جمعت المصيبة القضائية قوى المعارضة خلف راية التصدي لمحاولة تطويق التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت وهدر دماء ضحاياه، فتداعى نوابها إلى عقد اجتماع موسّع في البرلمان غداة موقعة قصر العدل التي شهدت اعتداءً مزدوجاً على أهالي ضحايا 4 آب وعدد من نواب المعارضة، فأصدروا أمس “نداءً” موقّعاً من 42 نائباً أكدوا من خلاله عدم الرضوخ والمساومة إزاء “الانقلاب المدمرّ” الهادف إلى “تكريس سطوة نظام بوليسي مقيت” في البلد.
“النداء” الذي عكس وحدة موقف جبهة المعارضة في الملفين القضائي والرئاسي، أكد العزم على خوض المواجهة حتى النهاية في مواجهة الأجندة “الديكتاتورية” الرامية إلى “اغتيال العدالة بقرارات ووسائل فاقدة للشرعية”، بدءاً من تنحية المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان، وصولاً إلى المحقق العدلي الحالي القاضي طارق البيطار عبر استكمال “محاولة ترهيبه وقبعه من قبل جهة سياسية تمتهن الترهيب والسطوة”، مروراً بأحداث الطيونة وعين الرمانة ومشهد “التعرض الهمجي للشعب وممثليه” في قصر العدل، ليؤكد في المقابل نواب المعارضة رفض “أي مساس بصلاحيات المحقق العدلي وإشراك أي قاض رديف” بملف انفجار المرفأ، مع التمسّك بضرورة “متابعة التحقيق من النقطة التي وصل إليها والإسراع في إصدار القرار الاتهامي وإحالته الى المجلس العدلي”.
وإذ أعلنوا تبنّي ودعم مطالبة مجلس نقابة المحامين في بيروت ونادي قضاة لبنان بـ”المحاسبة الفورية لمدعي عام التمييز (القاضي غسان عويدات) بسبب ما قام به من مخالفات فاضحة وتدخل مباشر في ملف لدى المحقق العدلي وإخلاء سبيل موقوفين من دون صلاحية، منقلباً بذلك على أبسط النصوص القانونية وعلى حقوق الضحايا والمتضررين بكشف الحقيقة والوصول الى العدالة”، شددوا في الوقت عينه على مسؤولية المجلس النيابي المباشرة عن المخاطر الناتجة عن استمرار الشغور الرئاسي في ظل “هذا الانهيار الدراماتيكي القاتل للوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني المترافق مع الانقلاب القضائي الحاصل”، فكان تأكيد على وجوب التزام أحكام الدستور لا سيما تلك التي تحتّم التئام المجلس بصفته “هيئة انتخابية” في ظل خلو سدة الرئاسة الأولى “من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، بدورات متتالية ومن دون إنقطاع حتى تحقيق هذه الغاية”.
أما على الجبهة المقابلة، فنقلت أوساط واسعة الاطلاع معلومات تفيد بأنّ زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان الأخيرة إلى بيروت عزّزت “مناخ التشدد” في مختلف الاتجاهات لدى محور الثامن من آذار، معتبرةً أنّ هذا المناخ سرعان ما انعكس على الملف الرئاسي من خلال الاندفاعة الواضحة التي أبداها “حزب الله” باتجاه محاولة انتخاب مرشحه الرئاسي رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بنصاب “النصف زائداً واحداً” ولو من دون أن يحظى انتخابه بأي غطاء مسيحي وازن.
وأوضحت الأوساط نفسها أنّ عبد اللهيان بحسب المعلومات المتواترة لم يطلب من قيادة “الحزب” أي أمر محدد ومباشر في ما يتصل بالملف الرئاسي أو أي ملف داخلي لبناني، لكنه اكتفى بنقل رسالة إلى حلفاء طهران اللبنانيين مفادها “تدبّروا أمركم” بكثير من العناية في مواجهة الاستحقاقات المصيرية الداهمة التي تمرّ بها المنطقة، خصوصاً وأنه عكس بوضوح نظرة إيرانية تشاؤمية حيال تطورات الأوضاع الإقليمية في ظل المواجهة المفتوحة التي تخوضها طهران على كافة جبهاتها الداخلية والخارجية، لا سيما بعدما تدهورت علاقاتها مع الأوروبيين في الآونة الأخيرة.