كتبت صحيفة “النهار” تقول: وسط جمود سياسي مرشح لان يطول الى ابعد من عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة، تمضي البلاد تحت وطأة الهاجس المتجدد الذي يتمثل باندفاع مؤشرات انهيارية تنذر بتسارع تداعيات الازمة المالية بكل ما يمكن ان تنعكس عبره على الأوضاع المزرية للاكثرية الساحقة من اللبنانيين. ولعل تصاعد “أجراس الإنذارات” مجددا من القطاعات الأشد حيوية والحاحا في حياة اللبنانيين كقطاع الاستشفاء او الدواء، لم يكن الا الدليل على ان ما تخوف منه كثيرون حيال السباق بين تداعيات الازمة السياسية وتداعيات الانهيار المتدحرج، بدأت ترخي بكل اثقالها على مجمل الوضع. علما ان تمدد الازمة السياسية الى كل ما يمت بصلة الى عمل حكومة تصريف الاعمال يخلف المزيد من التداعيات السلبية على مصالح المواطنين.
ذلك انه “استكمالاً للصراع المنفجر بين “التيار الوطني الحر” من جهة ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وسائر مكونات الحكومة الأخرى من جهة مقابلة حول انعقاد جلسات مجلس الوزراء، برز امس جانب جديد في ممارسات الوزراء المحسوبين على “التيار” من خلال تصرف وزير الدفاع الوطني موريس سليم بمرسوم المساعدة الاجتماعية للاسلاك العسكرية بسبب عمله على تعديل مشروع المرسوم كما اقره مجلس الوزراء. واستتبع ذلك توجيه رئاسة مجلس الوزراء كتابا الى وزير الدفاع طلبت فيه توقيع مشروع المرسوم المرسل اليه سابقا كما هو من دون تعديل والاعادة بالسرعة القصوى مشيرة الى ضرورة السير بإصدار مشروع المرسوم الموافق عليه من مجلس الوزراء وليس بالصيغة التي اعدها الوزير داعية الى “جعل حقوق الاسلاك العسكرية في منأى عن التجاذب السياسي استنادا الى حجج دستورية واهية”. وجاء الخلاف الجديد فيما لم تبرز أي مؤشرات لمعالجة ملف ترقيات الضباط العسكريين والامنيين المهددة بالتجميد.
وتفيد المعطيات ان ثمة اشكاليتين مختلفتين في وزارة الدفاع حيث يرفض وزير الدفاع التمديد المقترح والمرفوع من قائد الجيش العماد جوزف عون لكل من رئيس الأركان اللواء أمين العرم الذي يتقاعد في 24 كانون الأول الجاري والمفتش العام في المجلس العسكري اللواء ميلاد إسحق الذي يخرج للتقاعد في 25 الجاري .
والاشكالية الثانية تتمثل برفض الوزير سليم التوقيع على مرسوم المساعدات الاجتماعية للعسكريين الا بالصيغة التي يعتبرها دستورية اي بمرسوم يوقع عليه الوزراء الاربعة والعشرون وليس بالصيغة المقترحة من رئيس الحكومة والمتمثلة بالمرسوم الموقع عليه من ميقاتي ووزير المال ووزير الدفاع. وهذا القرار للوزير سليم يأتي انسجاماً مع موقف باقي الوزراء المحسوبين على “التيار الوطني الحر” والقائل بأن رئيس الحكومة لا يحق له ان يحل مكان رئيس الجمهورية في التوقيع على المراسيم بل تناط هذه الصلاحيات بمجلس الوزراء مجتمعاً أي بتوقيع كل اعضاء مجلس الوزراء الـ24.
المشهد المأزوم
تصرف وزير الدفاع جاء كما يبدو ترجمة لموقف الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” التي رفضت امس “رفضا تامًّا الاجتماع اللاشرعي واللادستوري واللاميثاقي الذي عقده مجلس الوزراء” واعتبرت “الاجتماع كأنه لم يكن، ودعت إلى التراجع عنه شكلًا ومضمونًا وتصحيح الخطأ بإصدار القرارات عن طريق المراسيم الجوّالة التي يجب أن يوقّع عليها جميع الوزراء تنفيذًا للمادة 62 من الدستور التي تنصّ على أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية تناط وكالة بمجلس الوزراء والوكالة لا يمكن أن تتجزّأ بين الوزراء. وهذا ما جرى تطبيقه في خلال حكومة الرئيس تمام سلام فما الذي تغيّر لمخالفته، ومن هي الجهات التي تكون قد خالفت ما تم الاتفاق عليه بالإجماع في العام 2014 وتمّت ممارسته على مدى سنتين ونصف السنة”.
وفي المقابل حمل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع محور الممانعة تبعة التدهور الجديد في الوضع المعيشي للبنانيين معتبرا انه “لا يمكن تصوّر أي وقف لهذا التدهور إلا بمعالجات جذرية تتطلّب سلطة سياسية فعلية، وما يحول دون قيام هذه السلطة هو تعطيل محور الممانعة بكل أطرافه للانتخابات الرئاسية”. وقال “إن محور الممانعة، بدءً من “حزب الله” وليس انتهاءً بـ”التيار الوطني الحر” يتحمّل مسؤولية كل تدهور إضافي في الوضع العيشي لأنه سبب الانسداد السياسي القائم.
والمطلوب منا كلبنانيين الضغط بكل قوانا على أطراف هذا المحور لوقف تعطيل الانتخابات الرئاسية والذهاب في أسرع وقت ممكن لانتخاب رئيس جديد، فعلاً جديد، للجمهورية اللبنانية، تبدأ معه مسيرة الانقاذ الفعلي للبلد”.
تحذيرات واشنطن
في غضون ذلك برز موقف أميركي جديد يحذر من خطورة الازمة في لبنان وتبلغه وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب من مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى السيدة باربارا ليف التي استقبلته في مقر وزارة الخارجية في واشنطن ، حيث تم البحث في آخر المستجدات على الساحة اللبنانية، سيما الانتخابات الرئاسية، والاصلاحات المنتظرة بالاضافة الى ابرام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وملف النازحين السوريين. وشددت ليف خلال الاجتماع على “ضرورة تحمل أصحاب القرار في لبنان مسؤولياتهم الوطنية والمضي قدما بانتخاب رئيس جديد للجمهورية كخطوة أساسية للبدء بمعالجة الأزمات المتراكمة”. وأكدت “أن ما يواجهه لبنان هو مختلف، وأشد خطورة من ازماته السابقة، وحتى أشد تعقيدا من الازمات الاقليمية في المنطقة التي تتولى متابعتها بحكم نطاق عملها”.
بدوره، أكد بوحبيب “ضرورة استمرار المساعدة الأميركية للبنان خصوصا الدعم للجيش وللقوات الامنية اللبنانية في ظل الوضع الاقتصادي غير المسبوق، والأزمة السياسية التي تنعكس على الاستحقاق الرئاسي، والخطر الذي يهدد لبنان بهويته بسبب عدم إيجاد الحلول المستدامة لإعادة النازحين السوريين الى بلدهم وضرورة تغيير المجتمع الدولي مقاربته لهذا الملف”.
اما في المشهد الاجتماعي والمالي المأزوم وفيما واصل الدولار الأميركي ارتفاعه متجاوزا سقف الـ 45700 الف ليرة في ظل الشلل السياسي التام ووسط غياب مريب عن معالجة هذا التفلّت، اطلق نقيب الصيادلة جو سلوم نداء حذر فيه من أن “الارتفاع المطرد والسريع للدولار، أدى الى توقف شبه كامل عن تسليم الأدوية والحليب الى الصيدليات، وبالتالي فقدانها تدريجياً، ناهيك عن انعكاساته السلبية على الواقع الصحي والافلاسات التي تنتظر كل قطاعات الدواء وفي مقدمتها الصيدليات، وبالتالي الاقفال”. واكد “ان المواطنين عاجزون عن تحمّل المزيد من الأعباء وارتفاع الأسعار، وكذلك الصيدليات وشركات الأدوية والمصانع الدوائية عاجزة عن الاستمرار، في حين ان وزارة الصحة تقوم بأكثر من واجبها في هذه الظروف الصعبة وضيق الموارد والخيارات، ونقابة صيادلة لبنان لا تألو جهداً في مكافحة كل أشكال المخالفات والتهريب والتلاعب بصحة المواطن”. وناشد السياسيين “انقاذ المريض والقطاع الصحي الذي يلفظ أنفاسه الاخيرة ، فالانقاذ يبدأ بانتخاب رئيس للبلاد، لتأمين الحد الأدنى من الاستقرار المالي والاقتصادي، واعادة انتظام الحياة الدستورية والتشريعية لتذهب الأمور في اتجاه التعافي ووضع الخطط التنفيذية، ولا سيما الصحية، والا الانهيار الحتمي والتوقف القسري لكل القطاع الدوائي في غضون أيام”.
وشهدت السرايا الحكومية سلسلة اجتماعات لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي خصصت للبحث في أوضاع القطاع الصحي والمستشفيات . يشار الى ارتفاع سجل امس أيضا في أسعار المحروقات اذ ارتفع سعر صفيحة البنزين 20 ألف ليرة، وصفيحة المازوت 21 ألفاً، وقارورة الغاز 13 ألفاً.