عقدت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي، الاثنين، جلسة هي الرابعة في ظل الفراغ الرئاسي، رغم كل الاعتراض الذي تواجهه من قبل بعض القوى السياسية، خصوصاً المسيحية التي تعتبر هذا الأمر «خرقاً للدستور».
ومع تأكيد ميقاتي أن جلسات الحكومة هي لتسيير أمور الناس، فإن ذلك يكرّس واقعاً كانت قد واجهته بعض الأطراف المسيحية انطلاقاً من رفضها التأقلم مع غياب الرئيس في الموقع المسيحي الأول، وهو الأمر الذي ينسحب على جلسات التشريع في البرلمان التي لا تزال تواجه معارضة شرسة وتحول دون قدرة رئيس البرلمان نبيه بري على الدعوة لها.
وهذه الإشكالية تحدث عنها ميقاتي في بداية الجلسة التي عقدت على وقع اعتصام العسكريين المتقاعدين، وحدّد جدول أعمالها بثمانية بنود، تم تأجيل ثلاثة منها؛ وهي التي تتعلق بتعويضات موظفي القطاع العام، وهو ما سيؤدي إلى استمرارهم بإضرابهم منذ أكثر من شهر، وهم الذين سبق لهم أن رفضوا الطرح الذي تم تداوله لمنحهم بدل إنتاجية يومية، معتبرين أنه يحوّلهم إلى «مياومين»، في حين تمت الموافقة على البند المتعلق بالأساتذة والقاضي بتخصيص 5 لترات بنزين كبدل نقل.
وقال ميقاتي في كلمته: «وجودنا اليوم لتسيير الشؤون الملحة للمواطنين والإبقاء على سير المرافق العامة، وللتأكيد أننا معنيون بكل لبناني، بكرامة عيشه وأمنه واستقراره، ولن نترك فرصة للتعاون مع جميع المعنيين لإنقاذ الوضع الاقتصادي والحرص على الودائع المصرفية والاستقرار والتوازن المالي».
وأكد في المقابل، أن «الأولوية تبقى لانتخاب رئيس الجمهورية، لكون هذا الانتخاب هو المدخل لإعادة انتظام العمل العام، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة، وإعطاء البلد فترة سماح لإعادة استنهاضه»، مشيراً من جهة أخرى إلى أنه «اجتمع مع شركة توتال التي أكدت أن مسار عملها يسير كما هو مقرر ومجدول، وأنهم بصدد البدء بكل الاختبارات اللازمة للبدء بعملية استخراج النفط».
وبعد الجلسة، أوضح ميقاتي أنه لم يتم اتخاذ قرارات ارتجالية، «بل اتخذنا فيها سلسلة قرارات ملحة تحاول معالجة الأوضاع المالية المتدهورة للموظفين لتأمين استمرارية المرافق العامة وإدارات الدولة، وطلبنا تأجيل بعض القرارات لفترة زمنية قصيرة في انتظار أن تصل إلينا الأرقام الدقيقة من وزارة المال وحجم الواردات»، واعداً الموظفين في المقابل بـ«متابعة الأمور خلال فترة أسبوعين على أقصى حد لكي نأخذ القرارات المناسبة؛ إذ لا نستطيع أن نعطي زيادات وبدلات لفريق دون آخر، ولا أن نعطي بدل إنتاجية دون أن ننظر إلى المتقاعدين من عسكريين وغيرهم».
ومع اعتبار مسؤول الإعلام في حزب «القوات اللبنانية» شارل جبور أن عقد مثل هذه الجلسات لا يكرس أمراً واقعاً ولا يعكس تسجيل نقاط لفريق على آخر، يجدد التأكيد على أن الحل يبقى بانتخاب رئيس للجمهورية، محملاً مسؤولية التعطيل لـ«حزب الله» وحلفائه.
ويقول جبور لـ«الشرق الأوسط» إن «لبنان في أزمة متعددة الأوجه؛ أحد أوجهها الشغور الرئاسي الذي ينعكس على السلطتين التنفيذية والتشريعية»، موضحاً أن «رئيس البرلمان لم يتمكن من الدعوة لجلسة تشريعية نتيجة الموقف المعارض الواضح انطلاقاً من أنه لا يجوز التشريع في ظل الشغور الرئاسي استناداً إلى الدستور الذي ينص على أن البرلمان يتحول إلى هيئة ناخبة، أما جلسات الحكومة فوضعها مختلف، بحيث يحق لها الاجتماع ضمن نطاق تصريف الأعمال الضيق، وفي الظروف الاستثنائية». ومع إشارته إلى أنه بالنسبة إلى «القوات»، فإن اجتماعات الحكومة السابقة لا تنطبق عليها صفة الضرورة والاستثنائية، يرى أن انعقادها لا يعني تكريساً لأمر واقع ولا تسجيل نقاط لفريق على آخر، مؤكداً أن «المكرس هو الشغور والأزمة المالية وعدم القدرة على تصحيح الخلل المالي والإداري والسياسي، في ظل هذه الأزمة التي نعيشها والتي لا يمكن معالجتها إلا من خلال انتخاب رئيس، ومن ثم تشكيل سلطات دستورية فعلية»، ويضيف: «إنما النقاط التي تسجل هي ضد لبنان واللبنانيين من قبل الفريق المتمسك بوجهة نظره، وهي إما انتخاب مرشحه وإما الفوضى»، رافضاً «اجتماعات متتالية للبرلمان ويصر على تطيبر النصاب».
من الناحية الدستورية، يؤكد الخبير القانوني والدستوري سعيد مالك أن الحكومة الحالية «تصرف الأعمال بالمعنى الضيق عملاً بأحكام الدستور، وجلساتها التي عقدت حتى الآن لا تكرّس عرفاً، إنما هو حق تكرس لها من خلال النص الدستوري».
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من المؤكد أنه لا يحق للحكومة عقد جلسات بشكل دوري ومنتظم للبحث بالقضايا العادية، إنما فقط بالحالات والأمور الضرورية والطارئة، بحيث يحملها عدم اجتماعها مسؤولية قانونية ويعرضها للملاحقة»، مشيراً في المقابل إلى أن «المواقف المسيحية وإن اجتمعت على رفض الجلسات، فإن كل فريق استند إلى معطيات معينة، بحيث إن (التيار الوطني الحر) يتحدث عن رفض الجلسات في غياب الرئيس، أما (القوات) فيعتبر أن هناك إمكانية لانعقادها بجدول أعمال ملح وضروري وطارئ».
وكان وزير الإعلام زياد مكاري قد أعلن عن مقررات الجلسة بعد انتهائها، مشيراً إلى أنه تمت الموافقة على طلب وزير المالية الموافقة على جباية الواردات، كما في السابق وصرف نفقات اعتباراً من الأول من فبراير (شباط) 2023 وحتى صدور موازنة عام 2023 على أساس القاعدة «الاثني عشرية».
وأشار إلى تأجيل البنود المتعلقة بالتعويضات ومنها تعويض إنتاجية الموظفين، معلناً عن تشكيل خلية أزمة في وزارة المالية لدراسة الموضوع من مختلف جوانبه بشكل علمي يراعي تأمين الحد الأدنى من مقومات العمل في القطاع العام ووضع المالية العامة مع ما يتناسب مع الأموال التي يفترض أن تصرف كمساعدات وتعويضات، كما أعلن الموافقة على اقتراح وزير التربية والتعليم العالي بإعطاء أفراد الهيئة التعليمية في المدارس الرسمية والمهنيات، ملاكاً ومتعاقدين، بدل نقل يومياً 5 لترات بنزين وفق آلية تصدر بقرار مشترك بين وزراء المالية والتربية والطاقة، وهو القرار الذي لا يبدو أنه سيلقى تجاوباً من قبل الأساتذة المستمرين بإضرابهم منذ أكثر من شهر.
وفي إطار القرارات المرتبطة أيضاً بحقوق ومساعدات الموظفين، أعلن عن إعطاء سلفة خزينة بقيمة 469 مليار ليرة لبنانية إلى هيئة أوجيرو للاتصالات لتمكينها من سداد رواتب وأجور العاملين لديها في النصف الأول من عام 2023، والموافقة على تخفيض تعرفة الرسوم الجمركية وفقاً للنظام المنسق.
من جهة أخرى، أعلن وزير الإعلام عن الموافقة على طلب الهيئة العليا للإغاثة استكمال أعمال مسح الأبنية المتصدعة وغير القابلة للسكن، نتيجة الهزة الأرضية أو العوامل الطبيعية من قبل البلديات، وتأمين سلفة بقيمة 100 مليار ليرة لبنانية بدل إيواء للوحدات التي توصي لجان الكشف بإخلائها.
الرئيسية / صحف ومقالات / الشرق الأوسط: الحكومة اللبنانية تعقد جلستها الرابعة في ظل الفراغ الرئاسي ميقاتي شدد على تسيير شؤون المواطنين