أسبوع جديد تأكله المراوحة في التعطيل، من دون ان يلوح في أفق الازمة الرئاسية ما يؤشّر الى انفراج، وسط ثبات أطراف الانقسام الداخلي، كلّ خلف شروطه، ورفضه الشراكة في بلورة توافق على انتخاب رئيس للجمهورية يشكل الخطوة الأولى في مسار طويل لإنقاذ للبلد، يتوق اليه اللبنانيون ويحثّ على سلوكه الصديق والشقيق تفادياً للتداعيات الخطيرة التي تتراكم على مدار الساعة، مالياً واقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً وكذلك صحياً، وباتت تنذر بسقوط الهيكل اللبناني على رؤوس الجميع.
واذا كانت وفاة رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني قد فرضت تعديلاً في جدول اعمال الاسبوع الجاري، حيث أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة الفشل الـ11 في انتخاب رئيس للجمهورية الى الاسبوع المقبل، فإنّ هذه المراوحة ستكون ايضا عنوان الاسبوع المقبل، ملفوحة ببعض سخونة يرافق انعقاد الجلسة الانتخابية يوم الخميس في 19 الجاري، من خلال اجترار الجدل السياسي والنيابي الذي رافق كل الجلسات السابقة، وملفوحة ايضا بسخونة نارية على الحلبة الحكومية، ربطا بجلسة مجلس الوزراء التي يبدو ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي سيدعو الى عقدها مطلع الاسبوع المقبل.
الفشل يجرّ الفشل
على ان الاجواء السابقة لانعقاد الجلسة الانتخابية لا تخرج عن سياق الاجواء السلبية السائدة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، ما يعني ان الفشل في انتخاب الرئيس سيجر الفشل، حيث ان جلسة الخميس المقبل محشورة في ثلاث زوايا: الأولى، زاوية الاوراق البيضاء التي يتموضع فيها ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» وحلفاؤهما، مع شراكة محتملة من قبل التيار الوطني الحر في التصويت الابيض، حيث ان التيار لم يحدد حتى الآن مرشحا معينا يتبنّاه. والثانية، زاوية مناقضة تتموضَع فيها الاطراف التي تقدّم نفسها سيادية وتتبنى ترشيح النائب ميشال معوض، نظراً لانعدام الخيارات البديلة حتى الآن. اما الثالثة فهي زاوية تخبّط النوّاب التغييريين وضياعهم في ترشيحات متفرقة، لبعض الشخصيات، وفشلهم في حشد بضعة اصوات لهم.
التيار
وتأكيداً على عدم بلوغه نقطة الحسم حول مرشح معين، اوضح التيار الوطني الحر في بيان امس، ان هيئته السياسية اجتمعت برئاسة النائب جبران باسيل وبحثت بالعمق الاستحقاق الرئاسي وخيارات التيّار بشأنه، على قاعدتين: أفكار لبرنامج يستند الى ورقة الأولويات الرئاسية ويتمّ التفاهم حوله ليؤمّن نجاح العهد، ومجموعة من الأسماء الصديقة والمعروفة بصفات تؤهلها للسير بهذا البرنامج، وتأمين التوافق المطلوب حول أحدها لتأمين وصوله الى سدّة الرئاسة. واشارت الى انه لم يكن مقرراً إطلاقاً اعتماد اي اسم واحدٍ مرشح له من دون التوافق عليه مع قوى اخرى، لا بل التباحث حول سلّة من الاسماء الصديقة لتوفير النجاح اللازم لها، وهذا ما حصل؛ معتبرة ان اخبارا اخرى يتمّ نشرها خطأ أو عمداً في بعض وسائل الاعلام، خاصة ما يتعلّق بأمور داخلية للتيار او تداول لاسماء من داخله، تهدف الى زرع التباس لا اساس له، والى تشويه الموقف الحقيقي للتيار، القائم على توفير الظروف اللازمة لإيصال الشخصية المناسبة للمرحلة، وبأقصى سرعة ممكنة.
تأجيل
وكان الرئيس بري، وربطاً بوفاة الرئيس حسين الحسيني، قد اعلن امس عن تأجيل جلسة مجلس النواب التي كانت محددة اليوم ومخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، الى يوم الخميس المقبل الواقع فيه 19 كانون الثاني الجاري.
لا انتخاب
في هذه الاجواء، كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ»الجمهورية» ان محاولة غير معلنة جرت في الايام الاخيرة ورَعتها مستويات سياسية مسؤولة، لجس النبض حول مدى استعداد الاطراف الداخلية لصياغة تفاهم مشترك على انتخاب رئيس للجمهورية، الا انّ هذه المحاولة باءت بالفشل. حيث اصطدمت بالتصلّب، وثبات الاطراف على شروطهم المانعة لإنجاز الانتخابات الرئاسية، ورفضهم الانخراط في اي مسعى حواري يُفضي الى توافق على انتخاب الرئيس. وبالتالي، وتبعاً لذلك، فإنّ اي حديث عن توافق داخلي صار مضيعة للوقت، وبلا اي معنى.
الله يعين البلد
وفي هذا السياق، قال مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»: ابواب التوافق الداخلي مغلقة، وبمعنى أدق التوافق الداخلي الذي لا بديل عنه، ثمة من يجعله مستحيلا، ويدفع عمدا الى مزيد من الانسداد في الافق الرئاسي، ضارباً بعرض الحائط تداعيات الازمة وآثارها الكارثية على اللبنانيين، وايضا نداءات ونصائح وتحذيرات وحتى توسلات المجتمع الدولي بحسم الاستحقاق الرئاسي واختيار الرئيس الجديد للجمهورية. في رأيي انّه لا يوجد سوى تفسير واحد لهذا المنحى، حيث يخشى ان تكون في خلفية مواقف مَن يتعمّد تعطيل التوافق الداخلي، تدويل الملف الرئاسي واستجداء تدخل خارجي، اعتقاداً منهم انّ هذا التدخل سيُحدث انقلاباً لمصلحتهم في الملف الرئاسي، وإن صحّ ذلك، فهذا معناه انّ هذا البعض يُغامر بالبلد واستقراره. علماً انّ كل المستويات الخارجية من واشنطن الى باريس وسائر العواصم الصديقة للبنان، أكدت علناً وعبر القنوات السياسية والديبلوماسية بأن الملف الرئاسي اللبناني شأن يعني اللبنانيين وحدهم، وعلى اللبنانيين ان يُسارعوا الى تحمل مسؤولياتهم حياله.
وأعرب المرجع عن قلقٍ بالغ حيال مستقبل الوضع في لبنان، وقال: «انتخاب الرئيس ومن ثم تشكيل حكومة مدخل للعلاج، فالازمة تحفر عميقاً في اركان البلد، والمؤشرات تُنذر بأنّ جحيماً ينتظر لبنان. قلنا ان الاتفاق على انتخاب رئيس فرصة متاحة للنجاة، ولكن مع الاسف أعدموها، وانا أكثر من متشائم والله يعين البلد، ومن هنا لست املك سوى ان أتوجّه بكلمة أخيرة الى المعطلين: ان عدم التوافق يعني الخراب الحتمي، وتضييع الوقت وفرص التفاهم، تضييع للبنان وتهديد لبقائه… وأشهد انّي قد بلّغت».
حضور فرنسي
الى ذلك، كشفت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» معلومات تفيد بأن باريس، وفي موازاة ما يُحكى عن اجتماع ثلاثي اميركي فرنسي سعودي في العاصمة الفرنسية، قد تطلق تحرّكاً جدياً تجاه لبنان في المدى المنظور، مشيرة في هذا السياق الى حضور مباشر عبر زيارات لموفدين فرنسيين الى بيروت، قد تسبق الاجتماع الثلاثي او تليه.
واستوضحت «الجمهورية» مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية حول هذه المعلومات، فقالت: باريس تنظر بعين القلق الكبير الى تطورات الوضع في لبنان والانعكاسات الخطيرة المتولّدة عن الازمة الاقتصادية الصعبة، وعن شلل المؤسسات في لبنان والفراغ غير المحتمل في سدة رئاسة الجمهورية، وتخلّف اللبنانيين عن القيام بما يُمليه واجبهم ومسؤوليتهم في انتخاب رئيس للجمهورية، تنطلق معه الدولة اللبنانية في مسار الانقاذ والاصلاحات بحكومة مسؤولة تلتزم بكل متطلبات الانقاذ والتعافي.
واشارت المصادر الى انّ الرئيس ايمانويل ماكرون يُقارب الملف اللبناني بمسؤولية وأولوية استثنائية، وقرار الايليزيه انه لن يترك لبنان، وهو الامر الذي يعبّر عنه الرئيس ماكرون في كل المحافل ومع المستويات الدولية كلها، خصوصا مع الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية. وعليه، فإن باريس، وكما كانت دائماً، ستبقى حاضرة بزخم وبصورة مباشرة وغير مباشرة الى جانب لبنان، وستوفّر الدعم الكامل له بما يحفظ استقراره، ويجنّب الشعب اللبناني المآسي والمصاعب.
ولفتت المصادر الانتباه الى ان الحضور الفرنسي، سواء أخَذ شكل زيارات الى بيروت، او اجتماعات في باريس او غيرها، لا يُعفي اللبنانيين من المسؤولية الملقاة عليهم بالدرجة الاولى في توفير المناخ التوافقي على إتمام انتخاب رئيس الجمهورية، فوضع لبنان وكما تؤكد الوقائع فيه، في معاناة متزايدة، وصعوباتها كثيرة، بالتأكيد انّ للمجتمع الدولي دوره ومسؤوليته، ولكن الدور الاول والمسؤولية الأولى تقع على اللبناني في تخفيف هذه المصاعب ومعالجتها بإعادة تنظيم هيكلية دولتهم ومؤسساتها الدستورية وفي مقدمها رئاسة الجمهورية.
واشنطن: الانتخاب او الخراب
على ان الموقف الفرنسي يبدو متناغماً مع الموقف الاميركي لناحية إلقاء المسؤولية الاولى على اللبنانيين في اعادة ترتيب بيتهم الداخلي. وفي هذا السياق، كشفت مصادر وزارية اجواء محادثات أجرتها في العاصمة الاميركية حول الملف اللبناني، وقالت لـ»الجمهورية»: ما سمعناه من المسؤولين الاميركيين وتحديدا في وزارة الخارجية الاميركية، لم يخرج عن سياق الموقف التقليدي للادارة الاميركية، الذي قاربَ الملف اللبناني بالتأكيد على مُسارعة اللبنانيين الى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تنظّم إصلاحات سريعة وتُباشر في عملية واسعة لمكافحة الفساد، وتحقيق تطلعات اللبنانيين الى الخروج من الازمة.
ولفتت المصادر الى انّ واشنطن، وخلافاً لكل الترويجات في الداخل اللبناني، اكدت على لسان هؤلاء المسؤولين انها ترغب في ان ترى المجلس النيابي قد مارس دوره في انتخاب رئيس الجمهورية من دون اي إبطاء او تأخير تترتّب عليه سلبيات على الوضع اللبناني بصورة عامة، وهي بالتالي لا تتبنّى أي مرشح لرئاسة الجمهورية، فهذا الامر يقرره اللبنانيون في اختيار رئيس الجمهورية فيما بينهم، وليست في وارد ان تمارس اي ضغط في اي اتجاه.
وخلصت المصادر الى القول انّ الاميركيين يعبّرون عن عدم اطمئنان حيال الوضع في لبنان، ونسبت الى مسؤول في الخارجية الاميركية قوله: لا بد اللبنانيين من ان يمارسوا دورهم وإنجاز استحقاقاتهم سريعاً، وعليهم بالدرجة الاولى ان يُسارعوا الى انتخاب رئيس للجمهورية، والّا فسينتظرهم خراب كبير.
سجال الجلسات
على المقلب الحكومي، وفي انتظار ان يوجّه رئيس حكومة تصريف الاعمال الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء، لفتت امس، مبادرة الامانة العامة لمجلس الوزراء الى توجيه كتاب الى الوزراء لإطلاعهم على جدول اعمال هذه الجلسة الذي يضم 49 بندا، قبل تحديد موعد الجلسة، وذلك بناء على طلب رئيس حكومة تصريف الاعمال وتطبيقاً للمادتين 62 و64 من الدستور.
وعلى ما هو مؤكد فإنّ نصاب انعقاد جلسة مجلس الوزراء مؤمّن، عبر مشاركة الاطراف ذاتها التي سبق وشاركت في جلسة مجلس الوزراء السابقة، لا سيما وزراء «امل» و»حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة اضافة الى وزير الصناعة جورج بوشكيان، الذي أكّد بعد لقائه الرئيس ميقاتي امس انه سيشارك في اي جلسة تبحث في حاجات البلد الاساسية، ومسألة الكهرباء ومعاناة المواطنين مسألة ملحّة وضرورية. فيما المؤكد غياب وزراء التيار الوطني الحر عن الجلسة ربطاً بما يعتبره انّ عَقد مثل هذه الجلسات مخالف للدستور، وعدم جواز ان تناب صلاحيات رئيس الجمهورية لحكومة تصريف اعمال غير حائزة على ثقة المجلس النيابي الحالي.
وفيما توقعت مصادر سياسية ان يرافق انعقاد الجلسة سجال مُحتدم بين التيار ورئيس حكومة تصريف الاعمال، أعلن الرئيس ميقاتي انه لا يوجد مكان لإعطاء سلفة لكهرباء لبنان سوى مجلس الوزراء، وقال: لن أسأل من يمكن ان يحضر جلسة مجلس الوزراء او يتغيّب عن حضورها، بل سأعقد الجلسة. وقد تشاورتُ مع البعض في هذا الخصوص، وليتحمل جميع الوزراء مسؤولياتهم.
في المواقف، استعجل المطارنة الكاثوليك انتخاب رئيس الجمهورية، واشاروا في بيان بعد اجتماعهم الشهري في المقر البطريركي في الربوة برئاسة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ الى انهم توقفوا عند الأزمة السياسية الضاغطة التي تعصف بالبلاد وتهدد بانهيارها بشكل كامل بعد ان تداعت القطاعات الاساسية، المصرفية والتربوية الصحية وسائر القطاعات الحيوية الأخرى. وحذّروا من استمرار الفراغ وتداعياته على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية والأمنية. ويدعون النواب الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من هذا الوطن المعذب».
ولفت المطارنة الى ان الوضع المأسوي الذي نمر به يستدعي من الجميع تحكيم الضمير والعمل الحثيث على تمييز الأزمات الداخلية عن تلك الخارجية، وعدم انتظار التسويات والتفاهمات الإقليمية والدولية، بل النظر بعين مجردة إلى مصلحة الوطن والمواطن.
وإذ لفت المطارنة الى «انّ إذلال المواطن على أبواب المستشفيات ووقوفه في طوابير انتظار الدواء دليل خطير على تردّي القطاع الصحي في لبنان، وما تكاثر الأمراض إلّا نتيجة حتمية لانهيار هذا القطاع الإنساني»، اعتبروا «ان الاستمرار بحجز أموال المودعين يشكّل عبئاً على الدورة الاقتصادية في البلاد، وإننا نرى الحل في إعادة هيكلة القطاع والحفاظ على أموال المودعين والإفراج عنها تدريجاً وليس بالهروب إلى الامام وتصعيد المواقف». وحَمّل المجتمعون المسؤولين السياسيّين «تَبعات الإنهيار الاقتصادي الناشئ عن خلافاتهم السياسيّة والحزبيّة التي لم تعد تعني المواطن بشيء»، مؤكدين انّ «موقف كنيستنا هو دعم الدولة لإقرار قانون عام ينظّم الأحوال الشخصيّة لجميع اللبنانيّين وليس لفئة دون أخرى».
ولفتت امس، زيارة وفد «حزب الله» برئاسة رئيس المجلس السياسي في الحزب السيد ابراهيم امين السيد لبطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي في المقر البطريركي في البلمند، وأعلن السيد بعد اللقاء أنه «كان جميلا جدا ومسؤولا بدرجة كبيرة مع رجل مثل البطريرك، حيث تم تداول القضايا الأساسية والمهمة التي تخص الوطن والمنطقة، وتَداوَلنا موضوع الاستحقاق الرئاسي ونحن متفقون مع البطريرك على أن الوضع في لبنان لا يحتمل التأخير في انجاز هذا الاستحقاق، والبلد يحتاج رئيسا مفتاحا لإعادة تشكيل الدولة من أجل معالجة الأزمات ووقف الانهيار ومظاهر الهجرة الموجودة في كل الطوائف، من هنا نحتاج لرئيس لقيام الدولة بكاملها والتخفيف من اليأس والهجرة».
ورداً على سؤال قال: «إن مبدأ انعقاد الجلسة يخضع للقضايا الضرورية، لذلك نحن ننتظر ما اذا كان جدول الاعمال ضروريا وممكنا لانعقادها»، لافتا الى أنّ «ما لمسته من خلال الزيارات للمقامات الروحية المسيحية، أنّ الكنيسة تقوم بواجباتها على الصعد كافة، خصوصاً بالنسبة الى ما يتعلق بكرامة الإنسان وزرع الأمل في قلوب الاجيال في لبنان والمنطقة ايضاً، لذا علينا كجهات روحية مواجهة التحديات».