تحت جنح الزلزال وستار الكارثة الدامية التي ألمّت بسوريا، لم يتأخر أركان السلطة في الاندساس داخل “طروادة” الواجبات الانسانية والأخلاقية، للهرولة باتجاه قصر المهاجرين رافعين لواء التطبيع والتطبيل والرقص فوق أنقاض السوريين، تهليلاً لاستئناف العلاقات الحكومية مع نظام قتل وشرّد من أبناء شعبه وصدّع ودمّر ببراميله من مساكنهم ومناطقهم وأحيائهم أكثر مما فعلت الطبيعة الأمّ منذ يوم أطفال درعا عام 2011 حتى اليوم.
وبينما اللبنانيون لا يزال يتملّكهم الخوف من هزّات أرضية متجددة لا تبقي ولا تذر من أبنيتهم المتصدعة، وبدل أن تنكبّ حكومتهم على استعجال واجتراح خطط الطوارئ لمجابهة أي سيناريوات مأساوية محتملة، لا سيما مع تسجيل هزة مساءً بقوة 4.2 درجات على مقياس ريختر على بعد 5 كيلومترات من الهرمل جنوباً، شعر بها سكان البقاع والشمال والمتن وكسروان وبيروت وأيقظت الهواجس من نشاط زلزالي مباغت على فالق اليمونة، لم ترَ حكومة 8 آذار في اللحظة الكارثية سوى فرصة سياسية رخيصة استغلتها لتنفذ منها نحو أجندة إعادة تطبيع العلاقات الرسمية بين بيروت ودمشق، فانقضّت بكامل عدّتها وعتادها لإعادة ترميم جسور “وحدة المسار والمصير”… حتى أنّ جبران باسيل لم يتأخر في اقتناص “الفرصة الرئاسية” ليسابق سليمان فرنجية إلى “حضن الأسد”.
فبالتوازي مع إيفاد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وفداً وزارياً برئاسة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب لتقديم واجب “العزاء والتضامن” إلى الرئيس السوري بشار الأسد وإبلاغه بقرار الحكومة تسخير جميع الموانئ الجوية والبحرية والبرية اللبنانية في خدمة بلاده واعتمادها كل القرارات والإجراءات اللازمة من أجل التنسيق مع المؤسسات السورية، الأمر الذي أثنى عليه الأسد وزاد عليه بالتأكيد على “أهمية التعاون بين لبنان وسوريا في جميع المجالات انطلاقاً من المصالح المشتركة التي تجمعهما”، استرعى الانتباه استنفار رئيس “التيار الوطني الحر” تياره وإعلامه وتغريداته ليركب موجة التطبيع مع النظام السوري، فأوكل هيئة التيار السياسية مسألة المطالبة بوجوب “أن يتغيّر مسار التعاطي الدولي مع سوريا وفتح الباب أمام قرارات جدّية لرفع الحصار والظلم، لأن المسألة لم تعد إستهدافاً لنظام”، وتولى هو شخصياً المزايدة بتغريدة مضادة لتغريدة رئيس “تيار المردة” التي تقدم بها بالعزاء “للدول والشعوب التي تضررت جراء الزلزالين” من دون تسمية سوريا بالاسم، ليخصّ باسيل في تغريدته “الزلزال الذي ضرب سوريا” بالاسم ويطالب بـ”فك الحصار عنها”، تاركاً لموقع “التيار” الالكتروني مهمة التصويب المباشر على فرنجية ودقّ إسفين “رئاسي” بينه وبين الأسد، من خلال طرح علامات استفهام حول “سبب عدم ذكره سوريا في تغريدته”، وإحاطة هذا الأمر بشكوك وتساؤلات عمّا إذا كان “السباق الرئاسي يمنع فرنجية من إقران إسمه بالدولة السورية في ظرف انساني بامتياز؟”، مقابل التنويه بـ”تغريدة الوزير باسيل التي شجعت على تضامن المجتمع الدولي مع سوريا”!
وعلى الطريق نفسه، كان الثنائي الشيعي، الذي شكّل القاطرة الأساس في عملية دفع عجلات التطبيع الحكومي مع سوريا، يرفع الصوت والضغط إلى مستويات أعلى في مخاطبة الحكومة على لسان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بالتشديد “بكل جدية وصراحة” على أنّ “تشكيل وفود وزارية لا يكفي” بل المطلوب “أخذ خيارات مصيرية (…) وانتفاضة وطنية شجاعة لخلع يد واشنطن عن عنق القرار السياسي بهذا البلد المحاصر”، في إشارة متكررة إلى اللازمة التي اعتمدتها قوى 8 آذار منذ لحظة وقوع الزلزال السوري للضرب على وتر “قانون قيصر” بدعوى أنه يعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، رغم أنّ كل الضالعين في الآليات التطبيقية لهذا القانون يجزمون بأنه حافل في بنوده بعشرات الاستثناءات المتصلة بإيصال وتسهيل عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى السوريين.
أما في المشهد السياسي العام، وفي الوقت الذي يوصد فيه “الثنائي” أبواب المجلس النيابي أمام الانتخابات الرئاسية بغية إخضاع أغلبية أصوات كتله لخيارهما الرئاسي، بادر رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى دعوة هيئة مكتب المجلس إلى الاجتماع الاثنين المقبل تمهيداً للدعوة إلى عقد جلسة تشريعية هي الأولى بعد الشغور الرئاسي في حال اكتمل نصابها، مع ترجيح مصادر نيابية أن يعمد بري إلى تحديدها بتاريخ 16 شباط، واصفةً إياها بأنها ستكون جلسة “مفصّلة على قياس” التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لفترة 3 سنوات إضافية، بعد حلول موعد إحالته إلى التقاعد نهاية الشهر الجاري.
ونقلت المصادر أنّ الثنائي الشيعي ضمن تأمين باسيل “الميثاقية المسيحية” لانعقاد الهيئة العامة في ظل مقاطعة “القوات اللبنانية” لعملية التشريع في ظل الشغور الرئاسي، مؤكدةً في هذا السياق أنّ رئيس “التيار الوطني” أبدى عدم ممانعته تغطية وتمرير التمديد لابراهيم، مقابل حصوله على إقرار قانون يشمل التمديد للمدراء العامين المحسوبين على العهد العوني السابق وتياره.