كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: بـ«الهوبرة»، وبدعم من تلفزيونات «الثورة»، مارس «التغييريون»، دعاة الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء، ترهيباً معنوياً ومادياً على الجسم القضائي، وأحبطوا، بالتكافل والتضامن مع رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، محاولة لتصحيح المسار القضائي في ملف تفجير المرفأ ومحاولة إنعاش الجسم القضائي الذي هدّه الانقسام. عطّل «التغييريون»، متسلّحين بالحصانة النيابية مع زملائهم من نواب القوات والكتائب، جلسة مجلس القضاء الأعلى أمس، وتجاوزوا حدود التظاهر خارج قصر العدل إلى محاولة اقتحام العدلية
تواصل أمس مسلسل انهيار المؤسسة القضائية في لبنان. ومرة جديدة، لجأ قضاة إلى «الرأي العام» لتبرير عدم اتخاذ أي خطوات عملية تقود إلى تسوية الملفات العالقة. ونجح رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود، ومعه قوى كثيرة، في تحضير مناخ عطّل انعقاد مجلس القضاء الأعلى للبت في مصير المحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار، علماً أن الاتصالات السياسية لم تكن قد أمّنت بعد نصاباً كاملاً لانعقاد المجلس، ولا توافقاً على ما سيخرج به من قرارات.
ما يدور داخل هذا الجسم «المخلخل» جدّي إلى حدّ عجز كثيرين عن معالجة فورية وسريعة. ويوم أمس، كان طويلاً ومتعباً في قصر «العدل» ومحيطه. لم تسر الأمور كما كان مخططاً لها، إذ قرر أعضاء مجلس القضاء الأعلى إلغاء الجلسة التي كانت مقررة لمناقشة الكتاب الذي توجّه به مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات إلى المحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار، والبحث في «انقلاب» البيطار الذي استأنف عمله في الملف باجتهاد أصدره بنفسه، متجاهلاً كل السلطات. وقد بدا ليل أول من أمس، ونتيجة التداعيات التي خلفها الاجتهاد الدستوري للبيطار، أنه لم يكُن بإمكان مجلس القضاء الأعلى، الذي عطّل عبود انعقاده على مدى أشهر، سوى تأمين النصاب والاجتماع لاتخاذ قرار بحق المحقق العدلي. إلا أن عبود لم «يستسلم»، وقاد عملية ناجحة لتطيير الجلسة، بمشاركة عدد من النواب الذين كانوا يقاتلون من أجل حماية مبدأ فصل السلطات، لكنهم مارسوا تخريباً ممنهجاً لمنع اتخاذ أي إجراء بحق البيطار من خلال ضغط الشارع، أو بالأحرى شغبه.
بدأ نهار أمس بإصدار عويدات قراراً يطلب فيه من رئيس وموظفي قلم النيابة العامة التمييزية وأمانة السر «عدم استلام أي قرار أو تكليف أو تبليغ أو استنابة أو كتاب أو إحالة أو مذكرة أو مراسلة أو أي مستند من أي نوع صادر عن المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ، لكونه مكفوف اليد وغير ذي صفة»، ما يعني عملياً تجريده من صلاحياته كمحقق عدلي، وذلك بعدما كان قد طلب سابقاً من الأجهزة الأمنية عدم تنفيذ قراراته، ثم إحالته إلى التفتيش القضائي بموجب ادعائه الأخير عليه. واعتبر عويدات «أن قرار القاضي البيطار كأنه يتطلّع بنفسه أمام المرآة، ولو كان أي مرجع قضائي يوافق على قراره أو يجد فيه ذرّة قانون، أنا مستعدّ أن أتراجع عن قراري»، مضيفاً أن «تحقيقات المرفأ ستستأنف بعد تصحيح الخطأ الكبير». فيما بدا البيطار، من جهته، في «عالم آخر»، غير معني بكل ما يحدث. وأعلن أنه ماضٍ في إجراءاته وبعقد جلسات التحقيق لاستجواب المدعى عليهم في المواعيد المحددة.
ومنذ الصباح، انتشر عناصر الحماية في النيابة العامة التمييزية، وتوزع عناصر أمن الدولة وفرقة مكافحة الشغب على مداخل قصر العدل، قبل أن يبدأ العرض. أولاً، من مكتب وزير العدل الذي استقبل النواب «التغييريين» و«السياديين» والقواتيين والكتائبيين، مطالبين إياه بـ «التعهد برفض أي قرار يأخذه مجلس القضاء الأعلى ورفض تسمية أي بديل عن البيطار، ثم إقالة عويدات»، وهو ما رفضه خوري مشيراً إلى أن «هذا الأمر ليس من صلاحياته». وأضاف أنه «لا يمكن للنواب المطالبة باستقلالية القضاء وعدم التدخل في شؤونه، والمطالبة في الوقت نفسه بالتدخل في قرارات قضائية». في هذه الأثناء، كانَ عدد من القضاة وأعضاء مجلس القضاء الأعلى يجتمعون في مكتب عويدات، بينما «انعزل» رئيس مجلس القضاء الأعلى في مكتبه. وبعد الهمروجة في مكتب وزير العدل، توجه النواب إلى مكتب عبوّد الذي بدأ يروّج لفكرة أن الوضع الأمني لا يسمح بانعقاد الجلسة، ما خلقَ بلبلة في أوساط القضاء، فيما احتجّ أعضاء مجلس القضاء لدى عويدات على تدخل النواب رافضين عقد الجلسة في ظل هذه الأجواء.
مصادر «العدلية» أشارت إلى أن «إلغاء الجلسة لا يتعلق فقط بتدخل النواب وتوتر الشارع، بل بسبب تضارب الآراء داخل المجلس الذي كانَ سيشهد انقساماً كبيراً». وأكدت أن «عبّود الذي لا يزال مصرّاً على حماية البيطار هو من خطط لتطيير الجلسة مجدداً بالاتفاق مع النواب». وأكّدت مصادر قضائية أن «فشل اجتماع مجلس القضاء الأعلى لا يعني أن الأمور انتهت، بل ستتطور لا سيما في الأيام التي حدد فيها البيطار تاريخ استجواب الذين ادعى عليهم»، وكشفت أن «الاجتهاد الدستوري الذي أعلن عنه البيطار أعدّه بالتنسيق مع مجموعة من المحامين والنواب الداعمين له».
نادي القضاة: فليستقل كل مَن لا يتصرف كقاضٍ
دعا نادي قضاة لبنان، في بيان أمس، «كل مَن ارتضى ألا يتصرف كقاضٍ إلى الاستقالة»، مشيراً إلى أنه «كان أملنا أن دولة القانون ستنتصر. أما اليوم، فطُعنت دولة الحق والقانون في الصميم، وها هي تستنجد وتقول: من بيت أبي ضربت». وأضاف: «مرة جديدة يفضح التحقيق في قضية انفجار المرفأ تدخل السياسة في القضاء الأمر الذي بات يهدّد كيان العدالة ويطعن في كرامة كل قاضٍ نزيه من خلال تحميله وزر قرارات قضائية تفتقر لأدنى مقومات الشرعية، إذ إن قرار المحقق العدلي، مهما كانت الملاحظات القانونية عليه والتي يمكن معالجتها وفق الأصول، لا يبرّر ردة الفعل التي تبعته والتي جاءت للأسف خارجة عن الضوابط والأصول بشكل صارخ يهدم أساسات العدالة والقانون». ودعا «كل مَن ارتضى أن لا يتصرف كقاضٍ ورهن نفسه لخدمة السلطة السياسية واللاعدالة أن يبادر إلى الاستقالة تمهيداً للمحاسبة والمساءلة لأنه لم يعد يشبهنا وساهم في ضرب هيبة القضاء ودولة القانون والمؤسسات، وذلك من أجل تمكين بقية القضاة من النظر إلى المتقاضين بعين القانون والعدالة، كلّ في محكمته وضمن حدود اختصاصه».