المشهد السوداوي الذي يلفّ البلاد، قطعه توقيع اتفاقيتي الاستكشاف والإنتاج في الرقعتين 4 و9 بعد دخول شركة قطر للطاقة في كونسورتيوم مع توتال إنيرجي الفرنسية وإيني الإيطالية، وهو ما سيتيح الإسراع في التحضير لبدء أعمال الحفر ربما في الفصل الثالث من هذا العام وفق ما أُعلن عن ذلك خلال حفل التوقيع. غير أن الأساس يبقى في إظهار الشفافية في إدارة هذا الملف، بدءاً بالحفر وصولاً إلى الاستخراج، وهو ما يتطلب تشريعات في مقدمها إنشاء الصندوق السيادي ما برح الحزب التقدمي الاشتراكي يطالب به وقد تقدم باقتراح مفصل حياله.
الخبيرة النفطية لوري هايتيان أشارت في حديث مع “الأنباء” الالكترونية إلى أن المشهد الذي رأيناه بزيارة المدير التنفيذي لشركة توتال ووزير الطاقة القطري إلى بيروت هو استمال لاتفاق الترسيم، من خلال التأكيد أن توتال ستبدا بالحفر، لكن هذا العمل يتطلب وقتاً، ولفتت إلى أن ما حصل هو “بدء بالأعمال التحضيرية بانتظار وصول الحفارة التي تبدأ التنقيب في الفصل الثالث من السنة الحالية، على أن تبدأ الحفر بشكل جدي مطلع 2024، فعندها تظهر النتيجة الطبيعية، وهذا ما كنا نقوله قبل الاتفاق. فالشركة وضعت خطة عمل ولديها كل الضمانات والأمور تسير وفق ما هو مرسوم لها”، معتبرة أنه “يجب البدء بالحفر لنتأكد من وجود الغاز أم لا، وهذه الخطوة تدعى حفر استكشافي”، وتمنت أن “تكون النتيجة إيجابية بوجود شركتين من أهم شركات التنقيب في العالم”.
أما في الوضع العام في البلد، فيبدو واضحًا أن الأزمات السياسية والقضائية والمعيشية والصحية والتربوية مرشح لها أن تطول أكثر في غياب الحلول الناجعة، وتلهّي أهل الحل والربط بمشاكلهم الخاصة، وعدم إعارة ما يعاني منه اللبنانيون أي اهتمام. ووسط انسداد القنوات السياسية لم يُعرف بعد عما إذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري سيحدد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يوم الخميس المقبل في الثاني من شباط أم لا، وكذلك لم يعرف بعد ما إذا كان مجلس القضاء الأعلى سيجتمع هذا الاسبوع ام سيبقى هذا الأمر معلقا بانتظار اتخاذ القرار الملائم بشأنه.
وأمس سُجّل موقفان بارزان، الأول للبطريرك الماروني مار بشارة الراعي الذي وجّه جرعة دعم للمحقق العدلي القاضي طارق البيطار من خلال مطالبته بمتابعة تحقيقاته في جريمة انفجار المرفأ حتى جلاء الحقيقة، ما يُعتَبر موقفاً رافضاً من بكركي لكل محاولات الضغوط لدفع القاضي البيطار إلى الاعتذار عن متابعة التحقيق في تلك الجريمة.
وهو موقف علق عليه النائب السابق جوزف إسحق، سائلاً: “وهل هناك صاحب ضمير حي لا يريد الحقيقة؟ هل يعقل أن يحدث انفجار كبير بحجم انفجار المرفأ يقتل المئات ويجرح الآلاف ويدمر نصف العاصمة ولا يطالب بكشف الحقيقة؟”، داعيا البيطار الى “عدم التراجع عن كشف الحقيقة وإصدار قراره الظني، فإذا نجح في مهامه نقول له نجحت، وإن أخطأ نقول له أخطأت، أما من يطالب بكف يده أو تنحيه لأسباب معينة فإنه يدين نفسه على أنه هو متورط بما حدث وكأنهم يشيرون بوضوح إلى أنهم هم المجرمون”.
أما الموقف الثاني أمس، فتمثّل بشبه إعلان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل لترشحه الى رئاسة الجمهورية، ما يعني المزيد من تعقيد الملف الرئاسي، رابطاً ذلك بفشل مسعاه للتوافق على اسم مرشح، أو إذا لم يؤخذ بمطالب تياره وأبرزها تطبيق اللامركزية، كما قال. وواصل باسيل حملته على قائد الجيش العماد جوزف عون متهما إياه بمصادرة صلاحيات وزير الدفاع.
اسحق رأى أن “هجوم باسيل على قائد الجيش هو جزء من سياسة تدمير مؤسسات البلد، كما دمروا قطاعي الطاقة والاتصالات، فهم يعملون اليوم على تدمير القضاء”. وفي حديث لجريدة الأنباء الالكترونية، اعتبر إسحق أن “باسيل يتحدث وكأنه آت من هونولولو، متناسيا أنهم هم الأساس في تدمير كل الوزارات والمؤسسات التي تسلموا إدارتها منذ العام 2011، وكانت في غالبيتها وزارات خدمات”، وأضاف: “إذا كان هناك فساد فهم أساس الفساد، وإذا كان هناك من تآمر على بيع لبنان الى المحور الإيراني فهم الذين باعوه”، مرجحا أن “يكون الهجوم على قائد الجيش تقف وراءه حسابات زبائية”. وردا على دعوة باسيل إلى تحالف مسيحي _ مسيحي، قال عبد المسيح: “لقد جربناهم، ماذا كانت النتيجة؟”.
وعن مطالبة باسيل باللامركزية الإدارية، أشار اسحق إلى أن “القوات اللبنانية أول من طالب باللامركزية الادارية لأن لبنان لا يمكن ان يتطور الا من خلال لامركزية موسعة، أما باسيل عندما يكون له مصلحة بطرح اللامركزية يطرحها ويسحبها ساعة يشاء، وهذا الموقف يندرج في اطار المناورة”.
مالياً، توقعت أوساط مالية رفع منصة صيرفة من 38 ألف ليرة إلى 45 الفا، ما يعني ان كل الامور التي هي بحاجة للمعالجة مؤجلة حتى إشعار آخر، وهو ما يعني ايضا أن كل المحاولات لضبط سعر صرف الدولار وما يستتبعه من غلاء مخيف هي محاولات فاشلة، وبالتالي فإن أزمات الناس المعيشية مرشحة للتفاقم، ولا حل في الأفق طالما انسداد قنوات الحوار مستمر بين القوى الأساسية.