فاجأت العملية البطولية النوعية التي نفّذها مقاوم استشهادي من القدس لا ينتمي لأي من التنظيمات، كما قالت شرطة الاحتلال، كل العالم الذي كان منقسماً بين متفرّج على المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في مخيم جنين يوم أول أمس، ومستنكر خجول، وداع لتهدئة فلسطينية تفادياً للمزيد من البطش الإسرائيلي، فجاء الرد مزلزلاً، يقول عبره الفلسطينيون إنهم لا يراهنون على أحد ولا ينتظرون أحد، وإنهم يعرفون كيف يجعلون المستوطنين يتألمون وينزفون مثلهم، وأسفرت العملية عن 17 إصابة بين المستوطنين مات منهم 7 على الأقل حتى منتصف ليل أمس، بينما تحدّثت روايات إسرائيلية رسمية أخرى عن 8 قتلى قبل أن تتراجع، فيما كانت وسائل التواصل تنقل معلومات عن ارتفاع عدد القتلى الى 9 واحتمال بلوغه الـ 10 صباح اليوم، مع وضعية الإصابات الخطيرة لأربعة جرحى على الأقل.
العملية التي ثأرت لشهداء جنين التسعة، احتفل بها الفلسطينيون وأطلقوا المفرقعات والألعاب النارية ابتهاجاً، وقالت عملياً إن مزاعم جيش الاحتلال بتبرير عملية جنين أنه كان يمنع عملية مخطّطة للتنفيذ، هي مجرد أكاذيب، فمجزرة جنين جلبت عملية لم تكن مخططة وصارت منفذة عملياً، لكنها منفذة وسط كل الإجراءات المشدّدة لجيش الاحتلال وفي قلب القدس وفي كنيس للمستوطنين المتطرّفين الذين يشكلون البيئة الداعمة لرمز التطرف في حكومة بنيامين نتنياهو وزير الأمن ايتمار بن غفير الذي تلقى هتافات مندّدة خلال زيارته منطقة العملية، وبمثل ما شكلت العملية صفعة لكل نظريات نتنياهو وبن غفير عن أن التشدّد مع الفلسطينيين يجلب الأمن للإسرائيليين، فهي جاءت تحدياً لمهمة مدير المخابرات الأميركية وليم بيرنز الموجود في الأراضي الفلسطينية، ووزير الخارجية الأميركي الذي يصلها الاثنين، لكيفية القيام بمهمة التهدئة التي كان الضغط الأميركي لتحقيقها أحادياً على الجانب الفلسطيني، وصار واضحاً الآن أن الأمور تخرج عن سيطرة السلطة الفلسطينية، وأن لغة المجازر الإسرائيلية تجد من يفهمها ويعرف كيف يردّ عليها طالما أن السلطة تتخاذل في الردّ.
لبنانياً، الأبرز سياسياً كان كلام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن تدخل أميركي فرنسي مع القاضي طارق بيطار، وما كشفه عن اقتراح اسم قائد الجيش العماد جوزف عون كمرشح رئاسيّ خلال مباحثاته مع قيادة حزب الله.
وسيطرت حالة من الترقب والحذر أرجاء البلاد بعد «الزلزال» الذي ضرب وزارة العدل وقصره نتيجة الاشتباك القضائي – القضائي والأمني في الشارع، والهزّة التي ضربت الأسواق بفعل الارتفاع الجنونيّ لسعر صرف الدولار، حيث لوحظ جمود الحركة التجارية والنشاط الاقتصادي وتراجع حركة السيارات والمواطنين في الشوارع لا سيّما فترة الصباح بعدما عمّت أجواء القلق والخوف من تفاقم الأزمات والأوضاع وسط معلومات تتحدّث عن استمرار مسلسل الفوضى والانهيارات والأحداث الأمنية وتفجير الشارع بشكل تدريجي وتصاعدي بقرار أميركي غربي خليجي لفرض تسوية رئاسية وحكومية تسمح بتنفيذ المشروع الخارجي في لبنان والمنطقة.
وكشف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط «أنني طلبت مقابلة وفد من حزب الله وطرحت أمامه ثلاثة أسماء وهي قائد الجيش العماد جوزيف عون، وجهاد أزعور وصلاح حنين ومستعدّ لطرح أسماء أخرى». وأكد جنبلاط في حديث تلفزيوني، أنه «يجب إيجاد حلّ وسطي بين رئيس تيار المرده سليمان فرنجيّة والنائب ميشال معوّض وأنا منفتح على أسماء عدّة ولم ألتقِ باسيل الا مرة واحدة منذ ثلاثة أسابيع في أدما».
ولم تنعقد جلسة لمجلس النواب الخميس الماضي لم تحمل أجواء عين التينة وفق ما علمت «البناء» أي توجّه للدعوة الى جلسة الخميس المقبل بظل هذا المشهد التصعيديّ على صعيد ملف المرفأ من جهة والأوضاع الاقتصادية من جهة ثانية واعتصام نواب التغيير في مجلس النواب وسط استمرار الانقسام السياسي على الملف الرئاسي. ولفتت المعلومات إلى اتصالات تجري بعيداً عن الأضواء محورها عين التينة – كليمنصو – حارة حريك وميرنا الشالوحي في محاولة للتوصل الى مرشح موحّد، لكن حتى الساعة لم يتم الاتفاق على أي مرشح.
وفي ما يتمسك ثنائي أمل وحزب الله بسليمان فرنجية ويجري العمل على تأمين أغلبية نيابية طالما أن عقدة الميثاقية المسيحية قد يمكن تذليلها شدّدت مصادر التيار الوطني الحر لـ»البناء» على أن «التيار» متمسك بموقفه الرافض لفرنجية وقائد الجيش معاً ويدعو للبحث على مرشح يحظى بتأييد أوسع شريحة نيابية مسيحية ويملك بعداً وطنياً ومواصفات الكفاءة ومشروعاً واضحاً لمكافحة الفساد وإنجاز الإصلاحات وإعادة بناء الدولة واصلاح علاقات لبنان بالدول العربية كافة.
وأشار مصدر سياسي لـ»البناء» الى أن لا تسوية رئاسية في الأفق والأمور لا زالت تراوح مكانها والأميركيين والسعوديين وحتى الأوروبيين غير مستعدّين لتغطية أي حل للأزمة الرئاسية في لبنان لأسباب متعددة، إلا إذا نجحوا بفرض التسوية التي يريدونها عبر انتخاب رئيس من فريقهم السياسي يسمح بتمرير المشاريع الخارجية، لكن فريق المقاومة لن يقبل بانتخاب رئيس ينفّذ المصالح الغربية الأميركية في لبنان ويشكل تهديداً للمقاومة ويكون امتداداً لمشروع وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو الذي بدأ تطبيقه في 17 تشرين 2019 ولا زال حتى الآن»، محذراً من أن «الأميركيين يضغطون بكافة الوسائل السياسية والإعلامية والاقتصادية والمالية والأمنية لفرض مشروعهم على الدولة اللبنانية، وتخيير الشعب اللبناني بين تطبيق الشروط الخارجية أو الجوع».
واتهم المصدر بعض القوات والكتائب وقوى التغيير بالتماهي مع المخطط الأميركي رغم خلافاتهم في مواضيع عدة، وذلك عبر إعادة تعويم القاضي طارق البيطار وإشعال العدلية والشارع بالفتنة والانقسامات للعبث بالأمن والاستقرار الداخلي. وحذّر المصدر أيضاً من تعطيل تحقيقات المرفأ ليكون ذلك ذريعة للمطالبة بتحقيق دولي يتحول الى وصاية دولية على لبنان.
وكشف جنبلاط أنّ الوفد الأوروبي تدخّل بملف تحقيقات المرفأ وقام بتخريبه، سائلاً: «الوفد الأوروبي أتى على أساس التحدث بمواضيع مالية ومصرفية، فلماذا ذهبوا الى قاضي التحقيق طارق البيطار؟»، مستغرباً «من تدخل السفارة الأميركية وإصدار بيانات حول الملف»، مضيفاً «لنترك القضاء يقوم بمهمّته».
وواصل نواب الكتائب والقوات والتغييريين الاستغلال السياسي لقضية المرفأ، وأشاروا في بيان بعد اجتماعهم في مجلس النواب الى أننا «نرفض أي مساس بصلاحيات المحقق العدلي لجهة إشراك أي قاض رديف بملف عكف على إعداده قاضٍ لا يزال معيّناً أصولاً للتحقيق فيه ونطالب بمتابعة التحقيق وإصدار القرار الظني».
وتوقعت مصادر «البناء» ان ينفجر ملف المرفأ مجدداً في العدلية وفي الشارع في اول شباط المقبل بحلول مواعيد مثول المدعى عليهم من قبل القاضي طارق بيطار وفي اجتماع مجلس القضاء الاعلى المقبل.
واعتبر رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك أنه «مؤلم ومخيف ما يجري من أحداث في لبنان، من سقوط هيبة الدولة وانتهاك ما تبقى من مؤسسات». وتساءل «هل تكون دولة من دون سلطة قضائية؟ ولكل مواطن ان يسأل عما يحصل، هل هو تنفيذ لمخطط دولي للانهيار التام حتى يكون بحسب زعمهم النهوض من جديد؟ وهل من وحي نزل على القاضي طارق البيطار؟ وحي للخروج من كف اليد عن التحقيق في ملف المرفأ، والعودة بشجاعة بعد عام ونيّف بقرارات. من أين ذلك الوحي، وما هي خلفيّاته؟ وحصول الهرج والمرج في ساحة القضاء هل يبقي باقية لمعرفة الحقيقة؟ أم المطلوب ذلك؟».
بدوره، شدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على «أهمية تحقيق العدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت وتبيان الحقيقة والمحاسبة»، مؤكدًا على «ضرورة أن يصلح القضاء نفسه بنفسه». ولفت إلى «أنني أجريت الاتصالات اللازمة، وفق ما يقتضيه الظرف وحدود الفصل بين السلطتين التنفيذية القضائية، ودعوت المعنيين بالقضاء وفي مقدّمهم وزير العدل هنري خوري ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، إلى معالجة الموضوع والتداعيات ضمن الجسم القضائي، لأنه لا يجب التعاطي مع الملف أو معالجته بالسياسة«.
وفي ملف جلسات الحكومة، أكد ميقاتي على مسار عقد الجلسات للقضايا الطارئة التي تخفف عن اللبنانيين الأزمة التي يعيشونها، مشددًا على أنه سيدعو «الى عقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، لبحث ملف القطاع التربوي وأوضاعه الطارئة».
وفي مجال آخر، حثّ ميقاتي، في اجتماع مع وزير المال يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأوضاع المالية والتلاعب الحالي في سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار الأميركي.
وقد شرح حاكم المركزي «واقع الأسواق المالية، تمهيدًا لعرض الاقتراحات على المجلس المركزي لمصرف لبنان في اجتماعه المقرّر الاثنين المقبل»، بحسب المكتب الإعلامي لميقاتي.
وكان سعر صرف الدولار في السوق السوداء سجل تراجعاً كبيراً من الـ 63 ألف ليرة الى 56500 ليرة للدولار الواحد، لكنه عاد وارتفع مساء أمس ليقفل على الـ57500 ليرة.
وعزا خبراء اقتصاديون لـ «البناء» هذا التراجع الى الجمود في النشاط الاقتصادي والحركة التجارية وعمليات الاستيراد والتصدير والبيع والإقفال الذي طال الكثير من الشركات والمصانع والمصالح والمحال التجارية، ما أدى الى تراجع الطلب على الدولار وبالتالي انخفض سعره، لكن الخبراء يتوقعون أن يعود الدولار الى الارتفاع نتيجة المضاربات الهائلة التي تحصل في السوق وتواطؤ مصرف لبنان وترك السوق من دون أي تدخل، فضلاً عن المناخ السياسي المأزوم والاشتباك القضائي والأمني على انفجار المرفأ، مشددين على ان لا سقف للدولار.
وعلمت «البناء» أن مصرف لبنان سيتوجه الى رفع سعر الدولار على منصة صيرفة الى ما فوق الـ40 ألف ليرة وقد يصل الى الـ45 ألف ليرة، وذلك لتقليص الفارق بين سعر المنصة والسوق السوداء ما سيؤدي الى ارتفاع كافة اسعار السلع والخدمات والفواتير المسعّرة بدولار صيرفة كالاتصالات والكهرباء.