ينتظر لبنان وصول وفد قضائي أوروبي في الأيام القليلة المقبلة لإجراء تحقيقات مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومقربين منه ومصرفيين، في سياق قضية شبهات “اختلاس وتبييض أموال وتهرّب ضريبي”، في خطوة قد تعتبر من الخطوات الأخيرة قبيل توجيه اتهامات مباشرة بحسب مصادر قضائية معنية. لكن المنظومة التي تؤمن الحماية لسلامة تتشبث بنصوص قانونية تحاول من خلالها الحؤول دون وصول المحققين الأوروبيين الى أهدافهم بسهولة.
وفي مراسلات اطلعت عليها “نداء الوطن” يحاول النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات حيناً الظهور بمظهر المتعاون، لأنه الأدرى بما يمكن أن يعنيه رفض ذلك التعاون، لكنه أحياناً يتحدث بلغتين واقعتين بين مطرقة القضاء الأوروبي وسندان منظومة “حماية سلامة”.
ففي إحدى المراسلات يطلب عويدات من النائب العام الاستئنافي في بيروت إجراء المقتضى لاطلاع الفريق الألماني على كامل الملف والمستندات وتسهيل مهمة طلب المساعدة القانونية. لكنه، وفي ما خص استجواب المشتبه بهم، يقول إنه يجب أخذ موافقتهم (!) من دون ذكر ماذا يحصل إذا رفض هؤلاء المثول أمام المستجوبين. كما انه يشدد على ضرورة حضور القاضي (المحلي) المكلف ليقوم بطرح الاسئلة المعروضة.
وفي مراسلة أخرى مع النيابة العامة في ميونيخ، يشير عويدات إلى أن النيابة العامة التمييزية ختمت التحقيق الأولي، وتم تحويل الملف إلى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت للإدعاء على المتورطين في القضية أصولاً أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت. لكنه لا يذكر أن القاضي رفض تسلم الملف ولا أسباب ذلك، بل يشير إلى أن سلامة تقدم بطلب رد النائب العام لدى محكمة الاستئناف في بيروت، كما تقدم بدعوى مسؤولية الدولة اللبنانية عن أعمال النائب العام الاستئنافي في بيروت، مما أدى الى كف يده مؤقتاً عن اتخاذ أي إجراء في الملف، إلى حين البت بالمراجعتين من قبل المراجع القضائية. والمقصود هنا مجلس القضاء الأعلى ورئيسه سهيل عبود.
ويتوسع عويدات في مراسلاته مع جهات أوروبية في شرح أن القضاء اللبناني لا يتضمن ما يجيز لأي سلطة خارجية ممارسة صلاحيات تحقيق على الأراضي اللبنانية. كما لا يتيح للسلطات القضائية اللبنانية حق مشاركة هذه الصلاحيات مع أي سلطة أجنبية. وينوه الى المادة 46 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي أشارت صراحة، برأيه، إلى أن طلبات المساعدة القضائية المتبادلة تقدم بمقتضى قوانين الدولة الطرف متلقية الطلب. ويمكن ان تتضمن الحصول على أدلة وأقوال اشخاص، وتنفذ هذه الطلبات وفقاً للقانون الداخلي للدولة الطرف متلقية الطلب والتي يمكنها رفض تقديم المساعدة القانونية المتبادلة في حال رأت الدولة متلقية الطلب ان تنفيذ الطلب قد يمس بسيادتها.
ويضيف عويدات أن الاطلاع على ملف التحقيق اللبناني وسماع إفادات أشخاص بموافقتهم ممكن، في حين أن أداء مهام تحقيقية للمشاركة في تنفيذ مهام تدخل ضمن إجراءات تحقيق جزائي يتعارض مع القانون اللبناني. وان النيابة العامة التمييزية تطلب من السلطات القضائية (الاوروبية) المختصة، في حال رفض الأشخاص المطلوب سماعهم الخضوع للاستجواب طوعاً، الاستعاضة عن انتقال محققين أجانب الى بيروت بتقديم طلب مساعدة قضائية للاستماع الى إفادة أشخاص وتحديد هوياتهم وتحديد الاسئلة الواجب استجوابهم بشأنها، لينفذ طلب المساعدة أصولاً من قبل السلطة القضائية المختصة.
قضائياً أيضاً، برزت خلال الساعات الأخيرة المستجدات المتصلة بملف التحقيق في جريمة “العاقبية”، إذ وبعد تعاظم الضغوط الأممية والدولية لمنع السلطات اللبنانية الرسمية من تمييع القضية وطمس معالم الجريمة ربطاً بكونها أودت بحياة أحد جنود الكتيبة الإيرلندية العاملة ضمن عديد قوات “اليونيفل” في الجنوب بالإضافة إلى إصابة ثلاثة جنود آخرين، بادر “حزب الله” نهاية العام الفائت إلى تسليم أحد عناصره الضالعين في عملية إطلاق النار على الدورية الإيرلندية إلى مخابرات الجيش اللبناني، واكتفت قيادة المؤسسة العسكرية بالإعلان أمس عن إنجاز مديرية المخابرات “التحقيقات الأساسية” في القضية وإحإلة “الملف الأساسي إلى القضاء المختص”.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قضائي أنّ “مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي ادّعى على الموقوف محمد عياد (سلّمه “حزب الله”) بجرم قتل الجندي الإيرلندي ومحاولة قتل رفاقه الجنود الثلاثة بإطلاق النار عليهم من رشاش حربي”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ عقيقي ادّعى كذلك على “أربعة أشخاص معروفي الهوية ومتوارين عن الأنظار وعلى اثنين آخرين مجهولي الهوية بجرائم إطلاق النار تهديداً من سلاح حربي غير مرخص وتحطيم الآلية العسكرية وترهيب عناصرها”، وأحال الملف مع الموقوف عياد على قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوّان لإجراء التحقيقات واصدار المذكرات القضائية اللازمة.