كتبت صحيفة “الديار” تقول: تصدر حزب الله المشهد خلال الساعات القليلة الماضية، ويستمر حتى مساء اليوم عبر اطلالة الامين العام السيد حسن نصرالله، التي تتضمن رسائل الى الداخل والخارج. هذه الرسائل انطلقت قبل ساعات عبر “فيديو” للاعلام الحربي يجسد اقتحام المقاومين مستوطنات الشمال ، وذلك في اطار حرب نفسية استباقية واضحة الاهداف لحكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف برئاسة بنيامين نتانياهو.
في الداخل، كسرت زيارة وفد الحزب الى بكركي رتابة المشهد السياسي، وقطعت الطريق على المصطادين في “الماء العكر”، الذين اصروا على ان الحوار مقطوع بين الجانبين على الرغم من ان التواصل مستمر وجرى تفعيله خلال الاسابيع الماضية، لا جديد، حزب الله مع الانتخابات في اقرب وقت، لا “فيتو” رئاسي لديه على احد، ومنفتح على الحوار. لكن المفارقة اللافتة تبقى في الانتقادات العلنية “والقاسية” من قبل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي لطروحات رئيس مجلس النواب نبيه بري الرئاسية في عظته يوم الاحد ، رافضا اقتراحه حصول توافق مسبق على اسم الرئيس قبل الانتخابات، ما دفع بري الى الاكتفاء بالقول امام زواره “لا اعرف ما يريدونه حقا… شو البديل، اللي عندو حل يعطينا اياه”.
ومع العودة المفترضة لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من الخـارج، حيـث قضـى فرصـة الاعيــاد، يفترض ان تتكشف حقيقة نياته بشأن الدعوة الى جلسة حكومية جديدة، فيما تبدأ اولى الازمات السياسية عمليا اليوم، مع بدء التيار الوطني الحر تقديم الطعون امام مجلس شورى الدولة بالمراسيم التي صدرت عن اجتماع الحكومة الاخير، فيما حرص رئيس “التيار” على مغازلة السعودية عبر الاشادة في حديث اعلامي بخصال ولي العهد محمد بن سلمان ونهجه التغييري في المملكة، التي تتأخر حتى الأن في الرد على “رسالة” تنتظرها طهران!
اما وزير الدفاع الفرنسي فغادر بيروت دون ان يترك اي جديد على المشهد السياسي، فما حمله معه عناوين عامة لا “خارطة طريقط فرنسية، تأكيد على الاهتمام دون الافصاح عن آلية التحرك، قلق من حكومة اليمين “الاسرائيلية”، وتثبيت الدور الاعتيادي “لليونيفيل”.
شلل وتصعيد
بغياب الخارج عن المشهد، ومع انعدام فرص الحوار الداخلي، ولأن التوازن السلبي يحكم المجلس النيابي، لا شيء يبشر بقرب وقف الانهيار والفوضى، ودون اي بارقة امل في تحقيق اختراق في الملف الرئاسي. اما العنوان الرئيسي للازمة السياسية فهو المواجهة المفتوحة حول احتمال دعوة الرئيس ميقاتي لجلسة جديدة لحكومة تصريف الأعمال، خصوصا بعد رفع التيار الوطني الحر سقف المواجهة قانونيا اليوم عبر تقديم طعون في قرارات الجلسة الاخيرة امام مجلس شورى الدولة، يشارك فيها وزراء قاطعوا الجلسة الاخيرة، وهو ما سيزيد من اصرار رئيس الحكومة المكلف على السعي لعقد جلسة جديدة تحت عنوان “البنود الملحة”.
اولى الحملات الاعلامية افتتحتها النائبة ندى البستاني التي اتهمت رئيس الحكومة بعرقلة زيادة التغذية الكهربائية، فرد عليها مكتب ميقاتي ببيان اتهمها فيه بممارسة وصاية مباشرة على الوزارة الحالية، وقال: ان “التيار يستمر في عملية اللهو والتعمية لاخفاء الاخفاقات في ملف الكهرباء على مدة سنوات”. ولفت الى انه “يجب ان تسأل فريقــها السياســي اين الكهرباء؟ لا اي احد آخر”، واضــاف” سنـضطر الى نشــر وثيقة تكشف وصاية النائبة البستاني على الوزارة الحالية”. ويبدو فيها زيادة توقيع الوزير وليد فياض بخــط اليد بعد ان كانت موقعة من قبل البستاني نفســها!
وترجح مصادر مطلعة ان يستغل ميقاتي حملة “التيار” في ملف الكهرباء لتعليل الدعوة الى الجلسة الجديدة، حيث سيكون البند المتعلق بسلفة الخزينة للكهرباء الموضوع الرئيسي، اضافة الى ملف النفايات، إلا أن الأمور لم تحسم بعد ، وقد تتبلور مع الاجتماع المرتقب بين بري وميقاتي خلال الساعات المقبلة، حيث سيبلغه بموقف “الثنائي الشيعي” من الدعوة، خصوصا ان حزب الله لا يزال يفضل حصول تفاهم بين ميقاتي وباسيل ، ولا يشجع على التصعيد، لكن الامور لا تزال غير محسومة، وقد يكون لدى السيد نصرالله الليلة اجوبة واضحة حيال هذه المسألة.
ايران تنتظر رداً سعودياً؟
في هذا الوقت، فتحت ايران “نافذة” لاستئناف الحوار مع السعودية، قد تؤدي الى “كسر الجمود” في المنطقة ولبنان، اذا انتهت الى نتيجة ايجابية، فقد اعلن علي رضا عنايتي، مساعد وزير الخارجية الإيراني، أن طهران وقعت اتفاقيات أمنية مع بعض دول الجوار ومنها السعودية، مؤكدا إحراز تقدم في جولات الحوار السابقة مع الرياض. ووفقا لمصادر ديبلوماسية، تنتظر طهران ردا على “رسالة” واضحة ارسلت لها من خلال الوسيط العماني لاستئناف الحوار المنقطع منذ اشهر. وقال عنايتي الذي يشغل أيضا منصب المدير العام لشؤون الخليج بالخارجية الإيرانية، إن طهران لمست نبرة تعاونية في مؤتمر بغداد 2 من أجل الاتفاق على دعم العراق. وكشف عن لقاء بين وزيري خارجية إيران والسعودية على هامش المؤتمر، واصفا اياه بانه “لقاء ودي”. وأضاف: الحوار مع السعودية في مراحله الأولى، ونريد علاقات طيبة مع دول الجوار. وأكد أنه تم إحراز تقدم في جولات الحوار السابقة مع السعودية، واشار الى ان الأبواب مفتوحة لإحياء العلاقات، ونشد على الأيادي السعودية الممدودة للحوار معنا. كما أكد المسؤول الإيراني ترحيب بلاده بالجهود المستمرة لدول الجوار في مساعي إحياء الاتفاق النووي، مشددا في الوقت ذاته على أن تهديدات إسرائيل لا تقلق طهران وهي مستعدة للرد على أي اعتداء.
قلق فرنسي – اميركي
في هذا الوقت،انتهت جولة وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو على المسؤولين اللبنانيين، دون اي اضافات جديدة على الموقف الفرنسي “العاجز” عن تحقيق اي اختراق في الملف الرئاسي، لكنه حمل تطمينات حول دور “اليونيفيل” وطبيعة عملها في الجنوب، مع تعبير واضح عن القلق ازاء وصول حكومة يمينية الى “اسرائيل”. هذا القلق ينتاب الاميركيين ايضا، حيث يخطط مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان لزيارة “إسرائيل” في منتصف شهر كانون الثاني الجاري، لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين كبار آخرين بخصوص سياسة الحكومة الجديدة. ووفقا لمصادر ديبلوماسية، فأن زيارة سوليفان من المتوقع أن تطلق المحادثات التي يجب أن تجري بين الإدارة الأميركية والحكومة الجديدة في “إسرائيل”، استعدادا لزيارة محتملة لنتنياهو إلى البيت الأبيض في شباط، حيث يرغب بايدن في “كبح جماح” الحكومة اليمينية المتطرفة ومنعها من اتخاذ قرارات متهورة في المنطقة.
ولفت الوزير الفرنسي الى الاهتمام الذي يوليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للوضع في لبنان، واعلن ان لديه تكليفا من الرئيس ماكرون لصياغة برنامج تعاون عسكري بين البلدين للمرحلة المقبلة وكيفية تطويره بما يزيد من قدرات الجيش اللبناني، خصوصًا في مجال رفع قدرة القوات البحرية اللبنانية.
المقاومة والحرب النفسية
وفي سياق مواكبته لاحتمالات التصعيد الاسرائيلي، تقصد حزب الله عبر الإعلام الحربي نشر “فيديو” تحت عنوان “قسما قادرون… سنعبر”، بعد ساعات على اعلان التشكيلة الحكومية الاسرائيلية، ويحاكي “الفيديو” سيناريو اقتحام المقاومين للأراضي المحتلة، بعد إحداث ثغرة في الجدار الإسمنتي بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة، ويوضح كيف نجح المقاومون في التسلل إلى الداخل المحتل، حيث تدور اشتباكات مع جنود “إسرائيل”، ويبرز “الفيديو” الاشتباكات، واقتحام المواقع بحيث تكون البداية من الحدود الشمالية، لتنتهي عند شواطئ بحر فلسطين…
حزب الله وبكركي
داخليا، كسرت زيارة وفد حزب الله الى بكركي “رتابة” المشهد السياسي في عطلة الاعياد. لم تكن مفاجئة ولا مستغربة، بل اكثر من طبيعية، برأي مصادر سياسية بارزة، وهي تتويج لمسار طويل من النقاشات والحوارات على مدى الاشهر الماضية بين ممثل البطريرك وليد غياض ومسؤول الملف في حزب الله ابو سعيد الخنسا، اللذين اجتمعا لدى النائب فريد الخازن مرات ومرات، كما التقى غياض السيد ابراهيم امين السيد، وقد جرت اعادة تنظيم العلاقة وحل الكثير من التباينات، ويمكن الحديث اليوم عن حوار مفتوح ومستمر حول كل القضايا.
ووفقا للمعلومات، فان الكاردينال الراعي بحث مع رئيس المجلس السياسي السيد ابراهيم السيد الذي قدم التهاني بالأعياد، المستجدات على الساحة الداخلية ، لا سيما في ما يتعلق بموضوع الشغور الرئاسي.
وكان التوافق تاما على ضرورة اجراء الاستحقاق في اقرب فرصة ممكنة لان اضرار الشغور كبيرة. وقد تقصد الراعي الدخول في عملية التسميات وقال للسيد ان مرشحكم هو رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، فرد عليه بالقول” انه مرشحنا الطبيعي”، وبعد اشادة الراعي بمناقبية فرنجية وصفاته واخلاقه ، لفت الى حاجته الى غطاء مسيحي ضروري كي يتولى سدة الرئاسة، معتبرا ان الشغور يسبب شعورا سيئا لدى المسيحيين ويخل بتوازنات السلطة القائمة في البلاد.
لا تحدي ولا “فيتو”
وبعد اللقاء في رده على سؤال عن علاقة الحزب بالصرح البطريركي وفتح صفحة جديدة: “لا وجود لصفحة قديمة وصفحة جديدة. الصفحة مفتوحة دائما بيننا” .. واكد انه “لا تباين بيننا وبين غبطته، إنما هناك تبادل لوجهات النظر قائم على الحرص على انتخاب رئيس من اجل ان ينهض بالمسؤوليات تجاه لبنان. ولقد ابدينا رأينا في الموضوع وقلنا ان الوضع السياسي في لبنان والمشاكل والأزمات تستدعي المزيد من الحرص على انتخاب رئيس بأقرب فرصة، فوضع البلد يجعل الاستحقاق الرئاسي اولوية ويجب ان يتم بأقرب فرصة، ولكن ترك البلد ينهار، عندئذ لا قيمة لوجود رئيس في بلد ينهار”. واعتبر أن “المطلوب الإسراع في انتخاب رئيس، ولكن كما هو معروف في التركيبة السياسية المعقدة ولا سيما في المجلس النيابي والتصويت فيه على الرئيس الذي عليه ان يأتي بنسبة عالية من التوافق والمشروعية السياسية والشعبية ليتمكن من النهوض بالبلد كذلك المجلس النيابي والحكومة. لذلك لن يأتي رئيس تحد او كسر او مواجهة، لا البطريركية في هذا الصدد ولا نحن ايضا. المطلوب حوار حقيقي في لبنان وخصوصا في المجلس النيابي، وهذا ما دعا اليه الرئيس نبيه بري”.
وعن دعم الحزب وتأييده لقائد الجيش اذا ما تم التوافق على تسميته لرئاسة الجمهورية قال: “بالتوافق نحن نقبل النتيجة ونحن لا نضع فيتو على أحد. رأينا واضح والطريق اليه هو التوافق والحوار، ونحن منفتحون على الحوار وأي مدى يمكن ان يصل اليه. علاقتنا مع قائد الجيش العماد جوزاف عون في احسن حالاتها، ولكن موضوع الرئاسة شيء آخر. العلاقة بيننا تأسست على الخير ومستمرة على الخير. وعندما يصبح الحوار جديا نعطي رأينا”.
العلاقة مع “التيار”؟
وعن تعليقه على ما قاله النائب جبران باسيل عن ان اتفاق مار مخايل يقف على قدم ونصف قال: “نحن لسنا في صدد مناقشة هذا على الإعلام بل نناقشه مباشرة. من حقه ان يقول رأيه. ونحن سعداء بما انجز من تفاهم مع التيار الوطني الحر، ونعرف كيف نختلف فيما بيننا”.
وعما اذا كان النائب باسيل لا يزال تحت مظلة حزب الله قال: “هو اصلا ليس تحت مظلة حزب الله حتى يخرج منها، وهو حزب كبير ومستقل ولم يكن هناك يوم تظلل فيه باسيل بمظلة حزب الله”.
الراعي وانتقاد بري
وكان البطريرك الراعي قد اكد في عظة يوم الاحد ان “انتخاب الرئيس لا يتم ببدعة الاتفاق المسبق عليه ، فهذا نقيض نظامنا الديموقراطي، بل بالاقتراع المقترن بالتشاور والحوار، يوما بعد يوم، لا مرة كل أسبوع. فيتوقف عندئذ المجلس النيابي عن تلك المسرحية الهزلية التي مارسها عشر مرات. نتمنى من صميم القلب ألا يكون هناك من يتقصد تعطيل بتر رأس الجمهورية، وتعطيل المؤسسات ليظهر لبنان دولة فاشلة غير مؤهلة للوجود أو للبقاء كما هي، ولا بد، بالتالي، من تغييرها وبناء دولة أخرى على نسق الدويلات التي تتفشى في منطقة الشرق الأوسط، فلا تأخذ بالاعتبار الديموقراطية والتركيبة التعددية”.
“سهام” بكركي التي اصابت رئيس المجلس النيابي نيبيه بري رغم اتصال الاخير به مهنئا بالميلاد وايفاده “حركة امل” الى الصرح مهنئا، لم تفاجىء رئيس المجلس لكن علنيتها و”قسوتها” لم تكن في مكانها وتوقيتها المناسبين، لانها تقطع الطرق على اي فرصة لانتاج تسوية. ووفقا لمصادر مطلعة يتساءل بري عن البدائل المتاحة في ظل حالة الاستعصاء القائمة، اذا لم يكن التوافق حول الحل، اذا ما هو الحل؟ من لديه طرح بديل عليه أن يطرحه، والا فان البلاد تبقى امام حالة من المراوحة السلبية.
ازمة مدرسية؟
في هذا الوقت، تلوح في الافق ازمة تربوية جديدة قد تهدد مجمل العام الدراسي، بعد تهديد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض بالتصعيد. وقال بالامس انه لن ينتظر الاجتماع مع وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي للبحث في تأمين مقومات الحدّ الأدنى للمعلّمين، “وإذا لم نأخذ الوعود هذا الاسبوع لن نستطيع الاستمرار في العام الدراسي”. واشار الى أنّ “يوم الخميس ستجتمع روابط المعلمين ونقابة المعلمين والمهن الحرّة والاتحاد العمالي العام في نقابة الصيادلة للضغط على المنظومة السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة الحياة الدستورية”.