أسدل مجلس النواب الستارة على عروض مسرحية الانتخاب الرئاسي للعام الجاري ليعود إلى استئنافها في العام الجديد بعد عشر جولات مستنسخة، استأصلت خلالها قوى 8 آذار الاستحقاق الرئاسي من رحم الدستور وأسرته في بيئتها الحاضنة للشغور، فتعمّدت تقزيم الاستحقاق وتحقير الموقع الأول في الجمهورية بأساليبها التعطيلية الممجوجة التي جعلت من العملية الانتخابية محطّ “مسخرة” أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي.
ومن الجرم الرئاسي المشهود الذي يرتكبه “حزب الله” وحلفاؤه بسلاح “الورقة البيضاء وتعطيل النصاب” طعناً للدستور والعملية الديمقراطية، إلى الجريمة الأمنية الموصوفة في الجنوب التي راح ضحيتها أحد جنود قوات “اليونيفل” بسلاح “البيئة الحاضنة” نتيجة استهداف دورية إيرلندية للرصاص من رشاش حربي لدى مرورها في بلدة العاقبية ما أدى لمقتل أحد عناصرها وإصابة ثلاثة آخرين أحدهم كانت حالته خطرة، قبل أن تتردد معلومات ليلاً تفيد بأنه فارق الحياة إثر خضوعه لعملية جراحية عاجلة لم يُكتب لها النجاح.
وإذ سارع “حزب الله” إلى تبرئة ساحته من الجريمة والتنصّل من أي مسؤولية في ارتكابها، حرص في المقابل على تقدّم صفوف المعزّين في جنازة “اليونيفل” من خلال سلسلة تصريحات صحافية تولى تظهيرها مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في “الحزب” وفيق صفا عبر وسائل إعلام محلية ووكالات أنباء عالمية، داعياً إلى “عدم إقحام “حزب الله” في الحادثة”، بينما تولّى الشيخ صادق النابلسي المقرّب من قيادة “الحزب” تظهير الجانب الآخر من الصورة من خلال تبريره عملية الاعتداء على الدورية الإيرلندية في بلدة العاقبية معتبراً في تغريدة عبر حسابه على “تويتر” أنّ “بعض الدول المشاركة في قوات اليونيفل تعمل وكيل أمن لإسرائيل (…) يعرفون الطرق والزواريب في لبنان كما يعرفون أبناءهم، لم يكونوا في هذا المكان تائهين ولم يكن غرضهم الخروج إلى شارع “مونو” لاحتساء الكحول“.
أما على الضفة الرسمية، فبدا الارتباك واضحاً على السلطة اللبنانية وسط تعتيم على نتائج تقرير الطبيب الشرعي الذي يبيّن سبب وفاة الجندي الإيرلندي شون رووني (23 عاماً)، في حين كشف مصدر قضائي لوكالة “فرانس برس” أنّ الآلية العسكرية التي كان يستقلها رووني “أصيبت بسبع طلقات من رشاش حربي فاخترقت مقعده من الخلف واستقرّت إحداها في رأسه ما أدى إلى وفاته على الفور”. وانطلاقاً من ذلك، بيّنت الأدلة المتوافرة في التحقيقات الأولية أنّ العملية ناتجة عن جريمة “قتل عمد”، سيما وأنّ وزير الداخلية بسام مولوي كان صريحاً ومباشراً في التأكيد على كون الجريمة لم تحصل نتيجة “صدفة أو حادث عرضي”، موضحاً لقناة “الحدث” أنّ “التحقيقات تشير إلى اعتراض سيارتهم في موقعين”، ولفت الانتباه إلى أنّ “من يقف وراء الاعتداء لا يخفي نفسه”، مجدداً التشديد على وجوب “أن تكون سلطة الدولة مبسوطة على كل أراضيها فلا يمكن القبول بمنطقين في دولة واحدة”، وذلك بعدما كان قد أكد إثر وقوع الجريمة أنّ “التعدي على عناصر قوات حفظ السلام لن يمر دون محاسبة” محملاً “السلاح المتفلّت” مسؤولية “التعدي على الشرعيتين الوطنية والدولية“،
أما على صعيد المواقف الإيرلندية من جريمة العاقبية، فلفت رئيس وزراء إيرلندا مايكل مارتن إلى أنّها أتت نتيجة تواجد جنود بلاده العاملين ضمن إطار “اليونيفل” في “بيئة عدائية صعبة”، بينما اتصل وزير الدفاع الإيرلندي سيمون كوفني بنظيره اللبناني موريس سليم مشدداً على “أهمية توصل التحقيق الى معرفة حقيقة وتفاصيل الحادثة المؤلمة نظراً لانعكاسها على الدور الذي تقوم به الوحدة الإيرلندية في اطار قوات اليونيفل منذ عقود”، كما اتصل كوفني أيضاً بوزير الخارجية عبد الله بو حبيب وأبلغه أنه سيبحث موضوع إرسال “لجنة إيرلندية” إلى بيروت لمتابعة التحقيقات في جريمة العقيبة خلال اجتماعه المرتقب مع الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك.
وإذ دانت كل من الأمم المتحدة وفرنسا والسفارتين الأميركية والبريطانية في لبنان الجريمة، وسط التأكيد على وجوب إنجاز التحقيقات بأسرع وقت “من دون عرقلة” توصلاً إلى “محاسبة المرتكبين”، شدد مصدر ديبلوماسي غربي لـ”نداء الوطن” على أنّ “المجتمع الدولي لن يقبل بتمييع التحقيق في جريمة كالتي حصلت ونتج عنها مقتل جنود أمميين في جنوب لبنان، بل سيبقى يتابع عن كثب نتائج التحقيقات حتى تسليم القتلة”، موضحاً أنّ “وصف قيادي أمني في “حزب الله” (وفيق صفا) الجريمة بالحادث غير المقصود لا يتطابق مع المؤشرات الأولية التي تفيد بأنّ الجريمة المرتكبة لم تكن وليدة غضب شعبي بل على العكس من ذلك بيّنت الأدلة والوقائع الميدانية والأمنية أنّ ما حصل كان كناية عن مطاردة متعمّدة للآلية الإيرلندية قام بها مسلّحون وعمدوا خلالها إلى تصويب نيران الرشاشات عليها مباشرةً بقصد القتل“.
وختم الديبلوماسي الغربي بالإشارة إلى أنّه “إذا كانت وراء الجريمة رسائل دموية معيّنة تستهدف تهديد عمل قوات “اليونيفل” فذلك ستكون له ارتدادات وتداعيات حتمية تتحمل المسؤولية عنها بالدرجة الأولى السلطات اللبنانية الرسمية باعتبارها المعنيّ الأول بالحفاظ على أمن وسلامة جنود حفظ السلام الدوليين المتواجدين بموجب قرار مجلس الأمن 1701 في جنوب لبنان“.