أي اثر مباشر محتمل يمكن ان يتركه الادعاء القضائي امس على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في عز احتدام مواجهة كبيرة ومتعاظمة وغير مسبوقة تتداخل فيها عوامل الصراع السياسي مع عوامل الصراع المصرفي – القضائي وفي أسوأ ظرف انهياري وأزمة فراغ رئاسي يمر بها لبنان ؟
في الواقع اكتسب هذا التطور الجديد، (رغم اعتبار البعض انه منسق لتوطين التحقيق وحماية سلامة من ادعاءات خارجية) ولو ان بعض مؤشراته السابقة لا تجعله حدثا مفاجئا، وقعا قويا إضافيا نظرا الى ما باتت تختزنه المواجهة القضائية – المصرفية من فائض خطير في التعقيدات وفي ظل ما تتسبب به من تسعير للصراع السياسي والسجالات البالغة الحدة بين فريق “التيار الوطني الحر” المنخرط بلا هوادة في الحرب على حاكم مصرف لبنان ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. ولكن الادعاء على سلامة امس اتسعت دائرة انعكاساته لجهة اثارة الكثير من التساؤلات والاحتمالات ليس اقلها ما اذا كان يمكن ان يؤدي الادعاء ومن بعده التحقيقات التي ستجرى الى توقف الحاكم سلامة عن مزاولة مهماته واي تداعيات مالية ومصرفية ستنشأ عن هذا الاحتمال وما قد يستتبعه من اثار مالية وسياسية. ولا تأتي اثارة هذا الاحتمال من فرضيات بل ان ما يؤكد جدية الامر وخطورته هو ان سلامة نفسه سارع عقب اعلان نبأ الادعاء عليه الى التبرؤ مما نسب اليه من اتهامات ولكنه قرن ذلك بإعلان استعداده لالتزام الإجراءات القضائية التي ستتخذ بعد الادعاء من دون إيضاح التفاصيل.
تبعا لذلك يبدو واضحا ان تعقيدات المواجهة المفتوحة اكتسبت درجة عالية من السخونة والتصعيد في ظل التخوف من انعكاساتها الجديدة على الازمة المالية وتدهور سعر الليرة واستفحال الارتفاع في سعر الدولار فضلا عن الانسداد الذي يرجح ان يطبع ازمة اضراب المصارف مجددا ولو ان معطيات كانت تشير الى امكان فك الاضراب في مطلع الأسبوع المقبل.
كما ان المشهد زاد سخونة لدى أصدار مجلس القضاء الأعلى بيانا بموقف سلبي من الاجراء الأخير الذي اتخذه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي فخرج مساء عن صمته واصدر بيانا جاء فيه:”تعقيباً على القرارين الصادرين عن السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير الداخلية والبلديات بتاريخ 22/2/2023، بالرقم 292/ص و11/س، بموضوع “إجراء المقتضى القانوني والحفاظ على حُسن سَير العدالة”،
وعملاً بمبدأَي فصل السلطات واستقلالية السلطة القضائية المكرّسين دستوراً وقانوناً، وتأسيساً عليهما، يدعو مجلس القضاء الأعلى السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير الداخلية والبلديات للرجوع عن القرارين المذكورين أعلاه اللذين يمسّان بهذين المبدأين، ويؤكد أنه يعمل على تأمين شروط إنتظام العمل القضائي وحُسن سَير العدالة، وذلك وفقاً للأصول والأحكام القانونية المرعية الإجراء، والمصلحة العامة والمصلحة العليا للدولة”.
لكن معلومات أفادت لاحقا ان ثلاثة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى اكدوا ان المجلس لم يعقد جلسة امس بسبب فقدان النصاب وانهم اعترضوا على البيان الصادر باسمه.
الادعاء على سلامة
اذن برز التطور الجديد في مجريات الازمة القضائية والمصرفية في ادعاء المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش امس على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعلى شقيقه رجا وماريان الحويك مساعدة سلامة، وكل من يظهره التحقيق “بجرائم اختلاس الأموال العامة والتزوير واستعمال المزور والاثراء غير المشروع وتبييض الاموال، ومخالفة القانون الضريبي”. واحال الملف مع المدعى عليهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، طالبا استجوابهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم.
وعلّق سلامة على القرار بعد ساعات قليلة فابلغ وكالة لـ”رويترز” قوله “بريء من لائحة التهم الجديدة المنسوبة الي”. واضاف:” سألتزم بالإجراءات القضائية بعد الاتهامات الجديدة”. ولكن افيد ان القاضي شربل أبو سمرا لم يكن تسلم امس بعد ملف التحقيقات التي ادّعى بها القاضي حاموش على سلامة وشقيقه ولذلك لم يحدّد جلسة بعد .
وكان مقررا يعقد في الرابعة من بعد ظهر امس اجتماع مالي في السرايا دعي اليه سلامة للبحث في آليات لجم تدهور قيمة الليرة وذلك بعد الاجراءات التي طلب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اتخاذها لكف يد القاضية غادة عون عن الملف المصرفي بما يدفع بالمصارف الى فتح ابوابها من جديد. ولكن الاجتماع لم يعقد وربط السبب بالادعاء على سلامة.
تفاعلات
وفي غضون ذلك اشتدت حدة الصراع المتصل بالخطوة التي اقدم عليها ميقاتي اذ هاجمه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مجددا بعنف وقال أنّ “الأكيد ان اركان المنظومة والموجودين على رأس السلطات السياسية يشعرون ان الخناق يديق عليهم فاستشرسوا بالدفاع عن نفسهم وعن شركائهم رياض سلامة وبعض المصارف”. واضاف “وصلت معهم أن يطلبوا من الأجهزة الأمنية أن لا تنفذ أوامر السلطة القضائية . قمة الإفلاس والوقاحة السياسية أن رئيس حكومة يطلب من وزير الداخلية هذا الشيء علنا والقاضي ينفذ كأنه مأمور”.وتابع “حاولوا إجهاض التدقيق الجنائي والتحقيق القضائي المحلي والخارجي ولن يتجاوبوا مع أكثر من 36 رسالة من طلبات القضاء الأوروبي لحتى انجبروا تحت العقوبات بأن يدّعي القضاء اللبناني على رياض سلامة وبعض شركائه بتهمة اختلاس أموال عامة وتبييضها”. وختم “الأيام جايي أسقطوا الإصلاحات وطيروا صندوق النقد حتى لا يحاسبهم أحد على سرقة الودائع ولكن سوف يتحاسبون”.
من جانبها، أكّدت القاضية عون، التي نفذ انصار “التيار الوطني الحر” وقفة تضامنية معها امس امام قصر العدل أنّها ستتعاطى مع القرار الصادر عن مولوي، “كأنه لم يكن كونه صدر عن مرجع غير مختص سندا للاصول الجزائية”. وأفادت ان الجهة المدعية على المصارف اكدت بأنها ستتقدم بدعوى ابطال قرار مولوي امام مجلس شورى الدولة.
بدوره حمل “نادي قضاة لبنان” على كل من رئيس الحكومة ووزير الداخلية واتهمهما بانهما “آثرا أن يذكرا الشعب اللبناني اليوم بأنهما وسائر الطبقة السياسية في البلاد يعيشون في زمن القرون الوسطى حيث لا قانون ولا شريعة تعلو على إرادة “الأسياد”، فلم يتورّعا عن الطلب من القوى الأمنية عدم تنفيذ قرارات قضائية صادرة عن النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان، وذلك لأسباب وحجج متصلة بعملها كقاضٍ لا يعود لهما أمر تقييمها أو ترتيب نتائج قانونية عليها، لأن تصويب الأفعال المشكو منها والمحاسبة يعودان للمراجع القضائية المختصة”. ورأى أن “هذا التدخّل السافر يشكّل خطيئة كبرى وسابقة خطيرة تجافي أبسط المبادئ القانونية، وينبغي الرجوع عنها فوراً من دون إبطاء.” ودعا “المراجع القضائية ووزير العدل إلى التصدي لهذا الإعتداء السافر مع احتفاظه لنفسه بحق اتخاذ أي موقف إضافي تصعيدي عند الإقتضاء”.
اول حكم
اما التطور الإيجابي الذي برز وسط هذه الأجواء التصعيدية فبرز في اعلان مكتب الادعاء في نقابة المحامين صدور أول حكم قضائي في الأساس، خارج لبنان، في قضية تفجير مرفأ بيروت . واوضح ان محكمة العدل العليا البريطانية أصدرت حكماً لصالح الضحايا الذين يمثّلهم مكتب الإدعاء ضد الشركة الإنكليزية SAVARO ، في الدعوى المدنية التي أُقيمت ضدها في 2 آب 2021، بعد أن تمكّن المكتب بوقف عملية التصفية التي أطلقتها الشركة في أوائل العام ٢٠٢١ للتنصل من مسؤوليتها. أضاف “بعد سنة ونصف السنة على إنطلاق الدعوى المدنية ضد الشركة وتبادل اللوائح وعقد جلسات عدة، حكمت محكمة العدل العليا بمسؤولية الشركة تجاه الضحايا الممثلين في هذه الدعوى، وإفتتحت المرحلة الثانية من المحاكمة، وهي مرحلة تحديد قيمة التعويض الذي سيستحق للضحايا”.
في المشهد السياسي ووسط جمود يتمدد تباعا وشلل مجلس النواب عقب الفشل في تامين عقد جلسة تشريعية أعتبرت امس “كتلة الوفاء للمقاومة” انه “استنادا الى مبدأ فصل السلطات واستقلالها لا مانع دستوريا من أن يواصل المجلس النيابي دوره التشريعي إبان الفراغ الرئاسي. وفي ضوء ذلك، يصبح من الأولى ايضا، ان تنعقد الجلسات النيابية للتشريع استجابة لمقتضيات الضرورة الوطنية الملحة تلافيا للاسوأ وحفاظا على مصالح الناس”.