تتسارع المؤشرات على تصعيد كبير، اقتصادي واجتماعي، في لبنان في الأيام المقبلة، لممارسة مزيد من الضغوط على اللبنانيين، فيما يبدو أن الولايات المتحدة، بالتعاون مع السعودية وأطراف غربية أخرى، تحاول توجيه هذا التصعيد نحو حزب الله، مع رفع سيف العقوبات في وجه عدد غير قليل من القوى اللبنانية والمسؤولين في مواقع رئيسية في الحكم أو المجلس النيابي أو السلطة القضائية.
ووسط انهيار متسارع لسعر العملة الوطنية، نُقل عن مصادر الرئيس نجيب ميقاتي أن مصرف لبنان فقد السيطرة على السوق، وأنه قد يكون من الصعب إعادة ضبط الأمور إلا في حال حصول خطوة سياسية كبيرة. وفسّر مطلعون ذلك بأنه ترجمة للدعوة الأميركية – الفرنسية – السعودية إلى التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية وفق مواصفات تناسب هذه العواصم، مع تكرار الإشارة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون كمرشح أول، رغم تعمّد السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، في اجتماعات رسمية وغير رسمية، تكرار أن بلادها لا ترشح عون ولا تتدخل في الأسماء.
ويبدو أن العمل جار لرمي كرة نار الانهيار الاقتصادي في حضن حزب الله، بحسب ما بدا أمس من الإشارات الأميركية حول وجود توجه إلى فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتهمة مساعدة مموّلين لحزب الله. وليس المقصود من ذلك بالطبع سلامة الذي لم يعد يملك أي حصانة أو قدرة على المناورة في ضوء التحقيقات التي أجراها المحامي العام جان طنوس، وتبنّتها أجهزة قضائية أوروبية، وإنما تحميل حزب الله مسؤولية أفعال سلامة وانهيار العملة الوطنية من خلال اتهام الحاكم ومصرفيين فاسدين بتزويد الحزب وسوريا بالدولارات. علماً أن الأميركيين يعرفون جيداً أكثر من أي أحد آخر أن الحزب يأتي بالدولارات من الخارج وليس من السوق المحلية.
وفي خطوة لم تبد مفاجئة للبعض، سربت مصادر أميركية لقناة “الحدث” السعودية التي تبث من دبي، أن وزارة الخزانة الأميركية وجدت علاقات تربط بين حاكم مصرف لبنان وممولين على صلة بحزب الله. ونقلت القناة عن المصادر أن واشنطن تقترب من خطوة فرض عقوبات على سلامة بتهمة تسهيل عمليات مالية تتعلق بالحزب.
وبمعزل عما ستؤول إليه الأمور، يعود أصل الحكاية إلى أمرين:
الأول يتعلق بقرار وزارة الخزانة الأميركية الشهر الماضي فرض عقوبات على شركة CTEX للصيرفة التي يرأس مجلس إدارتها الاقتصادي حسن مقلد بذريعة تسهيلها عمليات مالية لمصلحة حزب الله، ووجود صلات لمقلد مع مسؤولين ماليين في الحزب. وكان لافتاً أن بيان العقوبات على الشركة تعمّد، للمرة الأولى، ذكر مصرف لبنان في أكثر من موضع في البيان، والإشارة إلى أن CTEX كانت تتعامل مع مصرف لبنان وأن علاقة تربط صاحبها مع الحاكم.
وأكّد سلامة، في مقابلة مع قناة “الشرق – بلومبيرغ” السعودية الأسبوع الماضي، أن شركة مقلد نالت ترخيصاً بعدما استوفت كامل الشروط من قبل الهيئات المعنية في مصرف لبنان، في إشارة إلى لجنة الرقابة على المصارف. ولفت إلى أن الشركة كانت تبيع الدولارات لمصلحة مصرف لبنان فقط، موضحاً أن هذه العملية تعني جمع الدولارات لمصلحة المصرف المركزي الذي يعطيها للمصارف، لا بيع الدولارات حتى يقال إن العملية تؤدي إلى تأمين أموال للحزب. وأشار سلامة إلى أن الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية منحتا الشركة ترخيصاً مماثلاً للقيام بهذه الأعمال، نافياً أي علاقة لها بالحزب. وأكّد أنه أمر المصرف المركزي وبقية المصارف بالامتثال لقرار وزارة الخزانة الأميركية وعمل على تجميد حسابات الشركة بعد إبلاغها توقيفها عن العمل وسحب الترخيص منها، مشيراً إلى أن الترخيص لم يكن يشمل السماح بشحن الأموال والمعادن النفيسة إلى الخارج، وهو يناقض تأكيدات مقلد في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام، بأن شركته كانت ستعمل على شحن الأموال والذهب في الأول من شباط الجاري، وهذا ما عجل بفرض العقوبات عليه قبل أسبوع من بدء الأعمال.
الثاني: يتعلق بقرب صدور اتهامات ضد سلامة من عدة دول أوروبية في مقدمها فرنسا وألمانيا وإحالته إلى المحكمة بتهمة تبييض أموال يشتبه أنه اختلسها من لبنان. وقالت مصادر حقوقية في العاصمة الفرنسية لـ”الأخبار” إن القضاء الفرنسي ممثلاً بالقاضية أود بيروسي أنجزت على ما يبدو قرارها الظني بحق سلامة وآخرين، وإنها بصدد تحويله إلى الهيئة الاتهامية بين نيسان وأيار المقبلين، قبل انتقالها في حزيران المقبل إلى وظيفة جديدة. ولفتت المصادر إلى أن القاضية الفرنسية لم تعد تحتاج إلى معطيات إضافية بعد زيارتها الأخيرة إلى بيروت، إلا أنها تريد القيام بكل الخطوات اللازمة، وهي ستعود إلى لبنان قريباً لاستكمال الاستماع إلى 18 شخصية من مصرفيين وموظفين إداريين إلى جانب الحاكم نفسه، على أن تصدر الاتهام رسمياً بعد عودتها إلى باريس. كما أن القضاء الألماني أنجز الملف الخاص بسلامة وشقيقه رجا، بعدما تبين أن النيابة العامة التمييزية في لبنان ممثلة بالمحامي العام رجا حاموش سلمت الوفد الألماني نسخة عن كامل كشوفات رجا سلامة في مصارف لبنانية، وأن عملية التحويلات المالية لنحو 300 مليون دولار باتت واضحة، ما يسمح للجانب الألماني بالتثبت من عمليات التبييض التي كانت تتم من خلال شركات متعددة ومن خلال عمل واسع في مجال العقارات.
وبحسب المصادر الحقوقية في باريس، فإن ما استجد قبل مدة، هو أن فريقاً لبنانياً من مناصري حاكم مصرف لبنان ومنهم من يعمل مع مصرفيين مثل رئيس مجلس إدارة “سوسيتيه جنرال” أنطوان صحناوي مارس ضغوطاً لعرقلة التحقيقات الفرنسية، بحجة أن من يقودون الحملة ضده تابعون لجهات سياسية لبنانية. ما استدعى حصول اتصالات انتهت إلى عقد وفد معني بملف سلامة اجتماعاً مع المستشار البارز في الإليزيه السفير إيمانويل بون، المعروف بمتابعته للملف اللبناني، لسؤاله عن حقيقة وجود ضغوطات لتجميد التحقيق. وبعدما استفسر بون عن الملف وعن المعطيات أكد للوفد بأنه ليست هناك أي ضغوط على القضاة أو الشرطة، وعادت السلطات الفرنسية لتمنح الغطاء المباشر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستمرار التحقيقات، علماً أن القاضية الفرنسية المعنية يشهد لها بقوة عملها خصوصاً ضد مسؤولين كبار في الدولة الفرنسية.
يشار إلى أنه كان مقرراً في التاسع من الشهر الجاري إصدار قرار بالتأكيد على حجز ممتلكات وأموال تعود إلى سلامة وأفراد شبكته، لكن تأخيراً حصل بعد إرسال مكاتب محاماة في بلجيكا وفرنسا تتولى الدفاع عن سلامة وشقيقه رجا، 3 مذكرات دفوع إلى القضاء الفرنسي تقع كل واحدة منها في 30 صفحة، ما تطلب من القاضية مراجعتها. إلا أنها عادت وحددت السابع من آذار المقبل موعداً لإصدار القرار نفسه.
وأشارت المصادر إلى أن التحقيق الفرنسي سيظهر أيضاً فضيحة كبرى في باريس أبطالها مصرفيون وآخرون كانوا يسهلون لسلامة أعماله، أبرزهم حاكم سابق للمصرف المركزي الفرنسي خضع للتحقيق.
الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار: مؤشرات على عقوبات أميركية على سلامة بتهمة دعم حزب الله لا بالفساد: هل اتخذت واشنطن قرار الفوضى الشاملة؟