ماذا يجري في مسقط من تحركات واجتماعات سياسية لافتة محاطة بستار من السرية؟ بالتزامن مع وصول موفدين اميركيين وعرب وايرانيين وخبراء ومستشارين، من دول عدة خلال الاسبوعين الماضيين، توجت يوم الاثنين الماضي بزيارة للرئيس السوري بشار الاسد الى مسقط ولقائه السلطان هيثم بن طارق وكبار المسؤولين، وسط حفاوة بارزة واجتماعات ثنائية مغلقة، ناقشت العلاقات العربية – العربية والاتصالات بشأنها، في ظل قرار عربي بالانفتاح على دمشق، وتسوية الخلافات معها ومساعدتها. وفيما اشاد الرئيس الاسد بالدور العماني حيث قال: «ان المنطقة بحاجة اكتر واكثر الى دور مسقط وعملها»، تلاقى هذا الكلام مع تصريح وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان وصف فيه مسقط بانها «مركز المحادثات الاقليمية لملفات المنطقة، ولعبت دورا خيّرا بالنسبة لايران وسائر الملفات الاقليمية».
والسؤال الاساسي، هل تلعب سوريا دورا في تقريب المسافات بين طهران و الرياض، في ظل العلاقات السورية الجيدة بين البلدين، خصوصا ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ابلغ الجميع ان الهم السعودي الاول هو اليمن، وقبل حل الملف اليمني لن تتدخل في ملفات المنطقة ولن تقدم المساعدات لاي دولة، ومن يساعدنا في حل الملف اليمني سنمد له يد العون؟ هذا الموقف السعودي كشف عنه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في مقابلته التلفزيونية الاخيرة. وقد ظهر الحرص السعودي على حل الملف اليمني في الايام الاخيرة، بتقديم الرياض وديعة بمليار دولار لليمن لدفع الرواتب لجميع الموظفين وتنفيذ مشاريع عدة.
واللافت للمتابعين، ان مسار الحلول للخلافات العربية – العربية بدأ يأخذ منحى ايجابيا، ظهرت بوادره بين السعودية وسوريا باعتراف مسؤولي البلدين، والمنطقة متجهة الى مسار جديد، ودفن مرحلة «الربيع العربي» التي بدأت عام ٢٠١١، وفتح صفحة جديدة من المصالحات، ستنعكس حتما على لبنان عبر التفاهمات السعودية – السورية « س – س».
المنطقة اليوم امام نهاية حقبة الـ ٢٠١١ وبداية حقبة جديدة، سيكون لبنان شريكا اساسيا فيها، وواشنطن في اجواء التفاهمات التي تقودها مسقط والامارات والقاهرة بغطاء سعودي، لكن ذلك لا يسقط احتمال بقاء المناوشات والتوترات في لبنان خلال المرحلة الانتقالية، نتيجة وجود طبقة سياسية عاجزة عن تنظيم خلافاتها، وتنتظر الخارج وتدخله لفرض تسوية، على غرار الدوحة عام ٢٠٠٨، وهذا هو المخرج الوحيد للاستحقاق الرئاسي.
العلاقة بين باسيل وحزب الله
الصورة الاقليمية الايجابية، لم تنعكس على الملف الرئاسي، حيث الخلافات عاصفة بين الجميع، والرسائل اليومية لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى حارة حريك حول الاستحقاق الرئاسي لم تتوقف، والرد الوحيد للحزب: «نحترم خياراتك ومواقفك وقراراتك، واعمل اللي بريّحك».
وفي هذا الاطار، علم ومن مصادر متابعة للملف الرئاسي، ان آخر طروحات جبران باسيل سعيه للقاء الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لعرض لائحته الرئاسية عليه والنقاش فيها، وتتضمن: بيار الضاهر، فريد البستاني، جهاد ازعور وزياد بارود، وجرى طلب الموعد منذ اسبوع عبر اتصال من باسيل بالحاج وفيق صفا، وسئل باسيل «هل تتضمن لائحتك اسم سليمان فرنجية»، اجاب بالنفي. فقيل لباسيل: «انت تعرف موقفنا من دعم فرنجية، وجرى الحديث معك في الاسم خلال لقائك سماحة السيد منذ ٣ اشهر، فكيف لا تتضمن لائحتك اسم فرنجية اذا كنت تريد حوارا جديا؟ فمن الممكن خلال الحوار ان يتم دعم فرنجية او البحث عن خيار آخر. فلم يتم تلبية طلب باسيل، وعاد وطلب الموعد مجددا، ولم يأت الجواب»، وابلغ «مش وقتو». عندها رفع رئيس التيار سقف مواقفه السلبية تجاه الامين العام لحزب الله في الاحتفال الشبابي الاخير في حضور الرئيس ميشال عون، لكنه عاد في اليوم التالي وارسل اشارات انه لا يقصد مطلقا السيد نصرالله، ويكنّ له كل الاحترام والتقدير.
ورغم كل هجمات باسيل ورسائله السلبية، فان حزب الله التزم الصمت وعدم الرد، واكتفى باعلان مواقفه المعروفة، وحرص على العلاقة مع التيار، وعدم اقحام البلاد باية توترات في هذه الظروف الصعبة. ومن المتوقع ان يتحدث السيد نصرالله يوم السبت عن كل ما يراه مناسبا.
وحسب المتابعين لاجواء الاتصالات، الطلاق وقع في الملف الرئاسي بين حزب الله وباسيل والجروح عميقة، لكن رئيس التيار في المقابل، لم يهدد بالخروج من تفاهم مار مخايل، ومصرّ على حصر الخلاف بالملف الرئاسي اعلاميا، رغم ان اوساطا في ٨ آذار تتهم باسيل بانه يقدم اوراق اعتماده الجديدة للاميركيين من خلال التصويب على السيد نصرالله، لعل ذلك يساهم برفع العقوبات الاميركية عنه، كمقدمة لاعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية.
هذه التحركات اليتيمة في الملف الرئاسي، لم تؤد الى اي خرق يمكن البناء عليه، فالمواقف معروفة والاتصالات تراوح مكانها، والصالونات السياسية تعج « بكلام وكلام « شبيه باحاديث « نسوان الفرن «، ولا افق حاليا لانجاز الاستحقاق الرئاسي الا بتدخلات خارجية، عربية بالتحديد، اما صرخة ميقاتي للنواب ومناشدته لهم الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، والنزول الى الشارع حتى انتخاب الرئيس، لا تقدم ولا تؤخر مطلقا، كونه يعرف «البير وغطاه»، حتى انه لم يسلم من «النيران الصديقة»، وآخرها كان من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن استجرار الغاز من مصر، و»التفشيخ» في هذا المجال.
الانتخابات البلدية
وزير الداخلية القاضي بسام مولوي مصر على اجراء الانتخابات البلدية في موعدها في ايار، كما اكدت مصادر وزارة الداخلية لـ «الديار»، و نفت كل التسريبات والشائعات عن تأجيلها، وكشفت ان وزارة الداخلية انجزت كل الامور اللوجيستية، ووزير الداخلية يسعى مع الجهات الدولية المانحة لتأمين ٨ ملايين و٤٠٠ الف دولار، كلفة اجراء الانتخابات البلدية، وهناك وعود جدية بالتمويل، وسيطلع اللبنانيين على كل الاجراءات قريبا.
وفي المقابل، اعلنت «القوات اللبنانية» دعمها لوزير الداخلية وتمسكها اجراء الانتخابات البلدية في موعدها، فيما التزمت جميع القوى السياسية الاخرى الصمت، مع ميل لتأجيلها سنة حتى انتخاب رئيس الجمهورية، ويدعم هذا التوجه التيار الوطني الحر. وهناك مرجعيات سياسية تؤيد التأجيل لا ستحالة اجرائها في هذه الظروف، لكن التأجيل لسنة يحتاج لمرسوم من مجلس النوا،ب لا يمكن اصداره في ظل تعثر العمل التشريعي جراء المقاطعة المسيحية، هذا الامر يشكل معضلة امام صدور مرسوم التمديد .
اما بالنسبة للتحضيرات الشعبية والحزبية فهي غائبة كليا، ولم تصدر الاحزاب اية تعليمات تتعلق بالتحضيرات حتى الآن.
وتبقى المشكلة بلدية بيروت، في ظل اصرار القوى المسيحية على تقسيمها، ورفض وزارة الداخلية هذا الطرح.
ميقاتي وكف يد القاضية عون… واضراب المصارف
على صعيد آخر، طلب ميقاتي من وزير الداخلية كف يد القاضية غادة عون، وعلى الفور طلب مولوي من قوى الامن الداخلي والامن العام عدم تنفيذ المذكرات القضائية الصادرة عن غادة عون، والتي ردت بالتأكيد على الاستمرار في عملها واصدار قراراتها، وتلقت دعما من وزير العدل انتقد فيه موقف ميقاتي، متمسكا باستقلالية القضاء وعمل السلطة القضائية. ومن المتوقع ان يساهم قرار ميقاتي بوقف المصارف لاضرابها اليوم خلال الاجتماع المالي الذي يترأسه في السراي، بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة و»جمعية المصارف» للبحث في الاضراب وارتفاع الدولار. هذا المطلب بكف يد القاضية عون تمسكت به المصارف لوقف اضرابها، بعد سلسلة الاجراءات التي اتخذتها ضد العديد منها.
التمديد للواء ابراهيم
ملف التمديد لمدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم يحظى بغطاء عربي ودولي، في ظل ما حققه الامن العام من انجازات، هذا الملف يتولاه شخصيا ميقاتي الذي التقى الخليلين لهذه الغاية منذ ايام، وتم النقاش في اكثر من صيغة، ووعد رئيس حكومة تصريف الاعمال خيرا، وكلف فريقا قانونيا لدرس الاقتراحات المطروحة وانجازها سريعا، كون اللواء ابراهيم يحال الى التقاعد في ٣ آذار. ويخشى ميقاتي من اقدام عدد من المديرين العامين الى الطعن امام مجلس شورى الدولة اذا تم التمديد للواء ابراهيم واستثنائهم من القرار، كونهم يملكون المواصفات القانونية التي تنطبق على اللواء ابراهيم. كما طالب باسيل ان يتم التمديد لمديرة عام الطاقة، وعودة بدري ضاهر الى مركز عمله، ويخشى ميقاتي ايضا ان يفتح التمديد بابا للمزايدات عليه ومجالا للسجالات، لذلك يدرس الخيارات القانونية، مكررا «ان شاء الله خيرا».
الاهتراء في مؤسسات الدولة
الاستعصاء في الملف الرئاسي، وتفاقم المشاكل والعجز عن ايجاد الحلول، بدأت تنعكس على وجود الدولة وهيبتها، وظهر ذلك حسب المتابعين العسكريين، من خلال استسهال استخدام السلاح لحل المشاكل بين المواطنين في احياء مكتظة بالسكان، وآخرها داخل مدينة بيروت، كما ارتفاع نسبة عمليات القتل والانتحار في كل المناطق، وانتشار المخدرات وبيوت الدعارة والفلتان الاخلاقي وتزايد السرقات، وبدأ ينعكس ذلك على حركة المواطنين خلال الليل. هذه الاوضاع السيئة تشكل الملاذ الامن والبيئة الجيدة لانتشار العصابات وتجنيد العملاء.
لكن الدليل الاكبر على عجز الدولة، ظهر من خلال الشلل العام في الادارات الرسمية، وعدم انجاز معاملات المواطنين بذرائع شتى، مع استمرار الاضراب المفتوح لموظفي القطاع العام، وعجز الحكومة عن تحقيق مطالبهم جراء عدم التوافق على صيغة حول النسب المالية المفترض تقديمها للموظفين.
اما الطامة الكبرى فتبقى في استمرار اقفال المدارس الرسمية منذ ٤٠ يوما دون التوصل الى حلول، مقابل اصرار روابط المعلمين على استمرار الاضراب نتيجة عجز الحكومة عن تحقيق كامل مطالبهم، وهذا ما سمعوه من ميقاتي مباشرة، فيما وزيرالتربية يسعى لحل يوفق بين امكانيات الدولة وحاجات المعلمين، مدعوما من نواب «اللقاء الديموقراطي» واتصالاتهم مع الحكومة والروابط، لكن دون اي نتيجة حتى الآن.
وما فاقم المشكلة التربوية، رفض الدول الاوروبية الالتزام بدفع الحوافز بالدولار طالما ترفض وزارة التربية دمج الطلاب السوريين باللبنانيين، ولجوئها الى تعطيل الدراسة للطلاب السوريين، بالاضافة الى عدم تقديم كشوفات مالية من قبل وزارة التربية عن كيفية صرف الحوافز المالية للمعلمين وقيمتها ٩٠ دولارا في الشهر. كما ان العلاقة متوترة جدا بين سفراء اوروبيين والحكومة في الملف التربوي، حتى ان سفير دولة اوروبية بارزة تحدث بشكل غير دبيلوماسي مع وزراء لبنانيين في الاجتماعات الاخيرة دون اي رد من الحاضرين.
وبالتالي فان العام الدراسي مهدد فعليا، علما ان باقي القطاعات ليست افضل حالا من القطاع التربوي، مع فشل كل الحلول لتأمين ادوية السرطان، مقابل الغلاء الجنوني لادوية السكري والضغط اذا وجدت، كما ان سعر ربطة الخبز تجاوز الـ ٤٥ الفا، والمواد التموينية على سعر ٩٠ الفا للدولار، وسط عجز حكومي، حيث تعمل الدولة على طريقة «سيري وعين الله ترعاك»، والامور من سيىء الى اسوأ، والآتي خطير جدا…