تتجه الأنظار اليوم الى اختبار سلطوي – حكومي جديد ينذر بمضاعفات وتداعيات بين مكونات الحكومة من خلال الجلسة التي سيعقدها مجلس الوزراء في السرايا برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال #نجيب ميقاتي، ووسط اشتداد الصراع الحاد بينه وبين “#التيار الوطني الحر” الذي يقاطع وزراؤه الجلسة على خلفية موقفهم الرافض انعقاد مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي. ويبدو واضحا ان هذه الجلسة، وهي الثانية لمجلس الوزراء منذ بدء الشغور الرئاسي في الأول من تشرين الثاني الماضي، تكتسب طابعا اشد سخونة من الجلسة الأولى اذ ان التعبئة “العونية” ضد ميقاتي والجلسة بلغت ذروتها قبل انعقادها، كما ان السجالات العنيفة بين السرايا ورئاسة “التيار الوطني الحر” حول دستورية انعقاد جلسات مجلس الوزراء وميثاقيتها لم تقف عند حدود الخلاف السياسي، بل انزلقت الى متاهات ابعد ذات طابع طائفي يغذيها تفاقم التداعيات التي تتركها ملفات عدة على مناخ التململ والسخط المسيحي حيال الفراغ والذي يغذيه توظيف سياسي ودعائي مفتوح من قبل “التيار الوطني الحر” لحشر القوى المسيحية الأخرى في زاوية التسابق على محاصرة ميقاتي وحلفائه في مسألة الميثاقية او المس والتفريط بصلاحيات رئاسة الجمهورية خلال مرحلة الشغور. واما العامل الجديد الاخر الذي يضفي طابع الانشداد والترقب لاجواء جلسة مجلس الوزراء اليوم وما سينتج عنها من أصداء سياسية، فيتمثل في تصاعد التوتر الى مستوى غير مسبوق بين “الحليفين” المعلقين على حبال تهاوي “تفاهم مار مخايل” اذ ان مشاركة “حزب الله” في الجلسة ولو مشروطة بإقرار البنود المتعلقة بالفيول والكهرباء فقط، لن تخفف وقع الاهتزاز القوي الجديد الذي سيضرب بقايا العلاقة بين الحزب و”التيار الوطني الحر” بحيث تسود معطيات تتحدث عن ان “التيار” يدرج هذه المشاركة في اطار التسبب بالمرحلة الاخيرة من الافتراق والطلاق مع حليفه “السابق” .
تبعا لذلك تتسم جلسة مجلس الوزراء اليوم بأهمية سياسية لجهة ترقب تداعياتها على مكونات الحكومة، علما انه اضيف الى جدول اعمال الجلسة امس بند ملحق يتعلق باصدار مشروع مرسوم يرمي الى تحويل انشاءات امتياز كهرباء البارد الى مؤسسة كهرباء لبنان. وتزامن ذلك، في واقع المشهد السياسي العام، مع توجيه رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة إلى عقد الجلسة الحادية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية في الحادية عشرة من قبل ظهر غد الخميس .
نصرالله
وزاد تعقيد المشهد مع المواقف التي اعلنها مساء امس الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله التي تضمنت تناقضا علنيا واضحا مع موقف “التيار” من خلال تشديد نصرالله على دستورية جلسات مجلس الوزراء لدرس القضايا الملحة، فيما برز في الجانب الرئاسي تبرؤه من الفراغ الرئاسي ومن أي اتجاه لافراغ المناصب المسيحية وتغييبها. فبعد يومين من اطلاق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تحذيره من مخطط لافراغ المناصب المارونية والمسيحية رد نصرالله في كلمة القاها امس في مناسبة حديثه عن جائزة باسم قاسم سليماني تطرق فيها الى الموضوع الداخلي فقال “غير صحيح الترويج لفكرة تغييب الموقع الماروني الأول ولا نية لأحد في ذلك، وأجزم أنه لا يوجد أي كتلة أو قوى سياسية تتعمد تغييب الموقع الماروني الأول، الكل يريد إنهاء الفراغ السياسي لتشكيل الحكومة وعودة الأمور إلى مسارها الطبيعي”. وأكد “أن التوصيف الحقيقي اليوم أن هناك كتلًا نيابية متعددة ولا أغلبية لأحد. من حقنا الطبيعي أن نقول إننا نريد رئيسًا لا يطعن ظهر المقاومة. لا يخطط أحد من أجل استمرار الفراغ الرئاسي الأول وعلى ذمتي. من الحق الطبيعي لأي كتلة أن تقول أنها لا تريد رئيسًا قريبًا من حزب الله”.
وفي الموضوع الحكومي قال: “قناعتنا الدستورية أنه يحق لحكومة تصريف الأعمال ان تجتمع لتأخذ القرار في حدود القضايا الملحة والضرورية غير القابلة للتأجيل” . وأضاف: التزمنا بحضورنا في جلسة مجلس الوزراء لمعالجة موضوع الكهرباء وليس في هذا تحديًا لأحد لا في حضورنا ولا في انسحابنا في حال تناول مواضيع أخرى في الجلسة”.
حملة “التيار”
في المقابل شن “التيار الوطني الحرّ” ورئيسه النائب جبران باسيل هجوما حادا على الجلسة . وحمل باسيل على ما وصفها بـ “المنظومة الحاكمة”على خلفية انعقاد مجلس الوزراء ولفت في مقطع مصوّر عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى “أن هناك حلولا كثيرة يكمن اعتمادها لحل ملف الكهرباء غير اجتماع الحكومة غير الدستوري، ومنها المراسيم الجوالة من مجموع مجلس الوزراء التي اعتمدت بين عامي 2014 و2016 اثناء الفراغ الرئاسي السابق.” وذكّر برفض القوى السياسية لإجتماع حكومة حسان دياب بعد استقالتها. وقال ان “الامعان بالكذب وبخرق الدستور واسقاط الشراكة سيعمّق الشرخ الوطني وسيأخذنا الى ابعد بكثير من ضرب التوازنات والتفاهمات. والله يوفق لي عم يعملهن”. واستكمل “تكتل لبنان القوي” الهجوم في بيان أصدره مساء مشددا على “رفضه بصورة قاطعة قيام الحكومة البتراء بعقد جلسة غير ميثاقية ولا دستورية لمجلس الوزراء بذريعة تأمين الكهرباء” واعتبر”ان الحلول الدستورية متوفرة لتسهيل شراء الفيول عن طريق المراسيم الجوالة فتتأمن مصالح الناس من دون السماح بارتكاب المخالفات الميثاقية والدستورية التي تعمق الشرخ وتآخذ البلاد نحو المجهول”. وقال ان الاستمرار في عقد جلسات لمجلس الوزراء “يطرح علامات استفهام حول وجود نية للتطبيع مع الفراغ الرئاسي وعدم السعي الجدي الى الانتخابات ” وحمل “الوزراء الذين يشاركون في حضور الجلسات مسؤولية المشاركة في ضرب الميثاق ومخالفة الدستور”.
اما في ملف التحقيقات القضائية الأوروبية الجارية في قصر العدل في بيروت منذ بداية الأسبوع ، فاستمرت امس جلسات التحقيق بعيدا عن الأضواء تماما. وفي سياق متصل بملف انفجار مرفأ بيروت التقى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات قاضيين فرنسيين في حضور المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان المكلّف متابعة موضوع زيارتهما لبنان المتعلقة بملف إنفجار المرفأ. ويعقد القاضيان الفرنسيان اجتماعاً ثانياً اليوم يحتمل أن يحضره المحقق العدلي طارق بيطار، علما أن تحقيقاً فرنسياً يجري في باريس في سقوط قتيل وجرحى فرنسيين في انفجار المرفأ. وسبق للسلطات الفرنسية ان أرسلت إلى القضاء اللبناني إستنابة مساعدة لا تزال من دون جواب بسبب كفّ يد المحقق العدلي عن متابعة التحقيق لجملة طلبات ردّ ودعاوى مخاصمة بوجه القاضي بيطار .
الملف المالي
وسط هذا المشهد السياسي – القضائي وغداة انتهاء اللجان النيابية المشتركة من مناقشة مشروع الكابيتال كونترول، أكد امس نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب “أن المعارضة الشديدة لاقرار هذا المشروع يقف خلفها جزء من كبار المصرفيين وحتى يومنا هذا، لا يزال عدد من المصارف يحوّل أموالا الى الخارج ولا يمكن منعها من التحويل في غياب قانون الكابيتال كونترول” . وشدد بو صعب خلال لقاء مع رؤساء الهيئات الاقتصادية والإتحاد العمالي بدعوة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي للبحث في مشاريع القوانين المطروحة حالياً في اللجان النيابية، على أنه “لا يمكن التسليم ان الودائع طارت والدولة عليها تحمل المسؤولية”، وقال “لدينا واجب بحماية المصارف بطرق قانونية”، داعيا إلى “انشاء صندوق لاستعمال اصول الدولة لاستثمارها وليس بيعها لاعادة تكوين الودائع” . وكشف أن “في العام ٢٠٢٢ دخل الى لبنان بين ٨ و ١٠ مليارات دولار وفي شهر تشرين الثاني وحده دخل ما يقارب مليار دولار”.
بدورها، اجتمعت لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابرهيم كنعان لدرس اقتراح قانون اطار لاعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان. وأشار كنعان الى “أن لا أرقام نهائية بل تقريبية بعد ٣ سنوات من الانهيار وما عرضه نائب رئيس الحكومة أصر على أنه تقريبي لا يمكن الركون إليه”. وأضاف: “النواب المشاركون في الجلسة أجمعوا على السؤال أين أصبح صندوق التعافي الذي طرحه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في حزيران ٢٠٢٢؟ وعلى أي أساس يتم الحديث عن توزيع خسائر ولم يتم إعادة تقييم موجودات المصارف أو الدولة حتى هذه اللحظة وطلبنا من الحكومة إرسال الأرقام المطلوبة رسمياً”.وقال: “طلع معنا حق في كل ما حذّرنا منه في لجنة المال على مدى ١٣ سنة وهوجمنا على أساسه”.