بكثير من القرف والملل، سيتابع اللبنانيون اليوم وقائع المهزلة الانتخابية بنسختها “العاشرة” في المجلس النيابي بعدما أفرغت قوى 8 آذار الاستحقاق الرئاسي من مضامينه الدستورية والوطنية، وأعادت تشكيله على صورة مصالح جبران باسيل الضيّقة وحسابات “حزب الله” العابرة للحدود، فارضةً إبقاء التعطيل “سيّد نفسه” تحت قبة البرلمان حتى إشعار آخر.
فبعد سقوط مناورة “الحوار” الهادفة إلى إطلاق قنابل دخانية في فضاء الاستحقاق الرئاسي للتعمية على مسؤولية كتل الثامن من آذار المباشرة عن تسويف العملية الانتخابية، يعود المشهد اليوم لتظهير الصورة على حقيقتها في “خميس الشغور” حيث التموضعات باقية على حالها بين كتل المعارضة الداعية إلى لبننة الاستحقاق والداعمة لترشيح النائب ميشال معوض، وائتلاف جبهة “الورقة البيضاء والتسميات الفولكلورية” المعرقل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسط ترقب لما ستفرزه صناديق الاقتراع من “رسائل مشفرة” ضمن إطار لعبة شد الحبال التي يخوضها “التيار الوطني الحر” مع “حزب الله” على حلبة الترشيحات الرئاسية.
وفي هذا الإطار، توقعت أوساط مواكبة للاتصالات الجارية بغية تبريد أرضية التوتر بين “ميرنا الشالوحي” و”حارة حريك”، أن يبادر باسيل إلى فرملة التصعيد الإعلامي مع “حزب الله” بعدما لمس أنّ هذا المسار لن يصل به إلى مبتغاه الرئاسي إنما على العكس من ذلك قد يرتدّ سلباً عليه في ظل ما أظهره “الحزب” من حزم في الرد على تصريحاته الأخيرة، مشيرةً إلى أنّ رئيس “التيار الوطني” حرص من هذا المنطلق على “التراجع خطوة إلى الوراء” في إطلالته المتلفزة الأخيرة، ما ساعد على “احتواء الموقف” بعد أن أعاد تصويب كلامه ضمن سياق تبريري لما قصده بـ”النكث بالوعد” مبدياً تفهمه لانزعاج قيادة “حزب الله” من حديثه ومجدداً التأكيد على “قناعته الراسخة بمصداقية الحزب وصدقية أمينه العام السيد حسن نصرالله“.
ونقلت الأوساط نفسها عن مسؤولين في قوى الثامن من آذار معلومات تفيد بأنّ الاتصالات التي جرت “لم تحلّ أصل المشكلة لكنها على الأقل نجحت في وقف التراشق الإعلامي وإعادة الأمور إلى سكة النقاش ضمن الغرف المغلقة”، مشيرةً إلى أنّ “مآخذ “حزب الله” على أداء باسيل تفوق بأشواط تلك المآخذ التي أبداها عبر الإعلام على أداء الحزب، لكن وعلى قاعدة لكل مقام مقال، فإنّ جردة الحساب والعتاب ستطول عندما يحين وقت الجلوس بهدوء للمكاشفة والتحدث بصراحة ومن دون قفازات عن أسباب ما وصلت إليه الأمور على مستوى العلاقة المشتركة بين الجانبين“.
وبهذا المعنى، تؤكد المعلومات المستقاة من مسؤولي 8 آذار أنّ “حزب الله” لا يعتبر أنه “قصّر يوماً عن الوقوف إلى جانب “التيار الوطني الحر” في كل المعارك الرئاسية والسياسية والحكومية التي خاضها، لكن في الوقت نفسه يجب على “التيار” أن يدرك أنّ التحالف معه لا يعني أنّ على “الحزب” الإجهاز على حلفائه الآخرين وإلغاءهم من المعادلة، فـ”تفاهم مار مخايل” لم يأتِ لتكريس التحالف مع “التيار الوطني” على أسس إلغائية لسائر التحالفات التاريخية لـ”حزب الله” مع مختلف المكونات الوطنية، مع التشديد في المقابل على كون قيادة “الحزب” حريصة على تمتين هذا التفاهم لكنها أيضاَ ترفض تحويله إلى مادة ابتزاز سياسية وإعلامية بين الحين والآخر تحت وطأة استسهال التلويح بأنه بات على المحك عند أي اختلاف يطرأ في وجهات النظر“.