التيار الوطني الحر”، “الحردان”، استعمال الجلسة وتوظيفها “نصف بريد” الى حليفه “حزب الله” على طريقة مهاجمته من دون تسميته، وذلك بتصويت هزلي زج فيه اسم المرشح الوحيد الجدي الثابت، وهو مرشح المعارضة النائب ميشال معوض، عبر توزيع خمس أوراق تحمل نصف اسمه لـ”التمريك” على حليف لم يجرؤ على تسميته ومن ثم سارع الى لقائه في قلب المجلس النيابي إياه عقب الجلسة !
بهذه الرمزية الخفيفة وسواها، عادت انغام الحوار لترتفع في الجلسة ما قبل الأخيرة هذه السنة قبل ان يتم ترحيل الجلسات ومعها الاستحقاق الرئاسي ومعهما ازمة الفراغ الرئاسي الى السنة 2023 ، اذ ستكون الجلسة العاشرة الخميس المقبل الاخيرة هذه السنة ما لم يطرأ ما يحول الجلسة الانتخابية الى جلسة حوارية كما دعا الى ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري في ختام الجلسة .
العودة الى طرح الحوار طريقا او محاولة الى كسر الانسداد والدوران في دوامة العقم التي تطبع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، بادر اليها بري ردا على مداخلة “مهذبة” لعضو “كتلة الجمهورية القوية” النائب فادي كرم الذي حذر من ان “البلد ينهار” وخاطب بري من موقع كون الأخير “من اكبر المسؤولين عن تدارك الأمور ويمكنكم دعوة جميع المقاطعين الى وقف هذه المقاطعة”. ولاقى كلامه استحسانا واسعا. وقال الرئيس بري في نهاية الجلسة: “الجلسة الاخيرة قبل آخر السنة الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الخميس المقبل، وآمل من الان الى الخميس ان آخذ رأي الكتل جميعها في الحوار، اذا حصل فسأحولها الى حوار، واذا لا فعندئذ نذهب الى آخر السنة”.
ولكن بدا واضحا ان دعوة بري المتجددة الى الحوار قد لا تلقى حظا ومصيرا افضل من دعوته السابقة التي وجهت آنذاك برفض وتحفظ الكتل المسيحية على قاعدة تحكيم المنطق الدستوري في اتباع الية الانتخاب من دون افقاد النصاب وعدم اخضاع العملية الديموقراطية لاي الية أخرى. ومع ذلك لم يرفض رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل دعوة رؤساء الكتل النيابية للنقاش ولو انه رأى أن “بري يسير بمنطق التوافق على حساب الديموقراطية وقد فسر الدستور باستحالة الانتخاب الا بالتوافق. وبمجرد الاشتراط نصاب الثلثين في الدورتين، فان العملية الانتخابية لم يعد لها لزوم ومن هنا اصرارنا على تطبيق الدستور بحرفيته” . كما ان النائب بيار أبو عاصي قال ان للانتخابات الرئاسية الالية الدستورية المعروفة المطلوب احترامها وعدم القفز فوقها وان إتمام هذه العملية يتم بالانتخاب وليس عن طريق التوافق”.
“عاصفة الحليفين”
ولكن العلامة الفارقة التي واكبت الجلسة، فبرزت في اتجاه “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” الى احتواء “عاصفة” الاستياء التي فجرها رئيس التيار جبران باسيل الذي وصل الى ساحة النجمة متأخرا 37 دقيقة عن موعد الجلسة، والتقى بعدها، نائبي كتلة “الوفاء للمقاومة” علي فياض وحسن فضل الله في احد اروقة المجلس بمشاركة عدد من نواب “تكتل لبنان القوي”. وتردد ان النائب الان عون هو من رتّب اللقاء بعدما قاد جولة اتصالات بين الطرفين. وجاء اللقاء السريع في المجلس فيما استمرت تصفية ذيول العاصفة إعلاميا. وصدر بيان صباح امس عن العلاقات الاعلامية في “حزب الله” رد على مؤتمر باسيل وما تناول فيه الحزب فاكد ان “حزب الله لم يقدّم وعداً لأحد بأنَّ حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع، حتى يعتبر الوزير باسيل أن اجتماع الحكومة الذي حصل هو نكث بالوعد … لذلك فإنَّ الصَّادقين لم ينكُثوا بوعد وقد يكون التبسَ الأمر على الوزير باسيل فأخطأ عندما اتّهم الصَّادقين بما لم يرتكبوه”. واضاف “إن مسارعة بعض أوساط التيار الى استخدام لغة التخوين والغدر والنكث خصوصاً بين الأصدقاء، هو تصرّف غير حكيم وغير لائق. ويبقى حرصنا على الصَّداقة والأصدقاء هو الحاكم على تعاطينا مع أي رد فعل، خصوصاً أنَّ لبنان اليوم أحوج ما يكون الى التواصل والحوار والنقاش الداخلي”.
ورد اعلام “التيار الوطني الحر” على البيان معتبرا ان “الظاهر ان هناك التباسا وعدم وضوح لدى قيادة حزب الله في ما حصل، ولا زلنا نأمل تصحيحه. امّا الصداقة فإن التيار الوطني الحرّ يعرف معناها جيّداً لأنّه يقدّم كل ما يلزم في سبيل حفظها والحفاظ عليها، الاّ ما يتعلّق بمسألة الدور والوجود والشراكة. وبكل الأحوال، ان رئيس التيار سيتحدّث عن كل هذه المغالطات ويكون كلامه اكثر شرحاً وايضاحاً حول ضخامة ما حصل في مقابلة اعلامية ليل الأحد”.
حنين مرشحا
أما التطور البارز الاخر الذي اتسم بجدية في مسار الترشيحات فتمثل في اعلان النائب السابق صلاح حنين ترشّحه رسميًا لإنتخابات رئاسة الجمهوريّة، خلال مشاركته في جلسة مع حزب الكتلة الوطنية في مقرّه في الجمّيزة. وأوضح حنين أنّ “الانطلاقة كانت مع نوّاب التغيير الذين تداولوا بعض الأسماء لترشيحها ضمن سلّة واحدة. وكان لي الحظ أن يكون اسمي من بين هذه الأسماء وحصل تواصل بيننا، وفي موقع آخر قرّروا ضمن آليّة لاختيار اسم من بين الأسماء التي توافقوا عليها وتبيّن أنّهم اختاروا اسمي”. واوضح أن “المبادرة اليوم ما زالت بين أيديهم وقد علمت أنّه من الممكن أن يقدموا على مبادرة جديدة تقوم على التواصل مع الأحزاب والتيّارات لتحديد التقاطعات بين بعضهم”.
شراكة فرنسية سعودية
الى ذلك أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين ان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وعد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بانه سيتحرك لمساعدة لبنان. وسمعت الأوساط الاميركية الالتزام نفسه من الجانب السعودي الذي اكد انه يسير مع فرنسا بشأن لبنان. فواشنطن تدعم هذا التعاون السعودي الفرنسي بشأن لبنان الذي أدى الى عودة السفير السعودي الى لبنان ثم الى تأسيس صندوق فرنسي سعودي للمساعدات الإنسانية للبنان وارسال مساعدات، وان كان بطيئا بعض الشيء، ولكن على الأقل هناك التزام من كلا الجهتين بالاستمرار في التعاون على هذا الصعيد . الا ان الصورة العامة لهذا الالتزام السعودي لفرنسا تبدو نابعة من اهتمام ولي العهد السعودي بعلاقته بماكرون وليس اهتمامه بالشأن العام في لبنان. فالانطباع السائد لدى القيادة السعودية ان النظام في لبنان ما زال يخضع لنفوذ “حزب الله” وان الطبقة السياسية فيه فاسدة ولم تنجز أي اصلاح كما هو مطلوب. إضافة الى ذلك تتساءل مصادر ديبلوماسية غربية عن حقيقة لا احد يعرفها وهي حول العلاقة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري ما جعل السعودية تسحب دعمها لقيادة الحريري للصف السني في لبنان. ولكن مصادر فرنسية رفيعة تقول لـ”النهار” ان ليس صحيحا ان الأمير محمد بن سلمان غير مهتم بالوضع اللبناني فكثيرا ما يؤكد لماكرون انه يريد العمل معه على الملف. وتضيف ان السعودية وفرنسا تتطلعان الى انتخاب رئيس في لبنان ثم تشكيل حكومة مع رئيس لها يقوم بالإصلاحات المطلوبة والمعروفة كما تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. يظهر ان الاتحاد الأوروبي أعاد البحث في العقوبات على من يعطل الانتخاب الرئاسي في لبنان ولو ان ليس هناك وحدة حال حتى اليوم في الاتحاد الأوروبي حول هذه العقوبات . وترى باريس ان لا يمكن للبنان ان يستمر في هذا النهج وان على البرلمان ان ينتخب رئيسا وان يتم تشكيل حكومة والا مات ما تبقى من مؤسسات في البلد.