يقف البرلمان اللبناني على مسافة أيام من المواجهة الساخنة الحتمية التي تشهدها الجلسة النيابية التشريعية في حال تقرر انعقادها الخميس المقبل وتدور بين فريق من النواب اتخذ قراره بمقاطعتها بذريعة أن الأولوية يجب أن تُعطى لانتخاب رئيس للجمهورية وفريق آخر يرى أن تعذُّر انتخابه لا يمنع تشريع الضرورة، لأنه من غير الجائز الاستمرار في تعطيل الجلسات إلى حين انتخاب الرئيس.
فالجلسة التشريعية المنوي انعقادها تشقّ طريقها في حال اكتمال الحضور النيابي إلى حيّز التنفيذ، وهي تنتظر جدول أعمالها الذي تعده هيئة مكتب المجلس النيابي في اجتماعها اليوم (الاثنين) برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، الذي ينقل عنه بأن النصاب القانوني لانعقادها أصبح مؤمناً، إلا إذا بادر تكتل «لبنان القوي»، برئاسة النائب جبران باسيل، إلى إعادة النظر في موقفه بامتناعه عن المشاركة فيها لاستيعاب الهجوم الذي بدأ يتعرض له من خصومه في الشارع المسيحي، والذين يتزعّمون الدعوة إلى مقاطعتها.
ومع أن الجلسة التشريعية في حال انعقادها ستكون الأولى بعد شغور الرئاسة الأولى، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2022، فإن من يعارض انعقادها يتجاوز بموقفه جدول أعمالها إلى تقيُّده بالنص الدستوري الذي يُبقي الجلسات مفتوحة إلى حين انتخاب الرئيس.
إلا أن مشاركة تكتل «لبنان القوي» في الجلسة لا تكفي لتأمين النصاب لانعقادها ما لم يشارك فيها نواب «اللقاء الديمقراطي»، برئاسة النائب تيمور جنبلاط، وعدد من النواب السنة المنتمين إلى كتلة «الاعتدال الوطني»، التي تشترط أن ينسحب التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي يُحال على التقاعد في مايو (أيار) من عام 2024.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية بأن كتلة «الاعتدال» أبلغت المعنيين بأن حضورها الجلسة التشريعية يتوقف على التمديد للواء عثمان، وستعلن موقفها في اجتماع تعقده غداً (الثلاثاء) في ضوء جدول أعمال الجلسة.
ووفق المعلومات أيضاً فإن «اللقاء الديمقراطي» عقد اجتماعاً مشتركاً مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» برئاسة رئيسه وليد جنبلاط، وأبقى جلساته مفتوحة، واضعاً مشاركته بمقاربته لجدول أعمال الجلسة في اجتماع مشترك يُعقد غداً.
ونقلت المصادر النيابية عن جنبلاط قوله إن الحزب و«اللقاء الديمقراطي» على موقفهما بحضور الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب الرئيس، وأيضاً جلسات مجلس الوزراء والجلسات التشريعية. وحذّر في المقابل من أن تؤدي جلسة تشريع الضرورة إلى توفير الغطاء النيابي للدخول في محاصصة.
وسألت المصادر عن الأسباب الكامنة وراء مشاركة تكتّل «لبنان القوي» في جلسة تشريع الضرورة؟ وهل يتوخّى باسيل من مشاركته فيها تمرير التمديد للمديرين العامين من غير المنتمين إلى الأسلاك الأمنية والعسكرية، وتحديداً المحسوبين عليه؟
كما سألت كيف سيبرّر باسيل لجمهوره ومحازبيه التوفيق بين مقاطعته لجلسات مجلس الوزراء وبين مشاركته في الجلسة التشريعية؟ وهل يطمئنّ إلى أن نوابه لن يخرجوا عن قراره؟ وماذا سيقول للبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي شدد في عظته أمس (الأحد) على أن المجلس النيابي هيئة ناخبة لا اشتراعية بغياب الرئيس، ولا شرعية لعمل الحكومة والمجلس النيابي في حال الشغور الرئاسي؟
وفي المقابل، سألت مصادر سياسية ما إذا كانت هناك استحالة للتمديد للمديرين الأمنيين والعسكريين من دون انعقاد البرلمان في جلسة تشريعية؟ ولفتت المصادر إلى أن المشكلة لا تتعلق بالتمديد للقادة الأمنيين والعسكريين لئلا يتمدد التمديد باتجاه المؤسسات العسكرية التي لا تزال تقوم بواجباتها، فيما يتدحرج البلد نحو الانهيار؟
وسألت المصادر نفسها أيضاً ما إذا كان لدى القوى السياسية الداعمة لعقد جلسة تشريعية معلومات تفيد بأن الشغور الرئاسي سيكون مديداً، وأن الضرورة تستدعي تفادي الشغور في المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تجمع القوى السياسية على تنوّعها على دورها في الحفاظ على الاستقرار وتحصين السلم الأهلي والتصدّي لمن يحاول الإخلال بالأمن، مع أن لا خلفية سياسية للحوادث المتنقلة بين منطقة وأخرى؟
لكن المفاجأة تكمن في أن قائد الجيش العماد جوزيف عون استبق التمديد للقيادات الأمنية والعسكرية بإعلام من يعنيهم الأمر بأنه ينأى بنفسه عن التمديد له، طالما أنه يتقاعد في 1-1-2024. وبالتالي لديه من الوقت الكافي للبقاء على رأس المؤسسة العسكرية لتأدية دوره في الحفاظ على الاستقرار ومنع الإخلال به.
أما لماذا لا يبدي العماد عون حماسة للتمديد له؟ وما هي الأسباب التي يركن إليها في معرض الدفاع عن موقفه؟
للإجابة عن السؤال لا بد من الإشارة إلى أن العماد عون لا يطلب التمديد لنفسه بعد أن تعذّر تأجيل تسريح ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري كانوا أُحيلوا إلى التقاعد، مما أدى إلى تعذّر انعقاد اجتماعاته الدورية.
وفي هذا السياق، يرى مصدر سياسي أن التمديد للعماد عون قد يؤدي إلى إحداث إرباك في الهرمية العسكرية، إضافة إلى أنه ليس في وارد بأن يسجل الآخرون، وتحديداً باسيل، بأنه سيكون ممنوناً له بمشاركته في جلسة التمديد، فيما يواصل حملته عليه ويضع فيتو على انتخابه رئيساً للجمهورية، رغم أنه لم يعلن ترشّحه، وصولاً إلى أن المتعارف عليه في لبنان أن يغادر قائد الجيش منصبه فور انتخاب رئيس جمهورية جديد يفترض أن يؤخذ برأيه في تعيين خلف له.