فيما نفى حزب الله أي علاقة له بحادثة مقتل جندي إيرلندي في جنوب صيدا، تميل قوات اليونيفيل إلى الاقتناع بأن الحادثة غير مدبّرة، والتحقيق الرسمي يبدأ اليوم
انتهى ليل أول من أمس مأساوياً على الكتيبة الإيرلندية العاملة في قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، بعد مقتل أحد جنودها وإصابة ثلاثة بجروح، لا تزال حال أحدهم خطرة.
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم يكن أحد من الجهات المعنية قد وصل إلى رواية كاملة، أو حتى رواية أوليّة متماسكة، حول ما حصل عند الساعة 9:15 من ليل الأربعاء في منطقة العاقبية التابعة لبلدة البيسارية على الساحل الجنوبي، لا سيّما استخبارات الجيش اللبناني التي تولّت مهمة التحقيق بعد أن نقل مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي الملفّ إليها من الشرطة العسكرية بعد ظهر أمس، أو الشرطة العسكرية التابعة لليونيفيل التي فتحت تحقيقاً بدورها. فيما تقوم المقاومة من جانبها بتدقيق لمعرفة ما الذي جرى بالضبط.
إلا أن ما ظهر جليّاً هو القناعة المشتركة بين قيادة اليونيفيل والجيش اللبناني وحزب الله بأن ما حصل هو نتيجة حادث غير مدبّر. ووصف مصدر عسكري غربي تشارك قوات بلاده في اليونيفيل لـ«الأخبار» بأن ما حصل، بناءً على ما توافر من معلومات، هو «نتيجة سلسلة من الأخطاء غير المقصودة من الجميع». وظهرت أيضاً رغبة لدى اليونيفيل وحزب الله على حدٍّ سواء للملمة ذيول الحادثة وعدم إعطائها أبعاداً سياسية. فسارعت اليونيفيل إلى إصدار بيان هادئ يشرح ما حصل من دون أي اتهام واصفةً الأمر بالحادثة، فيما قدّم مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا تعازي الحزب للقوات الدوليّة، مؤكّداً أن لا علاقة لحزب الله بالموضوع لا من قريب أو من بعيد.
وكذلك، أبدت السفارات الغربية اهتماماً كبيراً بالمسألة، فأجرت سفارات كل من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وغيرها عدداً من الاتصالات، محاولةً استطلاع موقف حزب الله الحقيقي من أكثر من جهة، وتأكدت أن الحزب يصف الأمر أيضاً بالحادثة. فيما تولّت استخبارات الجيش اللبناني سلسلة اتصالات مع قيادة اليونيفيل لتوضيح الموقف بين جميع الأطراف.
وبما توافر من معطيات أوليّة لـ«الأخبار» من مصادر أمنية لبنانية رفيعة المستوى، ومن مصدر أمني غربي تشارك بلاده في القوّة الدولية، ومن مصدر داخل قوات الطوارئ الدولية، يمكن تكوين صورة أوليّة تلخّص بالآتي:
لسبب مجهول، وأثناء انتقال عربتين مصفحتين لليونيفيل (بناءً على بيان وزارة الدفاع الإيرلندية) من منطقة عمليات القوة جنوب الليطاني إلى مطار بيروت الدولي بهدف إيصال جنود لمغادرة البلاد ضمن عمليات التبديل الدورية، انحرفت السيارتان عن مسارهما المعتاد على الطريق الدولي إلى الطريق الفرعية داخل بلدة العاقبية، التي تقع خارج نطاق عمليات القوة الدوليّة. وبعدما لاحظ الأهالي مرور الآليتين اعترضوهما وطلبوا منهما التراجع والعودة إلى الطريق الدولية. حاولت السيارات العبور من بين الأهالي والعودة باتجاه معاكس وسط حالة هرجٍ ومرجٍ، فصدمت أحد المواطنين وعدداً من السيارات، قبل أن تتعرض أثناء فرارها لإطلاق نار، قالت وزارة الدفاع الإيرلندية في بيانها إنه من «أسلحة خفيفة»، من دون أن تذكر تسلسلاً زمنيّاً للأحداث. وبعد إطلاق النار، اصطدمت الآلية بأحد الأبنية وانقلبت.
ورغم التكهنات التي سارع العديد من المعلّقين إلى إصدارها، إلّا أنه لم يحسم حتى الآن سبب وفاة الجندي السائق، إن كان من إطلاق النار أو بسبب اصطدام المركبة. المصدر العسكري الغربي يؤكّد أن «الإمكانية الوحيدة لإصابة السائق بإطلاق النيران هو الشباك الخلفي الذي يظهر من خلال الصور وأشرطة الفيديو بأنه كان مفتوحاً، لكن لا شيء مؤكّداً حتى اللحظة، قد يكون سبب الوفاة هو الاصطدام». أما المصدر الأمني اللبناني، فيؤكّد بأن «استخبارات الجيش لم تحصل حتى الآن على تقرير الطبيب الشرعي لحسم سبب وفاة الجندي».
ويقرّ المصدر الأمني الغربي بأن «الدورية عبرت في منطقة غير مخصصة للعبور، وهذا الأمر يثير الحساسيات في الجنوب دائماً، ومن المؤكّد أن هناك خطأ حصل في خط سيرها».
أمّا مصادر القوات الدولية، فتستنتج أوليّاً بأن «المركبة ضلّت طريقها وسائقها لا يتعدّى من العمر 23 عاماً، ومن المؤكّد أنه والجنود أصيبوا بالهلع من تجمهر الأهالي وعندما حاولوا الفرار صدموا أحد الأشخاص ما أصاب المتجمهرين بالغضب فعمدوا إلى إطلاق النار على المركبة».
ويؤكّد المصدر أن «لم يتسنّ بعد لنا حسم سبب وفاة الجندي، ولم يتم إجراء تحقيق مع الجرحى بعد بسبب إصاباتهم، وننتظر التحقيق الكامل لنفهم سبب خروج الآلية عن خط سيرها المرسوم». بينما يشير المصدر الأمني اللبناني إلى أن «الجيش سيحقّق مع الجنود الدوليين حال تحسن أوضاعهم الصحيّة، ويعمل على تحديد مشتبه فيهم بإطلاق النار».
وحول فوضى السّلاح، يؤكّد المصدر العسكري الغربي، بأن «هناك عدة أحداث تحصل في لبنان وهذه الأيام يتم إطلاق النار سريعاً في أي إشكال فردي، لذلك لا نستطيع أن نتهم جهة بالحادث أو القول بأن الحادث مدبر، ونميل إلى الاقتناع بأن ما حصل رد فعل عفوي طالما أن الجميع يحمل السلاح هذه الأيام ومستعد للقتل لأسباب تافهة، وننتظر نتائج التحقيق قبل القيام باستنتاجات رسمية».
المواقف المتسرّعة ومحاولات الاستثمار
في مقابل المواقف العقلانية للمعنيين بالأمر، ظهرت مواقف متسرّعة لوزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب اللذين سارعا إلى إدانة الحادثة قبل فهم ما حصل. كذلك حاول أخصام المقاومة في الداخل الاستفادة من الحادثة للهجوم على حزب الله وتبنّي رواية كمين أو اعتداء على اليونيفيل. كما جاء تصريح رئيس الوزراء الإيرلندي ميشال مارتين، عن أن قواته تعمل في بيئة معادية، مغايراً للواقع، إذ إن القوات الدولية والكتيبة الإيرلندية نفسها تشيد بالأجواء الهادئة في الجنوب، خصوصاً بعد التقرير الإيجابي الذي أعلن عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش بداية الشهر الحالي، حيث أشاد بالهدوء في الجنوب وبالتعاون بين القوات الدولية والأهالي والقوات المسلحة اللبنانية، واعترف بأن العوائق أمام القوات الدولية للوصول إلى كل النقاط على الخط الأزرق تمت إزالتها.
التوتر مسؤولية أميركية – إسرائيلية
أجواء التهدئة، لا تعفي إسرائيل والولايات المتحدة من محاولة زرع الفتن بين اليونيفيل والأهالي في الجنوب، عند كل استحقاق في مجلس الأمن والأمم المتحدة، لا سيّما في المشاورات حول التجديد لمهمة القوات الدولية في أيلول الماضي. إذ شُنت حملة شعواء للتأكيد على حرية حركة اليونيفيل من دون الجيش اللبناني، ونجحت الولايات المتحدة في الإضاءة على ثغرة في الـ 1701 على حساب العرف المنطقي القائل بضرورة تنسيق ومواكبة الجيش لتحركات القوة الدولية.
وليس خافياً، أن العديد من الصدامات التي وقعت بين أهالي الجنوب والقوات الدولية، كانت غالبيتها بسبب خروج القوات الدولية عن الطرقات المسموح لها التنقّل عبرها وبغياب الجيش الذي سرعان ما يعالج المشكلة عندما تحضر قواته للفضّ بين الأهالي والقوات الدولية. كما لا يمكن إنكار أن منطقة الساحل الجنوبي، مرصودة ومستخدمة من قبل العدو الإسرائيلي في أكثر من محطّة تاريخية، ما يترك دائماً مجالاً للشكّ عند أهالي المنطقة في أي تحرك عسكري غير معتاد.
وبانتظار صدور التحقيقات وجلاء الحقيقة، تؤكّد وقائع حادثة العاقبية ضرورة التنسيق بين القوات الدولية والجيش اللبناني في أي خطوة تقدم عليها اليونيفيل، بما يخفّف من التوتّر ويحدّ من إساءة الفهم والوصول إلى حوادث غير مقصودة.