كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: غداً الاربعاء، يدخل الفراغ في رئاسة الجمهورية شهره الرابع، مصحوباً بمناخ عام، محكوماً بإرادة تعطيل فاضحة، أعدمت فرص التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، ورحّلته إلى خارج دائرة الاحتمالات الممكنة، ومفخخاً بنوايا توتيرية تنذر بهبوب سلسلة من العواصف على غير صعيد، مسبوقة بسحابة كثيفة من المخاوف، ليس فقط على الملف الرئاسي، بل على لبنان وبنية الدولة ومؤسساتها ومصير اللبنانيين بصورة عامة. وفي موازاة هذا الوضع الذي بات يتطلب معجزة لكسر انسداده، باب مشرّع على انهيارات وانحدارات شاملة اقتصادياً ومالياً ونقدياً، ربطاً بالحرب التي تديرها الغرف السوداء ومافيات العبث بالعملة الوطنية ورفع سعر الدولار إلى سقوف خيالية تطيح ما تبقّى من قيمة لليرة اللبنانية، وتنهك، لا بل تعدم القدرة الشرائية للبنانيين بغلاء في الاسعار إلى ما فوق الاحتمال، يحرمهم من أبسط أساسيات حياتهم. على انّ الأخطر من كلّ ذلك، هو كرة النار التي تدحرجت على الجسم القضائي، وألقت به في واقع وخيم.
حُسمت التموضعات
سياسياً، يمكن القول لا بل الجزم، بأنّ أطراف الإنقسام الداخلي ثبّتت تموضعاتها نهائيّاً على ضفاف الملف الرئاسي، دون قدرة أي منها على إمالة الدفّة الانتخابية لمصلحتها وتمرير رئيس للجمهورية مطابق لمواصفاتها. وتبعاً لذلك، يبقى التعطيل سيّد الموقف إلى أجل غير مسمّى، ومعه يسقط التعويل على أي مساعٍ او مبادرات داخلية لإخراج وشيك للملف الرئاسي من قمقم الخلافات والإصطفافات.
واللافت في هذا السياق، انّ المعنيين بحركة الاتصالات حول هذا الملف، باتوا مسلّمين بالفشل، وبأن لا إمكانية داخلية على الإطلاق لبناء ارضية مشتركة لحسم الملف الرئاسي بالتوافق. وربطاً بذلك، اكّدت مصادر مسؤولة لـ»الجمهورية»، انّ رئاسة الجمهوريّة في لبنان في هذا الجو المعطّل، دخلت فعلياً في مرحلة الموت السريري، بعدما فشلت كلّ محاولات إنعاشها، وتبعاً لذلك يمكن القول بكل ثقة بأنّ فترة الفراغ في رئاسة الجمهوريّة باتت مفتوحة على شهور طويلة.
وذهبت المصادر إلى أبعد من ذلك بقولها: «لا شكّ انّ المعطلين حققوا هدفهم، وانتصروا على لبنان وشرّعوه بكل مفاصله امام صعوبات ومنزلقات واحتمالات وسيناريوهات سوداء، توجب علينا ان نستعد لدفع أثمان باهظة على كلّ المستويات، وخصوصاً على المستويين الاقتصادي والمالي».
مثلث التعقيد
بدورها، قالت مصادر وسطية لـ»الجمهورية»: «رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي رسم منذ ما قبل الشغور الرئاسي طريق انتخاب رئيس الجمهورية عبر معبر وحيد هو التوافق، ومع الأسف قُطع هذا الطريق من قِبل سمير جعجع وجبران باسيل، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط دخل في محاولة شخصية في اتجاهات مختلفة لبناء مساحات مشتركة وخلق مناخات حوارية تتوسع من خلالها الخيارات، وتفضي بدورها إلى توافق على رئيس، ومع الأسف لم يوفّروا لها إمكانات النجاح. وبالتالي بقي الملف الرئاسي عالقاً وضائعاً في الصراع القائم بأبعاده وغاياته السياسية والحزبية والشعبوية، بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، وكذلك في تشبّث البعض بمرشح معيّن، في اشارة غير مباشرة إلى «حزب الله». عند هذا المثلث تكمن العقدة الأساس، وطالما انّ هذه العقدة موجودة وباقية على ما هي عليه، لن يكون هناك رئيس للجمهورية».
عصا الوصاية!
في السياق ذاته، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية»، أن «لا حراك على أي مستوى، في ما خصّ الملف الرئاسي، ولا جديد نهائياً لدى الرئيس بري سوى انتظار استفاقة من رافضي التوافق. كما لا جديد من شأنه ان يدفع مسعى جنبلاط إلى الامام، بعدما اصطدم بتناقضات عصيّة على التفاهم، ولا توجد أي قناة تواصل داخلية مفتوحة، من أي كان مع اي كان، ما يعني انّ الملف الرئاسي بات في جمود تام في المربّع صفر».
وسألت «الجمهورية» مسؤولاً كبيراً عن مآل الامور، وعمّا إذا كان فتح هذا الانسداد لا يزال ممكناً، فقال: «شو بدّك اكتر من هالبهدلة»، بازار البهدلة مفتوح، وصار الوضع مخجلاً، صرنا نستحي ان ننظر في وجوه الناس، هل يُعقل اننا ما عدنا نعرف ماذا نقول؟ يأتي الينا زوار اجانب وسفراء، ويسألوننا عن رئاسة الجمهورية ولماذا لا تتوافقون على رئيس، فنحتار بماذا نجيب؟».
وخلص المسؤول عينه إلى القول: «بتّ مقتنعاً انّ إرادة التعطيل تستجدي التدخّل الخارجي، وإن دلّ ذلك على شيء، فعلى انّ جماعة التعطيل رافضة ان تبلغ سن النضوج السياسي، والانخراط في المسار الذي يجعل القرار واختيار رئيس الجمهورية صناعة لبنانية، وبالتالي هي ماضية في المنحى الذي يبدو مع الأسف انّها اعتادت عليه بأنّها لا تسير في اتجاه التوافق سوى تحت الضغط، وبعصا الوصاية، على غرار ما كان يحصل في السنوات الماضية».
الحزب والتيار
إلى ذلك، قرأت مصادر سياسية في اعلان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بأنّه يفكر في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، إشارة سلبية للتيار، عنوانها «انا او لا أحد»، بحيث حصر الترشيح بشخصه، وحظّر على اي عضو ماروني في «تكتل لبنان القوي» ان تراوده فكرة الترشيح. وكذلك اشارة اكثر من سلبية في اتجاه حليفه «حزب الله»، قطع من خلالها الطريق نهائياً على اي استجابة من قبله لأي مسعى يمكن ان يبادر اليه الحزب، لتليين موقفه.
وفيما رفضت مصادر في التيار التعليق على ما اورده باسيل، كما رفضت تأكيد او نفي ما يتردّد عن تململ في داخل التيار ربطاً بأداء رئيسه، واكتفت بالقول لـ»الجمهورية»: «لا تعليق». قالت مصادر معارضة لـ»الجمهورية»، بانّ «ما اورده لم يكن مفاجئاً، وكنا نتوقع ذلك، لأننا مدركون انّ هذا هو توجّهه من الأساس، وبالتالي اعلن باسيل ترشيحاً مقنّعاً، معتبرة انّه يقدّم بذلك خدمة كبرى إلى جبهة الخصوم العريضة التي بناها، نحن مع اقتناعنا من الأساس بأن لا مرشح للتيار غير باسيل، نقول انّ من حقه ان يترشح ولا احد يملك ان ينتزع منه هذا الحق، ونحن نشجعه على ان يترشح رسمياً، وما نتمناه فقط هو ان تتبع هذا الترشيح جلسة انتخابية ويُصار الى التصويت، وساعتئذ سيذوب الثلج حتماً».
وفيما اعتبرت مصادر سياسية لـ»الجمهورية» «انّ جوهر مؤتمر باسيل هو استجرار السجال مع مختلف الاطراف، وكلامه يبدأ بشيء وينتهي بشيء آخر، حيث انّه يقدّم مطالعة مطولة عن التوافق وضرورته، ثم يقفز من مركب التوافق إلى خندق التحدّي». رفضت مصادر حركة «أمل» الردّ على ما سمّتها «الإشارات الاستفزازية التي اطلقها باسيل في اتجاه الرئيس نبيه بري». وقالت لـ»الجمهورية»: «بالتأكيد لن ننجرّ إلى اي سجال، والرئيس بري ليس في حاجة إلى شهادة من احد، وفي اي حال الطريق إلى رئاسة الجمهورية هو التوافق الذي لا مفرّ منه في نهاية المطاف ومهما طال الزمن».
«حزب الله»: إمتعاض
وفيما لم يصدر أي موقف او إيحاء من «حزب الله» تعليقاً على كلام باسيل، كشفت مصادر مطلعة على اجواء الحزب لـ»الجمهورية»، بأنّ وقع هذا الكلام كان له صدى بالغ السلبية في اوساط الحزب، التي عكست امتعاضاً من المنحى الذي يسلكه باسيل، والذي بدا انّه يقطع شعرة التواصل نهائياً بين الطرفين في ما خص الملف الرئاسي.
لقاء باريس
في هذه الأجواء، تبقى العين على باريس، ربطاً بالاجتماع الخماسي الاميركي- الفرنسي- السعودي- القطري- المصري في العاصمة الفرنسية، المفترض انعقاده الاسبوع المقبل. واللافت في هذا السياق، انّ مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية، ورداً على سؤال لـ»الجمهورية»، تجنّبت تأكيد او نفي انعقاد الاجتماع في الموعد الذي تردّد في 6 شباط المقبل، وقالت انّها لن تخوض في أي مواعيد مرتبطة بهذا الاجتماع.
ولفتت المصادر، الى انّ هذا الاجتماع، فيما لو عُقد، ليس اجتماعاً تقريرياً او ينوب عن اللبنانيين في مسؤوليتهم في اختيار رئيس للبنان او تحديد مواصفاته، او تبنّي بعض المرشحين، وإلزام اللبنانيين بهذا الاسم او ذاك من المرشحين، خلافاً لما نسمعه من روايات تُنسج في لبنان، وتحمّل الاجتماع اكثر مما يحتمل، بل هو في جوهره يشكّل عاملاً مساعداً للبنانيين لا اكثر، لحثهم على تحمّل مسؤولياتهم وانتخاب رئيسهم وتشكيل حكومة إنقاذ واصلاحات قبل فوات الاوان».
المسار القضائي: تعقيد
في موازاة المشهد السياسي المعقّد، مشهد قضائي اكثر تعقيداً، وفي اجواء العدلية علامات استفهام حول المسار الذي سيسلكه الاشتباك القضائي، ربطاً بالهزّة العنيفة التي ضربت القضاء واسقطته بالضربة القاضية على حلبة المرفأ، وسط حديث عن ارتدادات لهذه الهزّة لا تقلّ عنها عنفاً، تُسقط الجسم القضائي في جولات اشتباكية جديدة، تذخّرها وتمهّد لها خطوات تسخينية اكثر لهذا الملف، أكان في ما خصّ سير المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بادعاءاته واستدعاءاته القديمة الجديدة، او في ما خصّ القرار الاتهامي الذي تروّج الأوساط المحيطة بالبيطار «مكمّل» في إنجاز قراره الإتهامي، وبالتالي إصداره بات مسألة وقت قصير جداً.
المأزق عميق
على الجبهة العدلية، لا يختلف اثنان على انّ ملف التحقيق في انفجار المرفأ هو أول ضحايا الاشتباك القضائي، وبات مسجّى إلى جانب الضحية الأكبر لهذا الإشتباك المتمثّلة بالقضاء ككلّ؛ قضاء ظهّرته الوقائع التي تدحرجت الاسبوع الماضي من المرفأ إلى العدلية، منقسماً على ذاته، مصاباً في صميمه، منتكساً بهيبته، وكامناً لبعضه البعض، وبعض قضاته مشكوك بحياديتهم، ومتّهمون بالتمرّد والعصيان وتجاوز الأصول والقانون وبتغليب الإنتقائيّة والخضوع للتسييس.
القضاء، باعتراف القضاة انفسهم، «بات في وضع صعب لا يُحسد عليه أبداً». وعلى ما يقول مرجع قضائي سابق لـ»الجمهورية»، فإنّه «لم يسبق للقضاء أن واجه وضعاً صعباً مثيراً للقلق والخوف عليه كما هو حاله اليوم، وبالتالي لم تعد ثمّة أولوية تتقدّم على أولوية ترميم صورة القضاء، لا بل سمعة القضاء واستعادة مكانته وإعادة الاعتبار لقوس العدالة. الّا انّ هذا الأمر في ظلّ وضع يعتريه الانقسام والتباين، وأكاد اقول الفرز العمودي والأفقي، يتطلب جهداً ومسؤولية وإرادة ما فوق الخارقة، والأهم من كل ذلك النأي بالقضاء عن المداخلات، وكل تأخير في ذلك، نتيجته الحتمية تعميق مأزق القضاء اكثر، والمبادرة بالتأكيد هي في يد مجلس القضاء الأعلى».
نقاشات وصعوبات
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ نقاشات جارية على مستويات قضائية مختلفة، لتلمّس كيفية الخروج من المأزق الذي أُسقِط القضاء فيه، والتوجّه الغالب في هذه النقاشات يرى ضرورة ان يسارع مجلس القضاء الاعلى إلى التقاط المبادرة.
وإذا كانت السلطة السياسية التي يمكن لها ان تقارب المأزق القضائي بأية حلول او مخارج، غير موجود، وبالتالي دورها منعدم، وحكومة تصريف الاعمال لا تملك أدنى صلاحية للتدخّل المباشر او غير المباشر واتخاذ اي قرار، الّا انّ العقدة الأساس، كما تقول مصادر مطلعة على خلفيات ومستجدات الصدام القضائي لـ»الجمهورية»، تتمثل بمطبّات وصعوبات لا يستهان بها، تعترض مسار أي محاولة للخروج من هذا المأزق، وتتجلّى بشكل خاص في ما سمّته «الإرباك» الحاصل في مجلس القضاء الاعلى، الذي يبدو أنّه حتى الآن مقيّداً بالاعتبارات والتباينات والحسابات، التي تحول دون قدرته حتى على الاجتماع واتخاذ القرارات والاجراءات والخطوات التي تتوفّر من خلالها قوة الرّفع اللازمة للقضاء من هذا المأزق.
دعويان وشكوى
إلى ذلك، تقدّم النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر امس من محكمة التمييز الجزائية «بطلب نقل دعوى للارتياب المشروع بحياد المحقق العدلي المكفوفة يده طارق البيطار». فيما تقدّم النائب خليل بشكوى ضدّ القاضي طارق البيطار امام مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات واخرى امام التفتيش القضائي، وذلك «عن أخطاء مسلكية ارتكبها البيطار».
«امل»: الرئاسة والقضاء
إلى ذلك، اكّدت حركة «أمل» أنّه يتأكّد اكثر من أي وقت مضى غياب الملف اللبناني عن اهتمامات مراكز القرار الدولي. واعتبرت في بيان لمكتبها السياسي «أنّ الرهان الأساسي هو في توافق اللبنانيين في مقاربة ملف رئاسة الجمهورية، مقاربة وطنية تتجاوز المصالح الشخصية والفئوية والعناد والمكابرة، والجلوس إلى طاولة حوار وطني تضع خارطة طريق للخروج من هذا المأزق بكل ابعاده، والاتفاق على رئيس يُشكّل بارقة أمل لتجاوز هذا النفق».
وإذ لفتت إلى «الإمعان بتدمير المؤسسات وإفراغها وسياسات التعطيل المتعمّد، والنكد الذي اوصل البلد إلى ما هو عليه»، رفضت «الإستهداف الممنهج للمؤسسات الضامنة للإستقرار العام في البلد، في إطار سياسات وضع اليد عليها أو شلّها»، ومن هنا دعت السلطة القضائية إلى القيام بدورها لمنع الغرور والتفرّد والجنوح الذي ينتهجه البعض، لجرّ القضاء إلى آتون السياسة من بوابة تجاوز القانون واعتماد التأويلات، وهو الأمر الذي طالما حذّرنا من تجاوز القانون فيه، والذي يعكس في القرارات الأخيرة استمراراً في هذا النهج، وبعيداً من المواقف المسبقة، فالقضاء المستقل العادل والضامن وفقاً للأصول الدستورية والقانونية هو المطلب والمبتغى».
من جهة ثانية، دعت «أمل» إلى «الإسراع في مواكبة الاتفاقيات الموقّعة بموضوع الغاز والنفط، والإسراع في المباشرة بالتنقيب، من أجل تأمين صيانة وطنية لهذه الثروة عبر إنشاء الصندوق السيادي الذي يحمي موارد لبنان الطبيعية، كي لا تضيع فرص الإستثمار على عائدها في ظلّ الإنهيار السياسي والاداري الداخلي».