كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: لم تخرج البلاد بعد من عطلة الأعياد. لكن الضغوط المعيشية ازدادت وسط لا يقين يحيط بسياسات مصرف لبنان في السوق النقدية خلال الفترة المقبلة، وفي ظل انقطاع التواصل السياسي بين القوى الفاعلة. فيما يبقى الملف الرئاسي مجمّداً نتيجة توسع الخلافات الداخلية وتعطل أي مبادرة خارجية منطقية تدفع بالأطراف المحلية للمضي في خطوات تسهل انتخاب رئيس جديد خلال وقت قريب، وسط استمرار الانقسام حول تحديد الجهة المقررة، داخلية كانت أو خارجية.
عجز الخارج
الذين ينتظرون كلمة السر الخارجية، يترقّبون لقاء رباعياً فرنسياً – أميركياً – قطرياً – سعودياً سيعقد في باريس منتصف الشهر الجاري للبحث في الملف اللبناني، من دون حضور لبناني رسمي أو سياسي، وسط مسعى يقوده الرئيس الفرنسي لإقناع حلفائه بخطة عمل تهدف إلى تحقيق نتائج مباشرة في انتخابات الرئاسة الأولى وتشكيل الحكومة المقبلة وإدارة وصاية جديدة على لبنان.
وتدور أسئلة كثيرة حول جوانب عدة تتعلق بالاجتماع، من بينها مستوى تمثيل المجتمعين وهو ما لا يزال غامضاً، إضافة إلى جدول الأعمال، وكيفية تنفيذ المقررات خصوصاً إذا تم الاتفاق على بنود تتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي، وهو ما تستبعده مصادر مطلعة في ظل عدم حصول الفرنسيين على أجوبة واضحة من السعوديين حول نيتهم التدخل سياسياً أو مالياً. إذ تتمسك الرياض بموقفها المقتصر على المساعدات الإنسانية وعلى عدم الرغبة بدعم أي حلّ لبناني مجتزأ، بل تصر على سير لبنان بكل الشروط التي سبق أن حددتها في المبادرة القطرية كي تعيد لبنان إلى قائمة اهتماماتها. وهي في هذا السياق دُعيت إلى باريس من دون أي ضمانات. في حين فشلت فرنسا في جرّ طهران إلى الحديث عن الوضع اللبناني على هامش مؤتمر «قمة بغداد 2» الذي عقد في العقبة الأردنية الشهر الماضي.
كما يراقب متابعو هذا الاجتماع انعكاس الاتصالات التي أجرتها قطر أخيراً مع قيادات لبنانية عدة حول ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، والتي تعرضت لانتكاسة بسبب رفض رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل السير به. وهو ما أبلغته قطر للسعودية أخيراً، مقابل إبلاغها الفرنسيين أن ثمة تنسيقاً كاملاً بينها وبين الرياض، وأنها ليست في وارد تجاوز السعودية في لبنان إطلاقاً. وقد ظهرت مؤشرات على تراجع المسعى القطري من خلال الكلام المنسوب إلى وزير الدفاع الفرنسي خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان عن «عدم حماسة» قائد الجيش للترشح.
إرباك الداخل
وفي ظل غياب المبادرة الخارجية، يستمر الانقسام النيابي الداخلي في ظل محاولة يبذلها «التغييريون» للخروج من «ستاتيكو» النائب ميشال معوض بالتسويق للنائب السابق صلاح حنين، الذي يرون فيه مرشحاً «سيادياً وإصلاحياً وغير استفزازي ولم يتورط بالفساد، بل أنه في غالبية الأحيان وقف ضد القوانين التشريعية التي أيّدها الحزب الاشتراكي لأنها لم تكن تخدم مصلحة الشعب»، إضافة إلى إمكان أن يجمع أصوات المعارضة حوله بخلاف معوض. علماً أن بين «التغييريين» أنفسهم من يرفض التصويت لحنين من منطلق تاريخ علاقته بالحزب الاشتراكي مما يتعارض مع «مفهوم الاستقلالية وإمكانية اتخاذ قرارات سيادية بمعزل عن الجهة التي ينتمي إليها». وأبرز هؤلاء النواب حليمة قعقور وملحم خلف وفراس حمدان. لكن رغم هذا الانقسام في الكتلة نفسها، أجرى نواب داعمون لحنين سلسلة اتصالات مع بقية الكتل المعارضة التي أبدت استعدادها السير به، لا سيما الكتائب والنواب السنة المستقلين. بينما «لم يقدّم الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية أي جواب واضح»، كما تقول المصادر. إذ لا يزال الحزبان يتمسكان بترشيح معوض «حتى نهاية الشهر الجاري»، من دون أن يوضحا السبب باستثناء أنهما يراهنان ربما على حدث ما، أو إلى حين إنزال السفير السعودي وليد البخاري لمعوض عن المنصة لرفع مرشح آخر. وعلى جبهة الفريق الداعم لترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، فهو لا يزال عند المستوى السابق من الاتصالات، حيث يعتقد الرئيس نبيه بري على وجه الخصوص بأنه يجب العمل على تأمين دعم مسيحي جدي له، خصوصاً من البطريرك الماروني بشارة الراعي يضاف إلى الدعم الإسلامي الذي يؤمن نصاباً وبالتالي انتخاباً له بغالبية واضحة. فيما النقاش بين حزب الله والتيار الوطني الحر متوقف حول الملف الرئاسي منذ آخر لقاء جمع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بالنائب باسيل الذي ثبت خلاله رفضه تأييد فرنجية.
لا حماسة لعقد جلسة للحكومة… وبواخر الفيول تنتظر الاعتمادات
وسط الفوضى القائمة، اشتد الكباش السياسي خلال عطلة الأعياد بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتيار الوطني الحر على خلفية ملف الكهرباء، لا سيما بعد وصول باخرة إضافية إلى الشاطئ اللبناني ليصبح مجموع البواخر ثلاثاً، ولتتجاوز قيمة الغرامات المترتبة على الدولة الـ 400 ألف دولار، علماً أن كل يوم إضافي يمرّ من دون فتح اعتمادات لها يرتب 50 ألف دولار إضافية. وتكمن المشكلة في منح ميقاتي وزارة الطاقة، بناء على طلبها، موافقة استثنائية على إصدار سلفة خزينة تتيح فتح اعتماد مستندي بقيمة 62 مليون دولار لتغطية شراء 66 ألف طن من الغاز أويل لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان. وعلّل الموافقة في كتابه الصادر بتاريخ 23/12/2022 بأنه حاجة ملحة «نظراً لعدم الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء في الوقت الحاضر، ونظراً للضرورة والعجلة المتمثلة بوجوب تأمين التمويل اللازم لشراء المحروقات لتشغيل المعامل الحرارية».
حصل ذلك بعد طلب وزير المال يوسف خليل من وزارة الطاقة، في كتاب بتاريخ 20 كانون الأول 2022، يتمنى فيه رفع الموضوع إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لإصدار سلفة خزينة بفتح الاعتماد المستندي المطلوب. وضمن الكتاب يذكر خليل أن «مصرف لبنان سيقوم بحجز وسحب قيمة الاعتماد المستندي من حساب الخزينة عند توقيع وزارة المالية الاعتماد وإرساله لمصرف لبنان». كل ذلك يؤكد أن الاتفاق حول آلية التمويل وفتح الاعتماد من دون اجتماع مجلس الوزراء كان متفقاً عليه إلى أن عرقله وزير المال بطلب من رئيس مجلس النواب نبيه بري. عندها دخل رئيس الحكومة على خط الخلاف عبر دعم موقف بري قافزاً فوق الموافقة الاستثنائية والأسباب الموجبة التي خطّها بنفسه. لا بل انتقل للبحث مع التيار الوطني الحر بـ«كيفية إعادة البواخر»، على ما تقول المصادر، وهو أمر دونه عقبات كثيرة وفق شروط العقد.
وتعلق الأوساط القريبة من رئيس الحكومة بأن «ميقاتي أعطى الموافقة لوزارة الطاقة التي أحالتها إلى وزير المال، فرفض أخذها على عاتقه»، مستغربة الهجوم على رئيس الحكومة الذي قام بواجبه. ونفت أن يكون رئيس الحكومة يستخدم هذا الملف للضغط في اتجاه عقد جلسة وزارية، مؤكدة أن «التشاور مع الوزراء لا يزال مستمراً منذ ما قبل الأعياد للوصول إلى تصوّر مشترك حول ما يمكن فعله. فلا قرار بعد بعقد جلسة أو لا».
لكن مصادر سياسية أكدت عدم حماسة حزب الله لأي جلسة أخرى بعد التبعات التي أرستها الجلسة الأولى خصوصاً بين الكتل المسيحية. وقد دخل البطريرك الراعي على خط الخلاف بشكل واضح من زاوية الطعن بقانونية المراسيم، إذ رفض في عظته «تمرير مراسيم لا تنسجم مع الدستور ولا تأخذ في الاعتبار الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية، ولو كان المنصب شاغراً، كما فعل بعض الوزراء». وأضاف: «عبثاً تحاول المؤسسات الدستورية والخبراء المحيطون بها ابتداع تفسيرات دستورية لتسيير أعمالها وتحليل صلاحياتها. المطلوب واحد، انتخاب رئيس للدولة». من هنا تبدو إمكانية عقد جلسة وزارية في ظل المقاطعة المسيحية بغاية الصعوبة وستلقي بتداعيات شديدة على البلد لا سيما مع توجه التيار الوطني الحر للطعن في قانونية كل المراسيم التي اتخذت في الجلسة الأولى والتي تحمل توقيعين لرئيس الحكومة.