في المشهد الداخلي العام، لا شكّ في أنّ عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت مساء أمس لإحياء ذكرى الرابع عشر من شباط عند ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري ستستقطب غداً الأنظار والعدسات وستشكل مادة محورية دسمة تتصدر شريط التغطيات الإعلامية والصحافية للحدث. أما على المستوى السياسي، فلا تزال تداعيات تشريع أبواب المجلس النيابي للتشريع مقابل إيصادها في وجه انتخاب الرئيس تفرض نفسها بقوة على بساط المواقف والأحداث، لا سيما بعدما نزع 46 نائباً الشرعية الدستورية عن انعقاد الهيئة العامة مع إعلانهم عدم الاعتراف بأي قوانين تصدرها في ظل الشغور الرئاسي، في الوقت الذي بدا فيه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل كمن يتحسّس الهزّات الارتدادية على الساحة المسيحية لتغطيته عملية القفز فوق الاستحقاق الرئاسي، فبادر خلال نهاية الأسبوع إلى إعادة تغليف موقفه من “تشريع الضرورة” بمفردات وعبارات حمّالة للأوجه والتأويل تجاه المشاركة في الجلسة التشريعية من عدمها.
وبموازاة مواكبة المستجدات الحدثية، تتواصل خلف الكواليس محاولات تقصي المعلومات والأنباء المتواترة عن نتائج اجتماع اللجنة الخماسية في باريس، وما انتهى إليه من خلاصات وقرارات حيال مخارج الأزمة اللبنانية، خصوصاً وأنّ بعض المتابعين لأجواء التقارير الديبلوماسية الغربية نقلوا معطيات تتحدث عن ميل أوروبي إلى اعتماد سلوك مختلف عن السابق مع المنظومة الحاكمة في لبنان بما يشمل تطبيق آليات فاعلة من العقوبات على معرقلي الإصلاح والاستحقاقات الدستورية. غير أنّ مصدراً ديبلوماسياً اطلع على محضر اجتماع باريس لفت في هذا الصدد إلى أنّ “الجانب الفرنسي لم يبد حماسةً لمسألة تحديد جدول زمني للإصلاح تحت طائل التهديد بالعقوبات، باعتبارها تجربة أثبتت فشلها سابقاً ومن شأنها أن تعقّد الأمور وتعرقل الحلول أكثر راهناً”.
وأوضح المصدر نفسه لـ”نداء الوطن” أنّ التركيز تمحور بشكل أساس بين المجتمعين حول سبل إعادة استنهاض الدولة اللبنانية وإعادة الانتظام للمؤسسات العامة بدءاً من ضرورة إنهاء الشغور الرئاسي وتشكيل حكومة قادرة على إنجاز الإصلاحات المطلوبة عربياً ودولياً، كاشفاً في هذا السياق عن تقاطع واضح في اجتماع باريس عند تأييد طرح ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية، مع تميّز الموقف المصري عن باقي المواقف بالإبقاء على ترشيح سليمان فرنجية خياراً قائماً إلى جانب ترشيح قائد الجيش.
وإذ أشار إلى أنّ التداول بالملف الرئاسي بين أطراف اجتماع باريس لم يأتِ في سياق منفصل عن الحاجة إلى الاتفاق اللبناني على ضرورة “انتخاب رئيس للجمهورية تسانده حكومة عازمة بشخص رئيسها وتركيبتها على الإصلاح”، نوّه المصدر في هذا الإطار بأنّ مختلف المجتمعين استبعدوا اسم نجيب ميقاتي من قائمة المرشحين لتولي هذه المهمة باستثناء الجانب الفرنسي، في حين أعاد أحد الحضور طرح اسم تمام سلام على سبيل المثال كنموذج مطمئن وموثوق به لرئاسة الحكومة اللبنانية في المرحلة الإصلاحية المقبلة.
وعن الأجواء المحيطة بالمداولات التي دارت خلال الاجتماع، نقل المصدر الديبلوماسي أنّ كل أطرافه شاركوا، وإن بنسب متفاوتة، في عملية التداول بالاقتراحات والحلول اللازمة للوضع اللبناني المتأزم، لافتاً الانتباه إلى أنّ الوفد السعودي كان مستمعاً في معظم الأحيان وبدا حرصه جلياً على أن يكون الموقف العربي موحّداً حيال لبنان، بينما كان الجانب الأميركي مراقباً وقليل التفاعل طيلة الاجتماع، وسط تشديد تام على نقطة رئيسية مفادها بأنه لن تكون هناك “لا مساعدات ولا قروض للبنان من خارج نطاق صندوق النقد الدولي” تحت وطأة فقدان الثقة بالطبقة الفاسدة الحاكمة في البلد.
وبالمعنى نفسه، توجّه البطريرك الماروني بشاره الراعي في قداس الأحد في بكركي أمس إلى “المسؤولين والنافذين والمعطلين” في لبنان بالقول: “اعلموا أنّ كلّ نداء يأتيكم من المجتمعين العربيّ والدوليّ هو إدانة لفسادكم وسوء استعمال سلطتكم ونفوذكم، فأين أنتم من مسؤوليّتكم الدستوريّة الأولى بانتخاب رئيس للجمهورية، ومن إجراء الإصلاحات، ومن تنفيذ الإجراءات المنتظرة من صندوق النقد الدولي والأسرة الدولية؟”.
وفي ما يتصل بقضية الحوار والمبادرة التي تردد أنّ البطريركية تعتزم القيام بها، استرعى الانتباه تشديد الراعي على تحمّل جميع القوى السياسية من مختلف الطوائف مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية، لافتاً إلى أنّه “إذا كان رئيس الجمهورية مارونيًّا فالناخبون ليسوا جميعهم موارنة ومسيحيين، وإذا كان جزء من مسؤولية الشغور الرئاسي يتحملها القادة المسيحيون، فالمسؤولية الكبرى تقع على غيرهم، لأن المسيحيين مختلفون على هوية الرئيس بينما الآخرون مختلفون على هوية الجمهورية”.