بقي للبنانيين أيام قليلة للتلهي وإحياء ليلة رأس السنة، بعيداً عن الهموم والمآسي الاقتصادية والمعيشية، عدا المشاكل السياسية التي ترافق حياتهم اليومية، استعداداً لترحيلها الى العام المقبل، في ظل المناكفات اليومية التي لا تنتهي بين مجمل الافرقاء السياسيين. ويأتي الاستحقاق الرئاسي في طليعة الملفات، التي تنتظر الحلول السريعة. وفي هذا الاطار، افيد وفق مصدر مطلع على ما يجري في الكواليس، بأنّ الاتجاه الخارجي يفضّل وصول رئيس معني بالملفات الاقتصادية والازمات المالية والمعيشية، أي رئيس قادر على وضع خطط اقتصادية مدروسة، وانتشال العملة الوطنية من الهاوية وإعادتها شيئاً فشيئاً. وفي السياق ُطرح اسمان هما وزير مالية سابق وشخصية اقتصادية تعمل في الخدمات المصرفية العالمية، لكن هذا الطرح لم يلاق القبول المطلوب داخلياً، بعد طرحه بين المعنيين، فيما من المرجّح ان يلاقي الموافقة ولو بعد حين.
كما انّ الرهانات على شهرَي كانون الثاني وشباط المقبلين لن تصل الى مبتغاها، بل ستبقى ضمن اطار التكهنات وفق ما تظهره الصورة الرئاسية الحالية، لانّ لا شيء يطمئن، خصوصاً انّ المعنيين بالملف ما زالوا على تشبثهم في المواقف.
لقاءات من دون نتيجة…
العطلة السياسية، خرقها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لكن بعيداً عن الاعلام، وضمن لقاءات خفية مع بعض الاطراف السياسية، بعدما بات في عزلة سياسية، بسبب خلافاته مع الحليف الوحيد حزب الله، الذي اكتفى عبر رئيس وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا، باتصال لمعايدة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون والنائب باسيل، في حين كانت المعايدة تتم عبر زيارة وفد من الحزب . وفي ظل هذا التراجع الذي سبق انّ تلقفه باسيل بإطلاق رسائل سلبية، خلال مؤتمره الصحافي الاخير في اتجاه حارة حريك، وهذا ما لم يقبله الحزب ولم يمّر مرور الكرام، لذا اتجه باسيل نحو الخصوم هذه المرة، علّه يستطيع تحقيق بعض الإيجابية التي تصّب في خانة الاتفاق على مرشح رئاسي ثالث، يتم التوافق عليه للوصول الى قصر بعبدا، وهو بدأ هذه المهمة مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط مساء الجمعة الماضي، من دون ان يسفر اللقاء عن أي نتيجة، اذ لم يستطع باسيل الحصول على مكسب سياسي من جنبلاط، وفق ما علمت «الديار» من مصدر مسؤول في الحزب «الاشتراكي».
أما اللقاء مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، فجرى بمبادرة من الصديق المشترك علاء الخواجة على مأدبة غداء في منزله، فإذا بالنتيجة مماثلة، بسبب امتناع الوزراء المحسوبين على «التيار الوطني الحر» عن توقيع المراسيم الصادرة عن حكومة تصريف الاعمال، خصوصاً تلك المتعلقة بالمؤسسة العسكرية، والأمر عينه انسحب على اللقاء الذي جمع باسيل برئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وبقي ضمن الإطار الاجتماعي فقط، لانّ الخلاف كبير وتصعب إزالته كما قالت المصادر المطلعة.
معراب مستاءة والاجتماع مستبعد جداً
الى ذلك، علمت « الديار» بأنّ رئيس «التيار» يسعى الى عقد اجتماع مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ، من خلال وساطة اصدقاء مشتركين، لبحث الملف الرئاسي وطرح أسماء جديدة، وافيد بأنّ الوساطة تلاقي صعوبة بإقناع جعجع بالموافقة، لانّ التجارب السابقة مع باسيل لا تشجّع، خصوصاً انه يهاجم «القوات» في كل مناسبة، من دون ان يحفظ خط الرجعة، فينبش القبور دائماً ويعيد الماضي الاليم، ما يستبعد حصول هذا اللقاء، الامر الذي دفع بمصادر سياسية الى التعليق بالقول: «باسيل بات وحيداً، لذا يبحث اليوم عن الخصوم، وبالتأكيد لن يجدهم، وخصوصاً جعجع»، مع ترجيحها حصول بعض الاجتماعات المماثلة هذا الاسبوع مع بعض الاطراف السياسية، ضمن اطار الانفتاح السياسي ليس أكثر.
عيون رئيس «التيار» على السعودية والامارات
بعد زيارته قطر مرتين، افيد بأنّ النائب باسيل يسعى عبر رجل اعمال خليجي، لزيارة المملكة العربية السعودية والامارات، بهدف التواصل معهما والانفتاح لبحث ملف الرئاسة، لكن وساطته هذه لم تلق أي قبول وفق ما اشارت مصادر مطلعة لـ «الديار»، معتبرة أنّ رئيس «التيار» لم يترك للصلح أي «مطرح»، بسبب سياسته التي لا تخلو في معظم الاحيان من العدائية المطلقة، والتي تحتاج الى فترات طويلة لضبطها، لانه لا يعرف كيفية إدارة خطوط الرجعة في السياسة.
خضة الدولار وفوضى الاسواق
كان لافتاً جداً ما جرى يوم امس على صعيد الدولار، بعدما أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بياناً، أوضح فيه أنّ ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي خلال فترة الأعياد التي امتدت لمدة ثلاثة ايام الى ألفي ليرة في السوق الموازية، ناتج من عمليات مضاربة وتهريب الدولار الى خارج الحدود، لافتاً الى انّ هذا الارتفاع سبّب تضخماً في الأسواق، مما أضر بالمواطن اللبناني كون الأسعار في لبنان ترتبط بسعر صرف الدولار.
وبناءً على ذلك وعلى أساس المادتين 75 و 83 من قانون النقد والتسليف، تقرّر رفع سعر sayrafa ليصل الى 38 ألف ليرة، على ان يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر Sayrafa ، ويمكن للافراد والمؤسسات ودون حدود بالأرقام، ان يتقدموا من جميع المصارف اللبنانية لتمرير هذه العمليات، وذلك حتى إشعار آخر، مؤكداً انه ليس هناك أي شروط متعلقة بتنفيذ هذه العمليات، والتي ستنفذ تلقائيا حين تتقدم المصارف اللبنانية من مصرف لبنان بالليرات اللبنانية، وسيسلمها بالمقابل الدولارات، والقرار نافذ المفعول بدءاً من اليوم ( أمس) وحتى إشعار آخر، على ان يمدّد مصرف لبنان ساعات العمل بما يتعلق بالعمليات المذكورة، حتى الساعة الخامسة مساء كل يوم عمل، وذلك حتى 31 كانون الثاني 2023.
في غضون ذلك، تراجع سعر صرف الدولار من 48 الف ليرة الى 42 ومن ثم الى 40 الفاً، وقد ادى هذا الانخفاض الى حال من الفوضى، وسط زحمة لافتة أمام المصارف ومحال الصيرفة، ومن ثم عاد الدولار ليلامس عصر امس الـ45 الفاً.
السلع الغذائية على سعر 48 الف ليرة !
وعلى الرغم من هبوط سعر صرف الدولار خلال يوم امس، وكما تجري العادة دائماً، استمرت المحال التجارية و«السوبرماركات» ببيع المواد والسلع الغذائية وفق سعر 48 الفاً، بحجة انه تم تسليمها البضاعة صباح امس، أي قبل صدور تعميم مصرف لبنان الذي انخفض بموجبه الدولار الى حدود 40 الفاً، من دون أي رقيب او حسيب. وبهذا يبقى المواطن الخاسر الاكبر وسط كل ما يجري، اذ يدفع وحده الثمن الباهظ، مع ما رافق ذلك من فوضى في سوق بيع بطاقات تشريج الهاتف الخلوي المدفوعة سلفاً، والبلبلة في الاسواق التجارية عشية عيد رأس السنة، لتسجّل أرباح التجار مبالغ خيالية غير مسبوقة.