تشكل تجربة مصر مع صندوق النقد الدولي نموذجاً يستحق الدراسة بالنسبة للبنان، فمصر كما تقول الوقائع صورة عن الوصفات التي تتم دعوة لبنان الى اتباعها، سواء لجهة الوقوف تحت سقف السياسات الأميركية في المنطقة، أو تقديم ما يلزم من فروض الولاء للسعودية، أو الانخراط في خط السلام الإسرائيلي، أو السير بوصفات صندوق النقد الدولي، أو السير بخطوط الأنابيب المشتركة مع “إسرائيل” في مجال الغاز، وبالرغم من أن مصر نفذت ما لا يمكن لأحد توقع تنفيذه من لبنان، فهي تقع اليوم في أخطر أزماتها المالية، مع تدهور سريع في سعر صرف الجنيه بعد تلبيتها طلب صندوق النقد بتحرير الجنيه وتنفيذها لدفتر شروطه، وبدلا من أن يمدّ لها الصندوق يد المساعدة بضخ أموال كافية لمنع المزيد من الانهيار يشترط خصخصة شركة قناة السويس وبيعها، وهو ما يوازي لبنانياً بيع الذهب ومستقبل ثروات النفط والغاز، ما يستدعي من المعنيين في لبنان التمهّل والتروي قبل الوقوع في أي فخاخ أو أوهام حول حلول سحرية أو خرافية يمكن أن تجلبها وصفات الصندوق.
في المنطقة، شكلت زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق محطة هامة في مقاربة العلاقات السورية الإيرانية من جهة، والعلاقات السورية التركية من جهة موازية، فعلى المسار الأول قالت مصادر متابعة للزيارة إنها جاءت تمهيداً لزيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي الى سورية، وهي أول زيارة لرئيس إيراني لسورية منذ بدء الحرب عليها عام 2011. وتوقعت المصادر أن تشكل الزيارة محطة مفصلية في علاقات الحليفين خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وجاء كلام وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد بعد لقائه عبد اللهيان، الذي التقى لاحقاً الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، تعبيراً عن تقدير سورية لأهمية العلاقة بقوله، تصوّروا لو لم يكن لسورية بلد حليف كالجمهورية الإسلامية.. ماذا كان سيحصل؟»، مشيراً الى أن لقاءه بعبد اللهيان جاء «لكي نضع سكّة جديدة للعلاقة بين إيران وسورية». أما في المسار السوري التركي الذي أشار إليه عبد اللهيان بإيجابية معرباً عن «سعادة إيران بأنّ اتصالاتنا مع سورية وتركيا أدّت إلى ترجيح الحوار بين البلدين»، فكان كلام المقداد واضحاً في شرح ما سبق وقاله الرئيس الأسد بعد لقائه المبعوث الروسي الخاص، الكسندر لافرنتييف حول الحاجة لربط تطور العلاقة السورية التركية بقضيتي مكافحة الإرهاب وإنهاء الاحتلال، فأكد المقداد أنّ سورية «في كلّ تحركاتها منذ عام 2011 وحتى هذه اللحظة تسعى لإنهاء الإرهاب الذي عكّر علاقاتنا مع تركيا». وشدّد على أنّ «اللقاء بين الرئيس الأسد والقيادة التركية يعتمد على إزالة أسباب الخلاف»، مشددًا على أنّه «يجب خلق البيئة المناسبة من أجل عقد لقاءات على مستويات أعلى مع القيادة التركية». وأوضح أنّه «لا يمكن الحديث عن إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا من دون إزالة الاحتلال».
لبنانياً، ينتظر أن يوجه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة لجلسة نيابية لانتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس المقبل بدلاً من جلسة الخميس الماضي التي تم إلغاؤها بسبب الحداد على رحيل الرئيس حسين الحسيني، كما يتوقع أن يدعو رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لجلسة حكومية يوم الأربعاء يشكل موضوعها الرئيسي ملف الكهرباء وبواخر الفيول والعقد مع العراق لتزويد الكهرباء بالزيت الثقيل، لكن جدول الأعمال سوف يتضمن بنوداً أخرى، يجري البحث بها مع الوزراء ومرجعياتهم السياسية في ظل حسم التيار الوطني الحر لعدم المشاركة حتى لو اقتصر جدول الأعمال على بند الكهرباء. وقالت مصادر حكومية إن احتمال الجدول بعشرة بنود وارد على أن يتم ترتيبها بصورة تتيح نيل الموافقة على أغلبها قبل أن ينسحب المعترضون على البنود الخلافية من الجلسة وتفقد النصاب.
في الشأن الرئاسي، تحدّث رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حاسماً استحالة التفاهم مع التيار الوطني الحر حول مرشح مشترك، مشيراً الى ان التيار يصر على مرشح من آل البستاني في تلميح لكل من النائبين فريد وندى البستاني، مجدداً رفض التصويت للنائب السابق سليمان فرنجية، معترفاً بوضوح بالتدخل السعودي بقوله إن لدى السعودية فيتو على أسماء معينة.
بانتظار أن يدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري هذا الأسبوع الى جلسة لانتخاب رئيس الخميس المقبل، فإن الأنظار تتجه الى الدعوة التي سيوجّهها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم الى جلسة لمجلس الوزراء من المرجح أن تعقد وفق مصادر وزارية لـ»البناء» يوم الأربعاء او بعد ظهر الخميس، وسوف يحضرها فضلاً عن الوزراء الذين حضروا الجلسة السابقة وزير الاقتصاد أمين سلام. وتقول المصادر إن جدول الاعمال الذي يضم ثمانية بنود فإنه لن يقرّ بأكمله اذ ان الجلسة ستكون محصورة بإقرار بندي سلفة الفيول أويل لتشغيل معامل الكهرباء، وإبرام اتفاقية بيع مادة زيت الوقود بين لبنان والعراق، وزيادة الاعتمادات للعراق ثمن الفيول الذي وصل الى لبنان وتجديد عقد الاتفاق بين الطرفين، في حين أن البنود الأخرى المتصلة بملف الأساتذة المتعاقدين وملفي القمح والصحة سيتم إرجاؤها الى جلسة أخرى بانتظار إيجاد تفاهم بين المكوّنات السياسية، علماً أن الأمور قد تتبدل إذا بدل حزب الله موقفه من الجلسة وتراجع عن مطلبه بحصر الجلسة ببندي الكهرباء.
وفيما تبدي مصادر سياسية قناعة ان وزير الطاقة لن يحضر الجلسة لاعتبارات تتصل بالخلاف السياسي بين التيار الوطني الحر والرئيس ميقاتي، فإن فياض سيعقد مؤتمراً صحافياً، الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر اليوم في وزارة الطاقة، يشرح خلاله آخر المستجدات في موضوع الكهرباء ويطرح مبادرة في هذا الإطار تتعلق بمرسوم جوال حول خطة الكهرباء وقع عليه 8 وزراء.
وأشار الوزير السابق نقولا نحاس الى ان «لا شروط على جدول الأعمال الذي لا يمكن أن يقتصر على الكهرباء، ولا علاقة لهذا الأمر بقرار مشاركة الوزراء وانسحابهم من بعد مناقشة بندي الكهرباء حق دستوري، ولكن فليتحمل كل طرف مسؤوليته».
وأوضح نحاس بأنه «كان يجب أن يرسل وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض كتاباً الأسبوع الماضي لطلب سلفة بالمبلغ الزائد عن 62 مليون دولار، ولكنه لم يفعل حتى الساعة، وربما هذا ما أخّر الدعوة الى الجلسة».
هذا ومن المتوقع أن تتضمن إطلالة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم غد الثلاثاء جملة من المواقف تتصل بجلسة مجلس الوزراء والأزمة الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن الملف الرئاسي وتفاهم مار مخايل.
وفيما يبدأ الوفد الأوروبي الآتي من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ، الاثنين، وتحت إشراف قضاة لبنانيين، استجوابه شخصيات لبنانية مالية ومصرفية في قضايا فساد مرتبطة بتهريب وتبييض أموال والإثراء غير المشروع، في مهمة قضائيّة تستمرّ حتى 20 يناير الحالي فإن ملف التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت عاد إلى الواجهة مجدداً، حيث يصل وفد فرنسي الى بيروت، في 24 الحالي للقاء المحامي العام التمييزي صبوح سليمان المكلف من النيابة العامة الإشراف على ملف التحقيقات في المرفأ، للاطلاع على وثائق التحقيق اللبناني.
ويمثل اليوم أمام تحري بيروت كل من وليم نون، جورج حتي، أسامة فقيه، كيان طليس، مجيد حلو، إيلي ملاحي، عبدو متى، إيلي بو صعب، بيتر بو صعب، المحامي بيار جميّل، أنطوني سلامة والمحامية سيسيل روكز. ودعا أهالي شهداء المرفأ الى تحرك تضامني عند العاشرة من قبل ظهر اليوم لمواكبة التحقيق مع وليم نون ورفاقه في ثكنة بربر خازن في فردان.
وبحسب مصادر سياسية، فإن ثمة محاولة لتحريك ملف انفجار المرفأ من بوابة الموقوفين الـ 17، وبحسب معلومات «البناء» فإن أعضاء مجلس القضاء الأعلى القضاة حبيب مزهر وداني شبلي وميراي حداد والياس ريشا يتّجهون الى توجيه دعوة الى مجلس القضاء الأعلى الأسبوع المقبل للبحث في قضية تعيين قاضٍ رديف للبتّ في قضية الموقوفين، علماً أن الدعوة التي وجّهت من قبل القضاة الأربعة الأسبوع الماضي للمجلس لم تلتئم لعدم اكتمال النصاب.
وأكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قضية توقيف وليام نون، أنّه جاء ليبيّن أن القضاء أصبح وسيلةً للانتقام والكيدية والحقد، معتبراً أن الأجهزة الأمنية تلبس ثوب الممارسة البوليسية، قائلاً: «هذا الأمر يبيّن فلتان القضاء بحيث أصبح يحلو لأي قاضٍ أن يوقف أي شخص». وطالب، في عظة قداس السلام العالمي من بكركي، الكتل النيابية بالكفّ عن هدم المؤسسات كما دعاهم لانتخاب رئيس وفقًا للدستور.
وعلى خط المساعي الدولية لحل أزمة لبنان، يُعقد اجتماع أميركي فرنسي سعودي قطري أواخر الشهر الحالي او مطلع شباط المقبل حول لبنان، وعلم انه سبقته اتصالات تمهيدية اتفق فيها على تجاوز موضوع المساعدات الى الدخول ببحث المخارج والحلول ليس لانتخابات رئاسية فحسب بل لخريطة عمل للحكم، والإصلاحات تبدأ من وضع مواصفات لرئيس الجمهورية الى مواصفات رئيس الحكومة والحكومة كلها. ومن الشروط الأساسية عدم انغماس أي من المرشحين للرئاسة الاولى او الثالثة بفساد سياسي أو مالي.
وستنتج عن اللقاء ورقة عمل يتمّ إطلاع الفرقاء السياسيين اللبنانيين عليها لتبنّيها أو رفضها وعندها يتحمّل كل فريق مسؤوليته التاريخية، وكذلك يتم إطلاع دول الإقليم من إيران الى مصر ودول الخليج وصولًاً لموسكو ربما حتى يتمّ تحصين الحل.
ومالياً، يعقد اليوم الاجتماع الاستثنائي للمجلس المركزي في مصرف لبنان للبحث بارتفاع الدولار في السوق الموازية تمهيداً لاتخاذ إجراءات في مواجهة تحليق الدولار، ويأتي ذلك وسط توقع مصادر نيابية لـ»البناء» أن تنتهي اللجان النيابية هذا الأسبوع من إقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول