في سياق مطابق للمعلومات الديبلوماسية التي توقعت عبر “نداء الوطن” استعصاء الحلول الرئاسية في الأمد المنظور، لم يُخفِ البطريرك الماروني بشارة الراعي هواجسه وخشيته أمس من “أن تطول مدة الشغور كما تشير غالبية المعطيات”، مجدداً التصويب في عظة الأحد على مخطط “ضرب رأس الدولة” ضمن إطار أجندة “مشاريع تورّط لبنان وانتخاب رئيسه أكثر فأكثر في اللعبة الإقليمية والدولية”، ليكثف في المقابل جهوده الهادفة إلى لبننة الاستحقاق ومحاولة جسر الهوة في توجهات الكتل الرئيسية الرئاسية. إذ علمت “نداء الوطن” أنّ راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران انطوان أبو نجم بصدد القيام بجولة ثانية على القيادات المسيحية ناقلاً اقتراحات من البطريرك الماروني تأسيساً على نتائج جولة أبو نجم الأولى التي استمع خلالها إلى مواقف هذه القيادات ومقاربة كل منها للأزمة الرئاسية والنظرة إلى سبل الخروج منها.
وفي سياق معاكس لرياح “الهندسات” السياسية والمالية وراء خطوة الادعاء اللبناني على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان حويك، لا يبدو مركب التحقيقات الأوروبية الذي انطلق في قضية اتهام الأخوين سلامة وآخرين بعمليات تبييض أموال تقدّر قيمتها بما بين 300 و500 مليون دولار بصدد الانكفاء أو التراجع، سيّما في ظل ما عكسته المعطيات التي نقلتها صحيفة سويسرية ناطقة بالألمانية وأكدتها مصادر منظمة “المحاسبة الآن” لـ”نداء الوطن”، لناحية “البدء في التحقيق مع 12 مصرفاً في سويسرا يشتبه بتورطها في عمليات التبييض هذه“.
وأشارت المعلومات في هذا الملف إلى مصرفين لبنانيين في جنيف (عوده وبنك ميد) ضمن الدعوى التي رفعتها المنظمة، وبدأت سلطات الرقابة المالية السويسرية التحقيق فيها، بالإضافة إلى بنوك أخرى مدعى عليها، من بينها “أتش اس بي سي” العالمي، “يوليوس بير” السويسري، “يو بي اس”، “كريدي سويس”، “أي اف جي” و”بيكتيت“.
وفي التفاصيل، تبيّن أن هناك تتبعاً دقيقاً لمرور تحويلات مالية هي نتاج عقد شركة “فوري” التي تدور حولها شبهات في القضية (كاستخدامها من آل سلامة لاختلاس مال عام، وهذا ما ينفيه حاكم مصرف لبنان)، وتجري بشأن هذه العمليات والتحويلات تحقيقات أوروبية ولبنانية، مع احتمال انضمام دول أخرى لاحقاً إلى التحقيق “لأن ثمة شبكة عابرة للقارات متصلة ببعضها تستوجب تعاوناً قضائياً دولياً بكل ما للكلمة من معنى” وفق مصادر مطلعة على مجريات القضية.
وترقبت مصادر أخرى مواكبة للملف ظهور “مفاجأة” خلال الأيام المقبلة “تحسم كل النقاط العالقة بالوثائق الدامغة، وتضع المشتبه بهم في خانة المتهمين فوراً”، وهو ما سيضاف إلى تداعيات الجولة الجديدة للمحققين الأوروبيين العائدين إلى بيروت الشهر المقبل… إلا إذا رفض القاضي اللبناني شربل ابو سمرا (الذي أحيل إليه ملف الادعاء) التعاون بحجة أنّ القضاء اللبناني ادعى على سلامة وآخرين وقضي الأمر “لتأخذ العدالة مجراها محلياً فقط!”، علماً أن هناك محاولات تجري في المقابل لتنحية أبو سمرا عن القضية، بالنظر إلى وجود “تضارب مصالح في مكان ما، وعلاقة قربى مصرفية ليست في مصلحة حيادية التحقيق”، بحسب المعترضين.
على صعيد آخر، تفتح المصارف أبوابها اليوم وتعلّق إضرابها مدة أسبوع نزولاً عند “تمني” رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعدما طلب من الضابطة العدلية عدم التعاون في تلبية متطلبات قضية مرفوعة ضد 7 مصارف متهمة بتبييض الأموال.
وعلمت “نداء الوطن” أنّ جهات مصرفية محلية تلقّت “تطمينات أميركية لجهة بقاء بنوك مراسلة تتعامل مع بنوك لبنانية، وتفتح لها اعتمادات للاستيراد”. وقالت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” إنّ جمعية المصارف في بياناتها الأخيرة “كانت تمارس التهويل، عندما حذرت زوراً وتضليلاً من خطر قطع البنوك المراسلة الأجنبية علاقتها مع بنوك لبنان، لمجرّد أن مصرفين وجهت إليهما اتهامات تبييض أموال”، مؤكدةً أنّ “في لبنان أكثر من 40 مصرفاً يمكنها الاستمرار في علاقات فتح الاعتمادات مع البنوك المراسلة”، موضحةً أنّ “قطع لبنان عن العالم المالي ليس بالبساطة التي تهوّل بها جمعية المصارف “لغاية في نفس يعقوب”، وعلى الجمعية والجميع أن يعلموا أنّ ما بقي من بنوك مراسلة قليلة جداً هو بأمر سياسي أميركي، وهذا الأمر مستمر في التسهيل رغم إفلاس القطاع المصرفي اللبناني، ورغم القضايا المرفوعة ضده في الداخل والخارج“.
مالياً، توقعت مصادر نقدية أن يحاول مصرف لبنان الاستجابة لما طلبه ميقاتي لجهة خفض سعر صرف الدولار أو ضبطه في أضعف الإيمان، لكنّها شددت على كون “قدرة البنك المركزي باتت محدودة جداً، لأن ما بقي لديه من أموال أجنبية يشكل جزءاً اساسياً من صيغ الحل المطروحة لردّ ودائع لصغار المودعين، وبالتالي جلّ ما يستطيعه، نزولاً عند رغبة السياسيين، هو زيادة طلب الدولار من السوق ليعيد ضخه على منصة “صيرفة” لزوم تلبية السحوبات وفق تعميمي 158 و 161، بيد أن هذه العملية قد تؤدي إلى رفع سعر الدولار “إذا كان لا بد من الاستجابة للضغوط السياسية الخاصة بتكريس زيادة إفادة موظفي القطاع العام من دولار المنصة المدعوم، الذي هو حالياً أقلّ بما نسبته 45% عن سعر السوق الموازية“.