في لبنان لا يختلط الحابل بالنابل صدفةً، ولا تصح مقولة الاستسهال الغبي “اننا في عصفورية”. فلا تسقط شعرة من رؤوس اللبنانيين إلا بأمر هذا وذاك من أرباب ما اصطلح على تسميتهم “منظومة”. فقضائياً، مفاجآت ومفاجآت مضادة، ومصرفياً تهويل ثم تهوين، ونقدياً دولار بأكثر من 73 ألف ليرة، والأنكى أن فقدان عملتنا الوطنية 98% من قيمتها لا يستدعي أكثر من قطع بضع طرقات بضع سويعات.
وأكدت مصادر متابعة للمستجدات المالية أنّ “مصرف لبنان لم يعد يتدخل في سوق القطع عارضاً الدولار كما يجب، في ما يشبه الضغط لعدة أهداف أبرزها تعجيل اقرار مشروع قانون ضبط التحويلات والسحوبات (كابيتال كونترول)، في موازاة تصميم رئيس مجلس النواب نبيه على التشريع في فترة الشغور، وإبقاء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل باب “البازار” مشرّعاً مع بري لحضور جلسة تشريع الضرورة ببنود قليلة محددة، مع عدم استبعاد الاكتفاء بعقدها بنصاب يؤمنه نواب أرمن محسوبون على التيار“.
ومصرفياً، تداخلت القضايا من صوب وآخر، فبعد الادعاء على بنك عودة بجرم تبييض الأموال، أجّلت القاضية غادة عون النظر في شكاوى ضد مصارف أخرى الى يوم غد الجمعة. وفي السياق، ظهر تباين لافت في التعاطي المصرفي مع طلب كشف السرية المصرفية. فمقابل رفض بنك عودة وتمنعه وتهديده بالويل والثبور وعظائم الأمور، كشف بنك لبنان والمهجر كما بنك الاعتماد المصرفي السرية ببساطة امتثالاً للطلب القضائي ووفقاً لقانون تعديل السرية المصرفية. لكن فجأة ظهرت دعوى أمس من النيابة العامة المالية ضد “الاعتماد المصرفي” مع استدعاء مسؤولين فيه للتحقيق الاثنين المقبل.
وإذ رأت مصادر المحامين المعنيين بالملف في خطوة النيابة المالية “محاولة لخلط الأوراق لإعادة توزيعها من جديد على نحو لا يفنى فيه الغنم ولا يموت الذئب، فليس سراً القول إن القاضيين علي ابراهيم وغادة عون ليسا على قلب رجل واحد”، علّق أحد المحامين المتابعين لتلك القضايا بالقول:”كل ذلك متوقع من بنك المنظومة وقضائها، لكننا لن نتخلى عن متابعة قضايا الهدف منها إنصاف المودعين وتنظيف القطاع المصرفي من شبهات تبييض الأموال“.
اما جمعية المصارف، وفي بيان شديد اللهجة، فقد انتصرت لبنك عودة واعتبرت ان “الادعاء عليه وغيره بتهمة تبييض الأموال يصيب الوطن في مقتل ويشكل خطراً محدقاً بالمصارف ولبنان”! مع تحذير من مغبة وقف البنوك المراسلة التعامل مع لبنان والإضرار بمصالح المودعين وتوقف التجارة الخارجية جراء فتح دعاوى تتهم البنوك بتبييض الأموال.
في المقابل تراجعت البنوك عن تهديد الاقفال التام مع ابقاء التهويل قائماً في “suspense” المناورات مع القضاة والسياسيين لوقف الدعاوى وإقرار الكابيتال كونترول للحماية من قضايا المودعين، مع علم جمعية المصارف ان الرئيس بري سيستمر في مسعاه لعقد جلسة الضرورة.
بيد أن مراجع قانونية استبعدت حماية البنوك من الدعاوى التي تقام في الخارج والتي ستأخذ زخماً مع تنفيذ تهديدات أطلقها رجلا الأعمال الإماراتي خلف الحبتور والأردني طلال ابو غزالة برفع قضايا دولية بمساعدة مكاتب محاماة عالمية مرموقة ضد عدد من المصارف اللبنانية.
في مقلب آخر، وفي موازاة الارتباك المصرفي الذي استدعى 3 بيانات تحذيرية وتهديدية وتهويلية في اسبوع، وهو أمر نادر الحصول، تنادت جمعيات المودعين لتنفيذ تحركات، متوعدةً بإمكان “الهجوم ليس فقط على مصارف بل على بيوت اصحاب مصارف أيضاً…”.
فهل دخلنا في الشوط الأخير من الأزمة المصرفية المتمادية التداعيات منذ أكثر من 3 سنوات؟ مصدر مصرفي قال لـ”نداء الوطن” إن “عدداً كبيراً من المصرفيين لا يريدون إلا تجنب السجن والحفاظ على الثروات التي جنوها، أما مصارفهم فليست إلا من أدوات الـchantage حالياً“.