لم تحمل المشاورات السياسية أمس جديداً في ما يتعلق بمصير المحقق العدلي في ملف تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار. فيما ركّزت المداولات الجانبية على السبل الكفيلة بحل الأزمة التي شلّت المؤسسة القضائية، والتي ينبغي أن تفتح النقاش حول واقع هذه السلطة، بعيداً من الشعارات البراقة حول استقلالية القضاء والتدخل السياسي في عمله.
وترافق ذلك مع الانشغال بالانعكاسات الأمنية المحتملة لتسارع الانهيار الاقتصادي في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستوى غير مسبوق، خصوصاً أن بعض الراغبين في الانفجار الأهلي، كانوا يستعدّون لاستخدام الملف المعيشي، إلى جانب ملف المرفأ، لقيادة تحرك غير محسوب النتائج يمكن أن يودي بالبلاد إلى فتنة كبيرة، في ظل خلاف سياسي داخلي عميق حول الملف الرئاسي وانشغال دولي عن لبنان وملفاته، وهو ما عبّر عنه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، عقب زيارته لبكركي أمس، معرباً عن «خشية من عودة إلى الشوارع».
في الملف العدلي، لفتت مراجع قضائية إلى مؤشرات على سحب «الغطاء الدولي» الذي رافق البيطار منذ تسلّمه الملف. إذ لم يعد بعض الخارج يرى في عمله ما يساعد في وصول هذا الملف إلى خواتيمه. والأمر نفسه ينسحب على قوى بارزة في فريق 14 آذار ومجموعة نواب السفارات والجمعيات، على رغم الصخب الذي أثاروه في اليومين الماضيين. إذ يعتبر هؤلاء أن المحقق العدلي ارتكب خطأ سمح للطرف المقابل بالانقضاض وتعطيل إمكانية استخدام الملف في وجه حزب الله وحلفائه.
وفيما لا يزال التوافق متعذراً على إطاحة المحقق العدلي وتعيين بديل له عبر تأمين النصاب لجلسة لمجلس القضاء الأعلى، استمر السجال حول قانونية الخطوات القضائية التي اتخذت أخيراً، في ظل إصرار البيطار على الاستمرار في عمله محققاً عدلياً في ملف المرفأ، بتغطية مباشرة من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود. وأكدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن لدى مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات أدلة تدين البيطار، سواء في ما يتعلق بـ«اجتهاده» الأخير الذي أعاد وفقه إلى نفسه حق تولي الملف، أو في ما يتعلق بما قام به من خطوات في مراحل سابقة.
وبحسب المصادر، فإن واحدة من المآخذ على البيطار، توقفه عن العمل نحو ثلاثة عشر شهراً، ومماطلته في مراجعة ملف الموقوفين منذ ذلك التاريخ، ما يحمّله مسؤولية مزدوجة: فهو في حال كان مقتنعاً بأنه ليس مكفوف اليد، يكون قد تأخر في إخراج «أرنب» الاجتهاد القانوني، وبالتالي فإنه وفق الاجتهاد نفسه، ارتكب جريمة بإبقاء موقوفين داخل السجن وتعرضهم للأذى الجسدي والمعنوي. أما في حال كان يتصرف على أساس أنه مكفوف اليد، ثم قرر من تلقاء نفسه العودة إلى العمل من دون انتظار المرجع الذي يقرر مصيره، فيكون قد ارتكب جرم اغتصاب السلطة، ما يوجب ليس إقالته فقط، وإنما أيضاً التحقيق معه ومعاقبته. وتؤكد المصادر أنه في حال عُيّن قاض للتحقيق مع البيطار، كما طالب القاضي عويدات، فإن أدلة أكثر ستظهر إلى العلن تدين المحقق العدلي وتجعله حكماً خارج الملف.
مالياً، بدا واضحاً للجميع، خبراء ماليين وسياسيين ومواطنين، مسؤولية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار في الأيام القليلة الماضية، بغية تحذير الجميع في لبنان من تداعيات رفع الغطاء عنه، بعد تسارع التحقيقات الأوروبية حول تورطه في عمليات اختلاس وتبييض أموال، واحتمال ادّعاء القضاء اللبناني عليه. وبعد تجاوز الدولار عتبة الـ 63 ألفاً أمس، واستشعار الجميع خطر لعبة الحاكم بالضغط على المواطنين للابتزاز، بادر الأخير إلى تلبية طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتدخل. إلا أنه هذه المرة لم يطرح دولارات في السوق بسعر مغاير، بل اكتفى بإبلاغ العاملين معه من صرافين وشركات مالية بأنه لا يريد شراء الدولار، ما أدّى إلى هبوط كبير ومتسارع للعملة الخضراء إلى 55 ألف ليرة، قبل أن ترتفع ليلاً إلى 57 ألفاً، وسط مؤشرات عن احتمال رفع سعر دولار «صيرفة» إلى 45 ألف ليرة. وبحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي لميقاتي، فقد شرح سلامة في اجتماع ضمّه ورئيس الحكومة ووزير المال يوسف خليل، «واقع الأسواق المالية، تمهيداً لعرض الاقتراحات على المجلس المركزي لمصرف لبنان في اجتماعه المقرر الاثنين المقبل».