خطفت تطورات الحرب في أوكرانيا الأضواء مع الأنباء المتقاطعة على تقدّم نوعي روسي في جبهات الدونباس، وانهيارات في مواقع القوات الأوكرانية على محاور القتال في سوليدار وباخمونت الاستراتيجيتين، حيث استنفرت حكومات الغرب وقيادة حلف الناتو لمناقشة التطورات، بعدما بلغت قيمة المساعدات العسكرية التي وصلت الى أوكرانيا الى مئة مليار دولار، تعادل ضعف كل الموازنة العسكرية الروسية، لكن النتائج الآتية من الميدان تقول بأن الانهيار الأوكراني لا يمكن منعه وأن الساعة الفاصلة تقترب، فيما المخاوف من تحرك روسي بيلاروسي لقطع خطوط الإمداد الأوكرانية من بولندا عبر تحرّك ناري وبري على خط الحدود، وقد صرح ليل أمس أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ أن مخزون الناتو قد نفد ولا إمكانيات فعلية لتوريد المزيد من المساعدات العملية في مجالي القذائف الذكية والصواريخ.
لبنانياً، وجّه رئيس المجلس النيابي نبيه بري دعوة لجلسة انتخاب رئاسية جديدة يوم غد الخميس، فيما كان معلوماً أن لا شيء سيتغيّر عن الجلسات السابقة في مواقف الكتل الثلاث الرئيسية، كتلة التصويت للنائب ميشال معوض، وكتلة الورقة البيضاء التي تضم ثنائي حركة أمل وحزب الله وحلفائهما، وكتلة النواب المستقلين التي تصوّت برموز وأسماء تميزها عن الكتلتين الكبيرتين، وكانت التساؤلات حول ما سيقرره التيار الوطني الحر، بالعودة إلى مربع تحالفاته بالتصويت للورقة البيضاء أو بالانضمام الى كتلة المستقلين والتصويت بأسماء ورموز بهدف التمايز دون امتلاك خريطة طريق فعلية انتخابياً، وقد حسم نواب التيار التصويت بالورقة البيضاء يوم الخميس.
حكومياً، لا زال التشاور التمهيدي لعقد جلسة حكومية لمعالجة إخفاقات ملف الكهرباء وأزمة بواخر الفيول التي تنتظر في عرض البحر فتح الاعتماد المصرفي وتسجل زيادة المبالغ المتراكمة الناتجة عن التأخير، وقد قاربت المليون دولار، وحصيلة التشاور الذي تمّ بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وكل من النائب علي حسن خليل والحاج حسين خليل ممثلين لثنائي حركة أمل وحزب الله، كان التساؤل حول جدوى عقد جلسة حكومية يتأمن نصابها، ويقع توقيع المراسيم الصادرة عنها في مأزق المراسيم ذاته التي تتصل بقرارات الجلسة السابقة، وتفادي هذا المأزق يستدعي مواصلة التشاور خصوصاً مع التيار الوطني الحر الذي يعارض عقد الجلسة للتوصل إلى حل توافقي لملف البواخر سواء عبر جلسة أو سواها.
قضائياً، قالت مصادر حقوقية إن مهمة الوفد القضائي الأوروبي، باتت واضحة بلا لبس، بعدما تعرّضت لحملات إعلامية لتمويه مهمتها، بعدما صدرت تأكيدات قضائية بأن الملف الأبرز الذي يسعى القضاة الأوروبيون لوضعه على الطاولة هو ملف حاكم مصرف لبنان، وأن التأجيل في موعد بدء عمل الوفد ناتج عن مناقشة الفرضيات والاحتمالات، بما فيها خشية سلامة من تعرّضه للتوقيف، والحديث الدائر في الكواليس عن طلب ضمانات، أمام النتائج الخطيرة التي تترتب على الامتناع عن المثول أمام القضاة، وأقلها صدور مذكرات توقيف أوروبية بحق سلامة، سرعان ما تصل الى لبنان عبر الإنتربول ويصبح تجاهلها مستحيلاً.
ويبدو أن العام الجديد افتتح على مشهد ساخن على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية، من استمرار أزمة رئاسة الجمهورية والاشتباك الحكومي – الكهربائي الى ارتفاع سعر صرف الدولار والمحروقات والأسعار والحرب بين المصارف والمودعين ورفع الدعم عن حليب الأطفال الى الانقسام حول زيارة الوفد القضائي الأوروبي الى لبنان للتحقيق بقضايا فساد وتبييض أموال، إضافة إلى عودة ملف انفجار مرفأ بيروت الى الواجهة، ما يطرح علامات استفهام حول من يقف خلف تأزيم المشهد ولأي أهداف؟ هل لضرورات الضغط في المعركة السياسية القائمة بين الأطراف الداخلية أم لأهداف خارجية، ما يعني أن الأزمة ستكون طويلة الأمد ولم يحن أوان وضع الملف اللبناني على جدول الأعمال الإقليمي – الدولي؟ أم أن تصعيد الأزمات إلى هذا المستوى يؤشر الى اقتراب الحل على قاعدة «اشتدّي أزمة تنفرجي»؟.
ولم يخرج تكتل لبنان القوي، بموقف موحد إزاء جلسة مجلس النواب غداً، حيث عقدت الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر اجتماعاً برئاسة النائب جبران باسيل، وسط انقسام بين وجهتي نظر وفق معلومات «البناء»، واحدة تؤيد ترشيح إحدى الشخصيات من داخل التكتل إذا كان لها فرص الوصول الى الرئاسة وحظيت بالتوافق، ووجهة نظر أخرى ترفض ترشيح أحد من التكتل والتوجّه الى ترشيح دعم شخصية من خارج التكتل قد تحظى بتوافق سياسي ووطني. وهناك الكثير من الأسماء وتؤيد ترك اختيار هذه الشخصية للاتصالات التي يجريها باسيل داخلياً وخارجياً.
ولفتت مصادر إعلامية الى أن باسيل ليس في وارد تسمية أي شخصية من «التيار» غيره لرئاسة الجمهورية واسم النائبة ندى البستاني غير مطروح عنده بل سيذهب إلى خيارات أخرى من خارج صفوف حزبه إذا ما حصلت تسوية.
وأشارت مصادر تكتل لبنان القوي لـ«البناء» الى أن «لبنان القويّ سيصوّت بورقة بيضاء ولن يحرق مرشحه الأساسي، وكل المرشحين الذين طرحوا في التداول يجري حرقهم واستخدامهم. وهذا ما يحصل باستخدام حزبي القوات والكتائب اللبنانية اسم المرشح النائب ميشال معوض، مع علم الجميع أنه لن يصل الى الـ65 صوتاً فكيف لنصاب الثلثين؟».
ولفتت المصادر الى أنه «من المبكر طرح رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، أما قائد الجيش جوزاف عون فالأمر يحتاج الى توافق غير متوفر حتى الآن والى تعديل دستوري»، وتساءلت: «لماذا تكريس قاعدة أن يصل كل قائد جيش الى رئاسة الجمهورية، وهو رجل ناجح في قيادة المؤسسة العسكرية لكن من يضمن أن ينجح في رئاسة الجمهورية وفي السياسة».
ورجحت المصادر أن يطول أمد الفراغ وتتأخر التسوية لغياب أي توجه أميركي باتجاه الضغط لإنتاج تسوية للملف اللبناني، مضيفة: «اللبنانيون يظنون أن الأميركيين ينامون على متابعة الأحداث اللبنانية اليومية ويستيقظون على قراءة الصحف اللبنانية، بل منشغلون بأزماتهم وتهمّهم مصالحهم الاقتصادية والأمنية، وسبق وانتظرنا سقوط أنظمة ودول ونجاح مشاريع خارجية والمحادثات النووية ثم انفراج العلاقات السعودية – الايرانية ثم الآن ننتظر الحرب الأوكرانية – الروسية، والآن الرهان على اللقاء الفرنسي الأميركي – السعودي في باريس، لكن لا مؤشرات جدية على تدخل دولي فاعل، وإذا تحرك الخارج فعلى توقيت مصالحه ووفق جدول أعماله وأولوياته وليس على جدول أعمال وأولويات لبنانية».
وأشار رئيس حزب الطاشناق النائب آغوب بقرادونيان لـ«البناء» الى أن «تكتل لبنان القوي سيصوّت بورقة بيضاء ومعه تكتل الطاشناق، لكننا كحزب نسعى للتوافق وسنكون مع أي رئيس ينال 63 صوتاً، ولكن لا أعتقد أن الرئيس الذي سينال هذا الرقم يستطيع أن يحكم لأن نصف الشعب اللبناني سيكون ضده». وقال: «ندعم التوافق وعدم اللجوء الى رفع السقوف واللغة الخشبية والكيدية، وحزب الطاشناق دائماً يعتبر أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل المشاكل، لتفادي الانقسام والفتنة».
كما شدّد بقرادونيان على أن «لا رئيس جمهورية بلا حوار، وأي تسوية خارجية تحتاج الى اتفاق داخلي يجمع عدداً من الأصوات (الاكثرية العادية) بالحد الأدنى للاتفاق على رئيس الجمهورية، وبالتالي أطراف سياسية أساسية في البلد لن تخضع لتسوية خارجية تأتي على حسابها، بل تجب صياغة تسوية داخلية لملاقاة أي دعم وتسهيل خارجي».
وأشار بقرادونيان الى أن «فرنجية مرشح جدي لكن يجب أن نرى إمكانيات فوزه عدا أنه لم يعلن ترشيحه رسمياً، وكل المرشحين قابلون للنقاش بالنسبة لنا ولا فيتو على أي اسم شرط أن يحظى بالتوافق»، كما أكد أن «الرهان على الطلاق بين التيار الوطني الحر وحزب الله سراب، فالعلاقة بينهما عميقة وأبعد من الاستحقاق الرئاسي، فهي قائمة على التعايش والاحترام المتبادل وليس على مصالح آنية وشخصية».
ولا يختلف الوضع الحكومي عما هو عليه رئاسياً، إذ يتريث رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، بظل موقف التيار الوطني الحر الرافض لعقد أي جلسة بظل الفراغ الرئاسي، كما لم تتوصل الاتصالات واللقاءات على خط السراي الحكومي – الضاحية الجنوبية، الى مخرج سياسي – قانوني لأزمة الحكومة.
وعلمت «البناء» أن حزب الله لا يزال على موقفه بالتريث بالدعوة، وهو تمنى على ميقاتي الانتظار لتدبير مخرج ما بالتنسيق مع التيار الوطني الحر، كما علمت أن الحزب لم يعلن أي موقف حاسم من الدعوة.
وأفادت المعلومات عن لقاء عقد بين ميقاتي وكل من المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـحزب الله حسين الخليل عصر الأحد الماضي. وأكدت المعلومات أن «ميقاتي كان متعاوناً في الاجتماع مع «الخليلين» بحصر جدول أعمال الجلسة الثانية ببندي سلفة الكهرباء ومناقصة استقدام الفيول من العراق». مؤكدة أن «الرئيس بري حتماً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء أما حزب الله فهو أيضاً مع انعقاد الجلسة في المبدأ، لكنه يرى أن المسار القانوني غير مكتمل وإجراءات الدعوة غير متوافرة».
على صعيد آخر، أوضح «المرصد الأوروبي لدعم النزاهة في لبنان» عبر حسابه على «تويتر» أن «القاضية الفرنسية اود بوروسي التي تحقق في قضية اختلاس وغسل وتبييض الأموال المتهم بها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تصل الاثنين المقبل إلى لبنان». وكشف المرصد أن هذه الزيارة الثانية لبوروسي إلى لبنان في إطار التحقيق الذي تقوم به. وكانت طلائع الوفد القضائي الأوروبي بدأت بالوصول إلى لبنان للتحقيق في اختلاس وتبييض أموال وإثراء غير مشروع، حيث اصبح الوفد الألماني في بيروت، وسيجتمع اليوم بالنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لتنسيق خطوات العمل، على أن يصل الوفدان الآخران من لوكسمبورغ وألمانيا خلال الساعات المقبلة.
وفي ظل اشتداد وطأة الأزمة السياسية واشتعال المشاكل الاقتصادية في توقيت واحد، ووسط الحديث عن وصول أحد القضاة الأميركيين للتحقيق في قضية المرفأ، تحرّك أهالي ضحايا انفجار المرفأ على الأرض من جديد.
فقد شهدت الباحة الخارجية لقصر العدل في بيروت، تجمّعاً لعشرات الأهالي، بمشاركة عدد من النواب، تزامناً مع اجتماع مجلس القضاء الأعلى للمطالبة بتعيين قضاة محكمة التمييز. وما لبث أن تطوّر الأمر، فاقتحم المعتصمون بوابة قصر العدل ودخل معظمهم الى الباحة الداخلية، حيث وقع اشكال بينهم وبين عناصر القوى الأمنية، أدى الى وقوع إصابات في صفوف الأهالي وسط حال من الغضب الشديد. واتهم المعتصمون عدداً من القضاة بأن «لديهم أجندات سياسية، وأنهم يمنعون صدور قرار تعيين قضاة التمييز». مشددين على أن الحلّ موجود من خلال اجتماع محكمة التمييز لرد قرار كف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. كما شارك النوّاب سامي الجميّل وملحم خلف ووضاح الصادق وفراس حمدان، في لقاء وفد من الأهالي مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود.
على صعيد آخر، أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال فراس أبيض رفع الدعم عن جميع أنواع حليب الأطفال لعدم توفر خطة قادرة على ضبط التهريب والبيع في السوق. ولفت الى أن «الكميات المدعومة تكفي بلدين وعلى الأرجح كنا نشتري الحليب لبلدين»، بدلالة واضحة على التهريب إلى سورية.