فيما المواجهة القضائية لا تزال محتدمة ومتفجرة على رغم انحسار التطورات المتصلة بها، وانكفاء المتورطين في الانقلاب على التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت والمحقق طارق بيطار عن المشهد المباشر، تتسم الأجواء والمعطيات في شأن الاضرار المخيفة والتداعيات غير المسبوقة للانقلاب الحاصل بمزيد من الريبة والغموض، علما ان الأسبوع المقبل سيشهد فصولا جديدة توصف بانها تنطوي على قدر كبير من الخطورة. ذلك ان انحسار العاصفة القضائية امس لم يكن سوى هدنة ظرفية سريعة لن تطول اكثر من عطلة نهاية الأسبوع فيما تتوالى المؤشرات الى ان البلاد تقف عند مشارف تصعيد سياسي وقضائي واسع الأسبوع المقبل، تداخلت معه الملفات المتفجرة دفعة واحدة. واذا كان من دلالات جديدة على انفلات التداعيات الخطيرة للانقلاب القضائي على المحقق العدلي وعلى التحقيق نفسه، فهي برزت في رفع مستوى المواجهة السياسية لهذا الانقلاب وربطه أيضا بتعطيل الاستحقاق الرئاسي على ما جسدته وحدة الحال بين القوى والكتل المعارضة امس في اجتماع ما يفوق الـ41 نائبا منها في مجلس النواب واصدارهم بيانا موحدا. هذا التطور لم يقف عند حدود توحيد الموقف الحاسم من ملف الانقلاب على القاضي بيطار، بل بموقف اخر لا يقل أهمية هو المناداة بجلسات مفتوحة لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية . وبات في حكم المؤكد ان نشوء هذا التطور سينقل الصراع السياسي الى مرحلة تصعيدية لان القوى المعارضة كما تبين لن تتراجع عن رفض الجلسات التشريعية النيابية ولا عن مطلب الجلسات الانتخابية المفتوحة الامر الذي سيصعد المواجهة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في المقام الأول.
كما ان تداخل الملفات لم يقف عند التطورات القضائية والسياسية بل تمدد بقوة الى الملف المالي بعدما كادت الأيام الأخيرة تشهد انفجارا لا تحمد عقباه بسبب الارتفاعات الهستيرية المطردة في أسعار الدولار والمحروقات.
ومعلوم ان ثمة ترقبا وسط هذه الأجواء للاجتماع الذي تعد فرنسا لعقده حول لبنان في فترة قريبة. وفي هذا السياق نقلت مراسلة “النهار” في باريس رنده تقي الدين عن مسؤول فرنسي رفيع ان الاجتماع الخماسي للبنان سيعقد في السادس من شباط في باريس على مستوى المديرين في وزارات الخارجية للولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر للبحث في المساعدات للبنان وخصوصا اليات الضغط على المسؤولين اللبنانيين للقيام بالإصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية .
تموجات الدولار والمحروقات
وإذ سجل امس فجأة تراجع في سعر الدولار والمحروقات بشكل واسع بدأ تحرك حكومي ومصرفي لمواجهة الوضع اذ عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعًا مع وزير المال يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة عصراً في السرايا الحكومية، جرى خلاله بحث الأوضاع المالية والتلاعب الجاري في سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار الاميركي. وقد شرح الحاكم سلامة واقع الأسواق المالية تمهيداً لعرض الاقتراحات على المجلس المركزي لمصرف لبنان في اجتماعه المقرر الاثنين المقبل.
وستعود مسالة انعقاد جلسات مجلس الوزراء الى المشهد المتوتر أيضا اذ تشير معلومات “النهار” التي تؤكّدها مصادر رئاسة الحكومة إلى اعتزام الرئيس ميقاتي الدعوة لانعقاد جلسة وزارية الاسبوع المقبل ستكون مخصّصة لمقاربة المواضيع التربوية المعتبرة الأكثر إلحاحاً إضافةً إلى استكمال مناقشة بعض البنود المتبقّية من جدول أعمال الجلسة الحكومية السابقة. وتعوّل رئاسة الحكومة على “تيقّظ الوزراء إلى خطورة المرحلة بعيداً عن النزاعات السياسية، مع اتجاه دائم إلى عقد جلسات وزارية كلّما استوجبت الحاجة في المسائل الطارئة”.
بيان النواب المعارضين
في السياق، برز نداء – بيان موحد صدر امس من ساحة النجمة عن نواب المعارضة والتغيير وعددهم 41 نائبا، اعتبروا فيه “اننا نشهد إنقلابا مُدمّراً بدأ باغتيال العدالة في مقتلة بيروت التاريخية بقرارات ووسائل فاقدة للشرعية فلا مساومة على دم أبرياء 4 آب”. واعلنوا رفضهم “اي مساس بصلاحيات المحقق العدلي لجهة اشراك اي قاض رديف بملف عكف على اعداده قاضٍ لا يزال معيّناً اصولاً للتحقيق فيه ونطالب بمتابعة التحقيق واصدار القرار الظني”. كما اعلنوا تبنّيهم للبيانين الصادرين اول من امس عن مجلس نقابة المحامين في بيروت ونادي قضاة لبنان “وهما من اهل البيت القضائي والقانوني وندعم مطالبتهما بالمحاسبة الفورية لمدعي عام التمييز بسبب ما قام به من مخالفات فاضحة. من جهة ثانية تناول البيان ازمة الشغور الرئاسي اذ “إنّنا نعي جيداً مخاطر شغور سدة رئاسة الجمهورية في ظلّ هذا الإنهيار الدراماتيكي القاتل للوضع الإقتصادي والإجتماعي والإنساني المترافق مع الإنقلاب القضائي الحاصل حاليا، وجئنا اليوم موحدين لنعلن إنّنا نلتزم بأحكام الدستور، لا سيما المواد 49 و74 و75 منه، التي تنص صراحةً على أنّه متى تخلو سدة الرئاسة يصبح المجلس النيابي هيئة إنتخابية ملتئمة بشكلٍ دائم من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية بدورات متتالية بشكلٍ متواصل دون إنقطاع حتى تحقيق هذه الغاية ولا يحق للمجلس القيام بأيّ عملٍ سواه؛ وذلك رتّب موجباً دستورياً على كلّ النواب منذ لحظة خلو سدة الرئاسة في منتصف ليل 31/10/2022، وإنفاذاً لهذه الأحكام الدستورية ولهذا الموجب الدستوري تواجدنا اليوم في قاعة المجلس النيابي”.
الملف الرئاسي
واما في المواقف السياسية فاكد امس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى أنه طلب مقابلة وفد من “حزب الله” طارحًا أمامه ثلاثة أسماء لرئاسة الجمهورية هي العماد جوزف عون وجهاد ازعور وصلاح حنين. واضاف جنبلاط: “يجب إيجاد حلّ وسطي بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة ورئيس حركة الاستقلال النائب ميشال معوض وأنا منفتح على أسماء عدّة ولم ألتقِ رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الا مرة واحدة”.
وبشأن الملف القضائي، قال جنبلاط: “لنترك #القضاء يقوم بمهمّته وأستغرب تدخل المحققين الأوروبيين والسفارة الأميركيّة في عمل القضاء” مشيرا الى ان الوفد كان يحقق في تحويل أموال لشقيق حاكم مصرف لبنان فلماذا صارت مهمته في ملف المرفأ؟
واسترعى اهتمام المراقبين امس تراجع وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال موريس سليم عما نقل عنه من نيته الطلب من مجلس الوزراء اقالة قائد الجيش العماد جوزف عون ، وجاء ذلك عقب لقائه امس في بكركي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. وقال انه “لم ولن ولا يمكن أن يكون الكلام صادرا عني. أنا حريص على الجيش وعلى قائده حرصي على أيقونة غالية أحفظها بقلبي وأنا وزير دفاع لا يحركني أحد بل أتحرك حسب القوانين”. وقال “أحرص بشدّة على أن يبقى دور المؤسسة العسكرية قويا يحفظ أمن الوطن والمواطنين”. ورفض اجتماعات مجلس الوزراء الا للحاجات الطارئة والملحة والا كانت جلساته مخالفة للدستور.