فوضى مُرعبة يشهدها الشارع، من قطع الطرقات مروراً بما حصل على المصارف، وصولاً إلى حالات السرقة والنشل التي تحصل، كلها تجليات فوضى سياسية واقتصادية تنعكس على المجتمع، ولن تكون نتائجها حميدة، لأنها كرة ثلج، تكبر مع مرور الوقت حتى تصل إلى مرحلة الانفجار الكبير، وفي ذلك الحين، فإن أي من المحاولات لن تنفع للسيطرة على التداعيات، واحتواء الشارع.
في هذا السياق، اجتمع مجلس الأمن المركزي برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومشاركة وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية والقضائية، وتم التأكيد على المساعي المبذولة لحفظ الأمن، وعدم السماح للتخبّط السياسي بالانعكاس على الأمن والشارع. إلّا أن هذا يُعد ضرباً من المستحيل، إذ لا يُمكن فصل السياسة عن مجريات الحياة اليومية، وأي تطوّر سياسي سينعكس على المجتمع، إما إيجاباً أو سلباً.
وفي السياق نفسه، برزت كلمة ميقاتي التي استغرب فيها التحرّكات التي حصلت وحالات الشغب والاعتداءات التي حصلت على أملاك خاصة، وأوحت له هذه الأحداث الأمنية وكأن ثمّة “فقسة زر” تم اللجوء إليها لافتعال هذه التحركات، ما يزيد القلق من احتمال أن تكون الفوضى في الشارع مدبّرة من قبل أطراف سياسية، هدفها الاستثمار في الاستحقاقات.
مصادر متابعة للشأن أبدت تخوّفها مما يحصل في الشارع، وهو يأخذ وتيرة متصاعدة، لافتة إلى أن “غياب أي من الإجراءات الإصلاحية على الصعيدين الاقتصادي الاجتماعي، لمعالجة ارتفاع سعر صرف الدولار وتداعياته، سيكون له وقعه على الأرض، والفوضى الاقتصادية ستُترجم بفوضى اجتماعية في الشارع”.
وتساءلت المصادر في حديثها لجريدة “الأنباء” الإلكترونية عما إذا كان ثمة أطراف تلجأ إلى الاستمثار في معاناة الناس لإيصال رسائل ضغط لم تفلح بإيصالها في السياسة والقنوات الدبلوماسية. وشدّدت على أن التوجّه نحو حلحلة الاستحقاقات الدستورية باب لأي معالجة اقتصادية، تنعكس في ما بعد هدوءاً اجتماعياً، ويبقى الحوار هو الحل الأمثل.
إلى ذلك، شهد سوق القطع أمس انخفاض سعر صرف الدولار بشكل طفيف ظهراً، انعكس بشكل مباشر على أسعار المحروقات التي تراجعات بشكل طفيف، فتفاجأ المواطنون من سبب هذا التراجع الذي حصل، علماً أن سعر الصرف يتخذ مساراً تصاعدياً منذ فترة طويلة، متجاوزاً حافة الـ80 ألف ليرة، وما من مبرّرات مالية.
عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي الدكتور أنيس أبو دياب، رد الانخفاض الذي حصل إلى سبب وحيد، وهو المضاربة، واعتبر أن “صرّافي السوق السوداء لجأوا إلى خفض سعر الصرف بشكل طفيف لتشجيع الناس على بيع دولاراتهم خوفاً من الهبوط، فيكسب هؤلاء المضاربون دولارات جديدة، يرفعون السعر من جديد”.
وفي هذا الإطار، يعود الحديث عن صرّافي السوق السوداء وعدم قدرة الدولة على مكافحة عملهم، رغم القرارات القضائية العديدة التي صدرت في هذا السياق، وهنا، لفتت المصادر إلى “ضعف الدولة وأجهزتها، وعدم القدرة على اتخاذ أي إجراء لوقف نشاطهم “الإجرامي”، في حين من الواجب ضبط عملهم للسيطرة نسبياً على السوق، ولو أن ذلك لا يُشكّل حلاً مستداماً، مع ضرورة الذكر أنهم معروفو الهوية ومكان العمل”.
بدوره أشار ابو دياب في حديثه لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، إلى أن “لا سبب فعلياً لانخفاض سعر صرف الدولار، في ظل انسداد الأفق على صعيد انتخابات رئاسة الجمهورية، التوتر السياسي الحاصل، غياب الإصلاحات، وعدم عقد جلسة تشريعية، بل إن مسار الدولار تصاعدي”، مشدّداً على وجوب التوجّه نحو الحلول السياسية وانتظام العمل الدستوري، لمعالجة الأزمة الاقتصادية.
أما وعن الفوضى الحاصلة بالشارع، وإذ أكّد على معاناة اللبنانيين في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وفي حين لم يشأ التقليل من وقع هذه الظروف، رأى أن “الحركة الحاصلة لا تدل على أنها نتيجة وجع، وقد لا تكون بريئة”، إلّا أنّه توقع المزيد من مشاهد الفوضى في البلاد والمزيد من “الهزّات” الأمنية والاجتماعية، في ظل غياب الحلول والاجراءات الحمائية.
الخوف من تصاعد وتيرة الفوضى مشروع، وهي التي لا تجر إلّا الى النتائج الدموية، ومن المعروف أن كل تخبّط أمني يكون مسبوقاً بتحركات اجتماعية احتجاجية، لذلك من الضروري استدراك الحال والتوجّه نحو الحلول مباشرةً وبشكل سريع، وإلّا فإن “ما لا تُحمد عقباه” في انتظارنا.