بالشكل لا تبديل ولا تغيير في إطلالة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل المتلفزة أمس عن مؤتمره الصحافي الأخير، فجاءت تحت سقف الشعارات التهويلية ذاتها من قبيل “دورنا سلاحنا” و”لا قيمة لأي تفاهم يناقض الشراكة” واستهلها برسالة “تفاهم مار مخايل على المحكّ”، لكنه في المضمون بدا كمن يتحسس رقبته السياسية “بعد السحسوح” الإعلامي الذي تلقاه من “حزب الله” تأنيباً وتكذيباً لما أورده عن الوعد غير الصادق، فأعاد استدراك كلامه وتأطيره ضمن سياق تبريري أوضح فيه أنه لم يقصد به السيّد حسن نصرالله قائلاً: “أنا لم أقصد التشكيك بصدقية السيّد حسن الذي لديه مكانة خاصة بقلبي وعقلي وهو عندي غير كل الناس”، وأردف مستطرداً: “أتفهّم أن ينزعج “حزب الله” من التشكيك بصدقيته وأنا أعرف صدقهم وتحديداً السيّد“.
أما في صلب العقدة الرئاسية التي تستحكم بحبل الودّ والتواصل بينه وبين قيادة “حزب الله”، فانطلق باسيل من كونه “الشخص الوحيد الذي يعطي ضمانة للحزب ويمثّل مسيحياً” ومما سبق ووعده به نصرالله لناحية عدم السير برئيس للجمهورية “برّا خياراتنا ولا نوافق عليه”، ليستنتج متسائلاً: “إذاً كيف يمكن أن يبقى “حزب الله” متمسكاً بترشيح سليمان فرنجية؟”، وجدّد التشديد على أنّ “معادلة فرنجية أو جوزيف عون مرفوضة ولن نرضى بهكذا تسوية تفرض علينا لا من برّا ولا من جوّا“.
وإذا كان واضحاً أنّ باسيل قصد “حزب الله” تحديداً برفضه الضغط الداخلي لإنجاز هكذا تسوية، فإنه على مستوى الضغوط الخارجية تعمّد إيصال هذه الرسالة إلى “المسؤولين المعنيين في باريس والدوحة” وفق ما نقلت أوساط واسعة الإطلاع لا سيما غداة ما لمسه خلال زيارته كلاً من فرنسا وقطر من “ميل جدّي لدعم ورعاية تسوية لبنانية تفضي إلى انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية”، موضحةً أنّ “المسؤولين القطريين يسعون بالتنسيق مع الفرنسيين إلى بلورة صيغة حل توافقي للأزمة الرئاسية في لبنان، خصوصاً وأنّ المملكة العربية السعودية لا تزال عند موقفها الرافض للغوص بإشكاليات وخلافات المنظومة السياسية اللبنانية، وتصبّ اهتمامها راهناً على استمرار المساعدات الإنسانية الإغاثية للشعب اللبناني عبر الصندوق السعودي المشترك مع فرنسا، وهذا ما سمعه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال اللقاء الذي عقده بوساطة فرنسية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان“.
وصباح اليوم يزور ميقاتي بكركي لقطع الطريق على “وشاية” ميشال عون وباسيل عليه الجمعة في الصرح البطريركي، ولإيضاح الأمور والظروف التي أحاطت بانعقاد مجلس الوزراء، سيّما غداة إشارة البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظة الأحد إلى أنه كان قد تمنى على ميقاتي “إعادة النظر في انعقاد الجلسة وتأجيلها من أجل مزيد من التشاور (…) لكن الحكومة مع الأسف عقدت جلستها بمن حضر وكان ما كان من معارضة”، مناشداً في ضوء ذلك “الحكومة التأني في استعمال الصلاحيات حرصاً على الوحدة الوطنية ومنعاً لاستغلال البعض مثل هذه الاجتماعات لأغراض سياسية وطائفية“.
وفي السياق عينه، برز تشديد الراعي على ترفّع بكركي عن الخلافات والوشايات السياسية الداخلية، مؤكداً أنّ “البطريركية المارونية لا تتورط بالصراعات بين السياسيين والأحزاب، ومواقفها تبقى فوق النزاعات والتنافس السياسي ولا تنحاز إلا إلى الحق الوطني”. وذكّر من هذا المنطلق بأنّ “الجماعة السياسية والنيابية لا تحترم فكرة قيام لبنان ولا الشراكة ولا التعددية ولا الاستقلال ولا الميثاق الوطني ولا الطائف ودستوره”، معتبراً أنّ إخفاق النواب على مدى تسع جلسات في انتخاب رئيس للجمهورية “يعني أنهم لا يريدون انتخاب رئيس أو ليسوا أهلاً لانتخاب رئيس (…) ومن هنا ضرورة التوجه إلى الأمم المتحدة ودول القرار لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان فلا مناص من تدويل القضية اللبنانية بعد فشل كل الحلول الداخلية”، لافتاً الانتباه إلى أنّ “الذين يفشلون الحلول الداخلية هم أولئك الذين يرفضون التدويل، وحين يتم تعطيل الحل الداخلي ويُرفض التدويل يعني أن هؤلاء الأطراف لا يريدون أي حل للوضع اللبناني، إما يكون لبنان كما يريدون أو لا يكون… لكن يجب أن يعلم الجميع أن لبنان سيكون كما يريده جميع أبنائه المخلصين“.