كلّ “الرادارات الرئاسية” باتت مسلطة باتجاه الخارج بعدما نجحت قوى الثامن من آذار في تفكيك المفاعيل الوطنية والدستورية للاستحقاق وتكبيله بسلاسل الشغور الطويلة تحت وطأة خلافات أركانها وتفاوت أولويات أجنداتهم الشخصية والإقليمية، لتكون النتيجة تمديداً للأزمة الرئاسية وانسداد الآفاق والسبل الآيلة إلى حلّها، بانتظار أن تحين لحظة التسوية الخارجية التي يترقّبها “حزب الله” ليحزم أمره ويحسم بوصلة توجهاته في لعبة شد الحبال بين “بنشعي” و”ميرنا الشالوحي“.
لكن حتى الساعة لم تخرج مؤشرات الاهتمام الخارجي بالملف الرئاسي اللبناني عن دائرة الترقب وجسّ النبض واستطلاع الآراء والحظوظ الرئاسية من منظار المواصفات المطلوبة والمقبولة عربياً ودولياً في شخص الرئيس اللبناني المقبل ليكون قادراً على قيادة دفة البلاد إلى ضفة الإصلاح والإنقاذ الموعودة في المرحلة المقبلة… وهذا فحوى الرسالة التي يحملها مساعد وزير الخارجية الأميركية إيثن غولدريتش الذي وصل بيروت أمس للتأكيد على حتمية تلازم المسارات ببن “تنفيذ الإصلاحات وحصول لبنان على الدعم الدولي”، وهذا أيضاً “جوهر الرسالة” التي يعتزم نقلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته المرتقبة إلى جنوب لبنان لمعايدة الجنود الفرنسيين العاملين ضمن إطار قوات “اليونيفل”. إذ كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ”نداء الوطن” أنّ زيارة ماكرون إلى الجنوب في فترة الأعياد “باتت مؤكدة ومدرجة على جدول أعمال جولته على المنطقة، بعدما تردّدت معلومات صحافية في الآونة الأخيرة عن إمكانية إلغائها“.
أما في مستجدات التشنّج الرئاسي المحتدم على حلبة تنازع الترشيح الرئاسي بين حليفي “حزب الله” سليمان فرنجية وجبران باسيل، فنقلت أوساط مواكبة لأجواء الثامن من آذار لـ”نداء الوطن” أنّ رئيس “تيار المردة” يعمل “بجهد وصمت لحشد الدعم الخارجي لترشيحه خصوصاً على المستوى العربي”، موضحةً أنّ المعلومات المتوافرة في هذا المجال تشي بأنّ “نافذين مقرّبين من فرنجية يتولّون عملية التسويق له عبر قنوات ديبلوماسية عربية، فضلاً عن محاولة الدفع باتجاه رفع حظوظه عربياً التي يتولاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي شخصياً خلال لقاءاته واتصالاته مع القيادات العربية“.
وإذ أكدت أنّ فرنجية “لا يبدو في وارد الاستسلام بسهولة هذه المرة أمام تهويل باسيل كما فعل في المرة الماضية أمام ميشال عون”، لفتت الأوساط نفسها إلى أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” بات يضع في المقابل كل رهانه على أن “يساهم الدور القطري في إجهاض أي ميل خارجي لدعم خيار ترشيح فرنجية خصوصاً بعدما لمس انفتاحاً فرنسياً واضحاً خلال زيارته باريس على إمكانية التوجه نحو اعتماد هكذا خيار في حال لم يقابل بفيتو عربي، وذلك بالتوازي مع “النقزة” التي خلّفتها استضافة فرنجية في الاحتفال الذي أقامته السفارة السعودية في بيروت الشهر الفائت لمناسبة الذكرى 33 لتوقيع اتفاق الطائف“.
وفي الغضون، سقط “أرنب الحوار” من جيب رئيس مجلس النواب نبيه بري فسقطت معه المبادرة التي طرحها قبيل رفعه الجلسة الرئاسية الأخيرة بفعل رفضها من جانب “القوات اللبنانية” أمس بعد موقف مماثل من “التيار الوطني الحر” ما أفقدها الغطاء المسيحي اللازم، ليعود المجلس إلى الانعقاد غداً في جلسة فولكلورية جديدة لن تخرج عن سيناريوات سابقاتها، ما دفع أوساطاً نيابية إلى ترقب أن يردّ برّي على رفض مبادرته برفع جلسة الغد وترحيل موعد استئناف الجلسات الرئاسية إلى العام الجديد.
وكانت الدائرة الإعلامية في “القوات” قد شددت بالأمس انطلاقاً من كون “طاولات الحوار الوطني تستلزم لنجاحها نوايا وطنية صافية ومساواة بين المتحاورين في الحقوق والواجبات الأمر الذي لم يتوفّر يوماً”، على رفض “أي حوار يكون بمثابة تعطيل واضح لموجب دستوري كانتخاب رئيس للجمهورية، أو تمديد غير معروف الأفق السياسي ولا السقف الزمني لواقع الشغور الرئاسي“، ولفتت في مقابل من يتهمها “عن سوء نية برفض فكرة الحوار” إلى أنّ “من يعطّل تطبيق الدستور ويمدّد عمر الشغور الرئاسي وبالتالي عمر الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية التي لا يؤدي تعطيل انتخاب الرئيس سوى الى مفاقمتها، هو من تجب مساءلته أمام الشعب والتاريخ”، مجددة التأكيد على موقف “القوات” المبدئي بعدم رفض الحوار “عندما يُعقد في زمانه الصحيح”، ومطالبةً في الوقت الراهن “رئيس مجلس النواب بسحب دعوته الى الحوار والعودة الى نصوص دستورنا الواضحة من خلال دعوة المجلس الى عقد جلسات مفتوحة لا تنتهي إلا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يعيد للشعب أمله بوطنه وللسلطات الدستورية انتظامها“.