يمضي الوقت كالسيف قاطعاً كل الآمال بقرب الخروج من دهاليز الأزمة. ولم يسجّل في الأيام الأخيرة من العام 2022 سوى المحاولات المستمرة لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في مساعيه لمحاولة خلق الفرص لشق الطريق امام الحلول، على قاعدة أن السبيل الأقل كلفة والانجع يبقى الحوار، خصوصا وأن السبل الأخرى مقفلة بالكامل بفعل الصقيع الذي يلف الواقع السياسي.
وعليه لا جديد طرأ يمكن أن يدل على إمكانية خلق مبادرات باتجاه حوارات أوسع تفضي إلى إنهاء الشغور الرئاسي الذي على ما يبدو حتى اليوم انه طويل الأمد، إذ إن القوى السياسية المعنية بوقف تعطيلها له، لا تزال متمسكة بشروطها التعجيزية التي من شأنها أن تعيق إنجاز الاستحقاق مطلع السنة الجديدة 2023.
الصورة السوداوية في لبنان حملت البابا فرنسيس خلال قداس الميلاد في الفاتيكان للتضرع إلى الله بالقول “يا رب ساعد لبنان ليتمكن من التعافي بدعم الجماعة الدولية وبقوة الاخوّة والتضامن”، فيما كان البطريرك الماروني مار بشارة الراعي يخاطب المسؤولين عن التعطيل بالقول “كفوا عن تعطيل انتخاب الرئيس”.
مصادر بكركي كشفت في اتصال مع “الأنباء” الإلكترونية أن لبنان الذي لم يغب أبدا عن اهتمامات قداسة الحبر الأعظم، حرص على ادراجه في عظته لتذكير العالم، وخاصة الدول الصديقة، بضرورة بذل ما بوسعهم لمساعدة لبنان الذي سبق أن وصفه البابا يوحنا بولس الثاني بوطن الرسالة، لأنه من غير المسموح التفريط به. وانطلاقا من هذه المعادلة فإن الفاتيكان والدول الصديقة لن يتخلوا عن لبنان.
من جهة ثانية، وتعقيبا على ما كشفه رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل عن نيته إطلاق مبادرة جديدة مطلع العام المقبل، اشار عضو التكتل النائب ادغار طرابلسي في حديث لجريدة “الانباء” الالكترونية أن “تكتل لبنان القوي يعمل لضمان الاتفاق على برنامج سياسي متكامل يشمل الرئاسة والحكومة وضمان الإصلاحات وليس ضمان انتخاب رئيس الجمهورية لوحده”.
وردا على سؤال حول من هو مطروح لاسم الرئيس، قال طرابلسي: “وهل يخلو لبنان من الأسماء الجيدة على قاعدة سمينا أفضل ما عنا وعندما يصل الى الرئاسة يتنصل من تعهداته؟” مذكرا بأن “التكتل عندما رشح العماد ميشال عون كان البرنامج حاضرا، واول سنتين من بداية العهد كان الوضع جيدا لكن بعد ذلك التاريخ انتهى كل شيء ولسنا مضطرين لاستعادة التجربة ذاتها. لذلك قررنا ان نبادر باتجاه الشركاء الآخرين للاتفاق على البرنامج والضمانات”.
وبشأن ما يشكله الاتفاق المسبق على كل هذه السلة من احتمال خرق للدستور، سأل طرابلسي: “هل يوجد أي بند بالدستور لم ينتهك منذ سنة إلى الآن، الى ان وصلنا الى ما وصلنا اليه؟”، مشددا على ضرورة الاتفاق على سلة متكاملة لضمان المؤسسات. متوقعا تأخير انتخاب الرئيس للوصول الى حوار واتفاق على كل هذه البنود.
وعن موقف التكتل من الحوار في حال جدد الرئيس نبيه بري الدعوة إليه مطلع السنة الجديدة، رد طرابلسي بالقول: “سبق وأعلنا أننا لسنا ضد الحوار، لكن لسنا مع الحوار لتسمية الرئيس فقط بل الحوار على برنامج سياسي واقتصادي متكامل”.
وفي ضوء ذلك، تبقى اذا دوامة الأزمة على حالها من الدوران في حلقة مفرغة، اذ لا تزال حتى الساعة كل المؤشرات تدل على أن الطريق طويلة بعد للوصول الى القناعات المشتركة لدى جميع الفرقاء بضرورة الحوار، وحتى ذلك تتفاقم أزمات اللبنانيين الذين يرون كل يوم حالة انفصام كبيرة بين قلة قادرة على العيش وباستطاعتها توفير مستلزمات الحياة، وبين كثرة تزداد تباعا في الفقر وصعوبة ظروف الحياة، وما هي مشاهد المطاعم والحانات والمحال المزدحمة في زمن الاعياد سوى دليل إضافي على هذا الاختلال الكبير في فروقات القدرة على المعيشة لدى اللبنانيين.