فيما لا تزال الترتيبات السياسية الجديدة حول سورية عنوان التحرك النشط في الإقليم، سواء في ضوء زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى سلطنة عمان وتشجيعها على لعب دور فعال في تعزيز وحدة الموقف العربي، أو في ضوء المواقف السعودية الواضحة بالدعوة لإعادة وصل ما انقطع في العلاقة مع سورية، جاءت المجزرة الصهيونية في نابلس مع ارتقاء عشرة شهداء وبيانات التهديد بالرد المناسب من فصائل المقاومة في غزة ومن عرين الأسود التي فتحت الباب للتطوع رداً على المجزرة، لتقول إن كل ترتيبات المنطقة لن تصنع الاستقرار ما دام خطر الانفجار الكبير يأتي من فلسطين، في ظل إدارة ظهر دولية وغربية خصوصاً للجرائم الصهيونية، والتغاضي التام عنها، في ظل جهوزية استثنائية لتحويل كل حدث في الحرب الأوكرانية إلى موضع لمساءلة روسيا بداعي الحرص على المدنيين وحماية حقوق الإنسان.
على إيقاع الإيجابيات الآتية من الخاصرة السورية رغم هول المأساة، حيث كل انتفاح عربي وازن على سورية له مترتبات تريح لبنان واللبنانيين، وإيقاع القلق مما تحمله الأيام المقبلة في فلسطين من مزيد من المجازر، وحتمية الحضور الفلسطيني في الرد المناسب، أسوة بالرد على مجزرة جنين قبل أسابيع قليلة، تلقى اللبنانيون بذعر اقتراب موجة الهزات الأرضية التي تضرب من حولهم، فإذا كان زلزال السادس من شباط الذي أصاب تركيا وسورية قد أعاد تذكيرهم بالخطر، فإن الهزات التي تقع على خطوط زلزالية تتصل بالقشرة الأرضية للبنان، كهزة أول أمس التي عبرت من انطاكية الى الهرمل وصولاً إلى البحر الميت مروراً بالسلسلة الغربية لجبال لبنان، وما تلاها أمس من هزة ضربت في عرض البحر قبالة الصرفند، قالت إن التحرك النشط يدور حول لبنان وخطوط الزلازل التي ترتبط بالفوالق العابرة لجغرافيته، لكن الخبراء يجمعون على أن هذه الهزات التي تستهلك ما تجمع من طاقة بين تشققات الطبقات الجيولوجية وتبقى تحت مستوى ست درجات على مقياس ريختر، تضعف احتمال تجميع المزيد من الطاقة لهزات أقوى يتشكل منها زلزال يستدعي القلق. ويعتقد الخبراء أن الخط البياني لهذه الهزات باتجاه الأدنى فالأدنى من الدرجات علامة على أن تنفس الطبقات الأرضية يُخرج الطاقة المتجمّعة ويقطع طريق تجميعها لبلوغ مرحلة تشبه ما حدث في زلزال السادس من شباط، الذي قام بتحريض النشاط الزلزالي في منطقة مربّع يمتدّ عبر البحر المتوسط وخط الحدود التركية مع سورية والعراق وصولاً الى إيران، وخط يعبر جنوب إيران ومياه الخليج، ليلاقي خطاً رابعاً في بحر عمان وصولاً إلى البحر الأحمر ليلاقي خط البحر المتوسط والسلسلة الغربية لجبال لبنان وصولاً الى البحر الميت فالبحر الأحمر.
القلق والهزات لسان حال اللبنانيين مع سعر الصرف وغلاء الأسعار الاستهلاكية، وأضيف إليه أمس، ما جرى على الصعيد القضائي، حيث قام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بمراسلة وزير الداخلية بسام مولوي طالباً تجريد القاضية غادة عون من ذراع التنفيذ التي تمثلها الأجهزة الأمنية في ملاحقتها للمصارف. وكانت المصارف التي أعلنت الإضراب المفتوح قد أبلغت الحكومة ورئيسها أنها لن تعود عن الإضراب ما لم يتم وضع حد للملاحقات القضائية، وفي طليعتها تلك التي تقوم بها القاضية غادة عون، وفيما وجّه الوزير مولوي المراسلات اللازمة لقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، بناء على طلب ميقاتي، قالت مصادر حكومية إن جهاز أمن الدولة الذي كان يواكب مهام القاضية عون قد أبلغ وزير الداخلية تقيده بمضمون المراسلة، بينما أعلن التيار الوطني الحر أن ما قام به الرئيس ميقاتي هو تدخل فاضح في عمل القضاء من جهة، ودفاع عن مصالحه التي ستصاب نتيجة ما سيكشفه التحقيق مع المصارف من جهة مقابلة.
وبعد أسبوع من المساعي الحثيثة تمكّن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من لجم المسار القضائيّ الذي تقوده النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون ضد قطاع المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وذلك عبر كتاب وجّهه ميقاتي لوزير الداخلية بسام مولوي يطلب بموجبه من الأجهزة الأمنية عدم تنفيذ إشارات وبلاغات واستدعاءات القاضية عون بحق عدد من المصارف وحاكم مصرف لبنان.
ووفق معلومات «البناء» فإن باب الخيار القانوني بتنحية القاضي عون عن الملف مقفل ولا إمكانية للمدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات تنحية القاضية عون، لذلك لجأ ميقاتي الى تسوية عبر الاستعانة بالأجهزة الأمنية والطلب منها عدم التجاوب مع استدعاءات القاضية عون، الأمر الذي سيفتح الباب أمام فك إضراب المصارف بعد تلقيها ضمانات قانونية وأمنية، وبالتالي عودة الأمور إلى طبيعتها وفتح المصارف أمام المواطنين لإجراء العمليات المالية من تحويلات وسحوبات ومنصة صيرفة».
إلا أن مصادر مطلعة على الملف أوضحت لـ«البناء» أن المصارف بهذه التسوية فرضت شروطها على الدولة والحكومة وعلى القضاء، بعد استخدامها أسلوب ابتزاز الدولة بالمواطنين ورواتبهم وودائعهم ولقمة عيشهم بعدما أدى الإضراب ومضاربات المصارف في السوق السوداء الى ارتفاع جنوني بسعر صرف الدولار وارتفاع عشوائي بأسعار المواد الغذائية والمحروقات والخبز»، مشيرة الى أن «المصارف كسبت وقف المسار القضائيّ ضدها وأبقت الودائع بحوزتها وتعرقل التحقيقات اللبنانية والأوروبية بعمليات تبيض أموال وفساد وتعطل إقرار الكابيتال كونترول إذا لم يُقرّ بالصيغة التي تصبّ في مصلحتها وبالتالي تنسف خطة التعافي المالي والاتفاق مع صندوق النقد الدولي ولم تفعل أي شيء تجاه التضخم وارتفاع الدولار».
ووفق معلومات «البناء» فإن مصرف لبنان وبعد إنجاز التسوية «السياسية – الأمنية» لأزمة المصارف والقضاء، سيعلن عن سلسلة إجراءات وقرارات وتعاميم ستلجم سعر الصرف وستؤدي الى تراجعه الى حد كبير لتنفيس الاحتقان الشعبي.
وكان ميقاتي وجّه كتاباً الى وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي طلب فيه عدم تأمين المؤازرة أو تنفيذ أي إشارة او قرار يصدر عن القاضية غادة عون في أي ملف يثبت أنه قد جرى تقديم طلب مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال عون، وذلك لحين بتّ المرجع القضائي بهذا الطلب… واستناداً الى كتاب ميقاتي الذي طلب فيه اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات تجيزها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في سبيل تطبيق أحكام القانون ولمنع تجاوزه والمحافظة على حسن سير العدالة، وذلك بهدف منع تجاوزات القاضية عون للقانون.
بدوره، أصدر مولوي كتاباً وجّهه الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والى المديرية العامة للأمن العام، طلب منهم «ضرورة التقيّد بكتاب رئيس مجلس الوزراء المذكور آنفاً.»
ولفتت مصادر إعلامية إلى أن «المديرية العامة لأمن الدولة تسلّمت كتاباً من وزير الداخلية يقضي بعدم تنفيذ أي قرار صادر عن القاضية غادة عون إذا ثبت تقديم طلب مداعاة دولة وكضابطة عدلية، فإن أمن الدولة ستلتزم بتنفيذ قرار مولوي».
وأكد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، تمسّكه بـ»استقلالية القضاء وبمبدأ فصل السلطات وبعدم التدخّل في عمله»، مشدداً على «حرصه المطلق على مكانة القضاء ومنعته وحقوق المتقاضين».
ووفق ما يقول خبراء قانونيين لـ«البناء» فإن «كتاب ميقاتي للأجهزة الأمنية مستغرب، لأنه يشكل تدخلاً بعمل القضاء وهو أي ميقاتي لطالما أعلن مراراً أنه لن يتدخل بعمل القضاء لا سيما في ملفي ملاحقة المصارف وحاكم مصرف لبنان وملف تحقيقات مرفأ بيروت»، موضحين أن الضابطة العدلية تتبع للنائب العام التمييزي وليس وزير الداخلية.
واللافت أن التسوية كانت بين ميقاتي ووزير الداخلية وليس بين ميقاتي والقاضي غسان عويدات الذي لم يقم بأي خطوة أو إجراء قانوني، ولم يصدر أي إشارة أو بلاغ للأجهزة الأمنية بشأن بلاغات واستدعاءات القاضية عون. ما يفسّر على أن عويدات رفض التدخل لكف يد القاضية عون لكي لا يتهم من الجهات الدولية بأنه يعرقل التحقيقات مع المصارف المتهمة بقضايا فساد وتبييض أموال.
وناشدت القاضية غادة عون السلطات الدولية في البرلمان الأوروبي للمساعدة في الدفاع عن سيادة القانون، مشيرة الى أن «رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتدخل بشكل فاضح في العدالة من أجل وقف التحقيقات التي أجريها في قضية البنوك وتبييض الأموال، من خلال مطالبة وزير الداخلية بسام مولولي بعدم تنفيذ أوامر مدعي عام جبل لبنان».
إلا أن المكتب الإعلامي لميقاتي رد سريعاً في بيان، مؤكداً أنه «لم ولن يتدخل في عمل القضاء، بل انطلق في بيانه من كتب وردته وتتضمن عرضاً مفصلاً لمخالفات منسوبة لبعض القضاة. وقد نقل دولته بأمانة قانونية مضمون تلك الكتب الواردة».
وشدّد على أن «القضاء المختصّ يبقى صاحب الصلاحية بممارسة مهامه كاملةً وباستقلالية مُطلقة دون أيّ تدخّل من قبل أي سلطة أو جهاز، إلا أن ذلك يبقى مشروطاً بأن تكون تلك الممارسة ضمن سقف القانون ولا تشكّل تعدياً صارخاً على القواعد القانونية، وأن مسؤولية الجميع، كلّ من موقعه، هي المحافظة على القطاع المصرفيّ دون أن يعني ذلك قطعاً جعل أي مصرف بمنأى عن أي ملاحقة أو مساءلة أو عدم إخضاعه للتحقيق ومحاسبته حتماً في حال ثبوت ارتكابه لأي مخالفة أو تجاوزات قانونيّة، ولكن مع مراعاة أصول الملاحقة والمحاكمة التي هي بحمى الدستور والقانون».
في المقابل خرج المجلس السياسي للتيّار الوطنيّ الحرّ ببيان تصعيديّ ضد ميقاتي، ولفت إلى أن «ميقاتي يستغلّ فترة الفراغ للإمعان في ضرب الشراكة والميثاق ويتصرّف كأن المنظومة الدستورية للحكم مكتملة في غياب رئيس الجمهورية وفي ظل حكومة تصريف أعمال، وآخر هرطقاته أن حكومته القاصرة، لها الحق أن تجتمع وتعيّن أو تسوّي قرارات استثنائية متّخذة سابقاً أو كل ما من شأنه أن يعمل على تعميم الفوضى الدستورية والقانونية، وأروع ابتكاراته القانونية، توجيهه رسالة إلى وزير الداخلية يطلب منه اتخاذ الإجراءات اللازمة لحسن سير العدالة وكأنه وزير للعدل، فيما يعني أنه يطلب منه تدخلاً واضحاً للأجهزة الأمنية في وقف عمل القضاء والوزير القاضي ينفّذ التعليمات بنحر القضاء. وهذا إن دلّ على شيء، إضافة الى ضرب الجسم القضائي ضربة إضافية وقاضية، فهو يدلّ على خوف السيد ميقاتي ممّا يمكن أن يطاله من هذه التحقيقات في المصارف واستقتاله بالقيام بأي شيء لوقفها، إضافةً لحماية شريكه حاكم مصرف لبنان».
ولفت التيار الوطني بعد اجتماعه الدوري برئاسة النائب جبران باسيل، الى «أربعة أعداء يرفض ان يكون لأي منها الكلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي وهي: إسرائيل والإرهاب والفساد والفوضى». وحذّر التيّار من «خطورة ما يتمّ رسمه تنفيذاً لأجندات خارجية في ظل تجمّع عناصر الانفجار بدءًا بانفلات الدولار وإقفال المصارف مروراً بالضغوط المعيشية على الناس لدفعهم الى الشارع، وذلك بهدف فرض رئيس رغم إرادة اللبنانيين وتحت وطأة الفوضى».
وبقي الملف الرئاسي في دائرة المراوحة مع مؤشرات إيجابية خجولة تتمثل داخلياً بقناعة مختلف الأطراف بأن أحداً منها لا يمكنه فرض مرشح على الآخر لعدم امتلاكه الأغلبية النيابية ونصاب الانعقاد، وسقوط فرص المرشح النائب ميشال معوض، وعجز اللقاء الخماسي الذي عقد في باريس منذ أسابيع عن فرض رئيس على اللبنانيين ولا حتى مواصفات، بالتوازي مع ملامح تسوية للملف اليمني ظهرت أمس بالخطوة السعودية بإيداع مليار دولار بالمصرف المركزي اليمني، الأمر الذي قد يمهّد لتسوية سياسية للحرب في اليمن، وما قد ترتب من نتائج إيجابية على الملف اللبناني والدور السعودي في لبنان.
تشريعياً، علمت «البناء» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يستمرّ بمساعيه مع الكتل النيابية لعقد الجلسة التشريعية والاتفاق على جدول الأعمال الذي لم يعد يشمل بند ملف التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي صار بعهدة مجلس الوزراء من خلال مرسوم أو عبر عقد استشاري بقرار من وزير الداخلية. وتوقعت مصادر المعلومات أن يبتّ بهذا الملف الأسبوع المقبل الذي سيشهد جلسة لمجلس الوزراء يجري ميقاتي مروحة اتصالات مع الوزراء للاتفاق على جدول أعمالها.
على صعيد آخر، أفاد المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية عبر تطبيق «Lebquake»، بحصول هزتين متتاليتين في البحر قبالة الشاطئ الجنوبي الأولى عند الساعة 18:43 بالتوقيت المحلي قوتها 3,5 درجات على مقياس ريختر على بعد 85 كلم من بيروت، والثانية عند الساعة 18,58 قوتها 3,6 درجات على بعد 73 كلم من بيروت.
ونجت عائلة محمد فقيه بأعجوبة وهم نيام جراء سقوط سقف غرفة نوم أطفاله في بلدة طيردبا في قضاء صور، جراء الهزة الأرضيّة التي شعر بها سكان البلدة والجنوب في الثامنة من صباح أمس.
وكان ميقاتي تفقد «المركز الوطني للجيوفيزياء» في بحنس، مشدداً على أن «هيئة إدارة الكوارث اتخذت كل الإجراءات اللازمة، ووضعت كل الكتب والآلية الطبيعية لحماية المواطن، واتفقنا على إجراء تجارب على الأرض في عدد من المحافظات للتأكد من أن هذه النظريات هي نظريات حقيقية، مع دعائنا الدائم بأن يجنّب الله هذا البلد المخاطر ويحمينا جميعاً».
الرئيسية / صحف ومقالات / البناء: مجزرة صهيونية في نابلس وعشرة شهداء… والمقاومة في غزة وعرين الأسود يهدّدان هزة في البحر قبالة صيدا تؤكد التحرك النشط للزلازل حول لبنان… والخبراء يطمئنون ميقاتي يلبي المصارف بتجريد القاضية عون من ذراع التنفيذ… والتيار الوطني الحر يصعّد