بعد طول أخذ وردّ وسيناريوات تمويهية لم تخلُ من المؤشرات التضليلية والمؤثرات التشويقية ترقباً لما سيؤول إليه مصير المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، قطع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “شعرة معاوية” نيابةً عن الثنائي الشيعي، معبّداً الطريق رسمياً أمام خروج ابراهيم من المديرية بعد غد لبلوغه السن القانونية للتقاعد، بعدما تقاذف الثنائي و”التيار الوطني” كرة عدم تشريع التمديد القانوني له في مجلس النواب، ونأى ميقاتي بمجلس الوزراء عن التمديد الإداري له.
وإذا كان رفض جبران باسيل تغطية عملية “قوننة” التمديد لابراهيم على رأس المديرية العامة للأمن العام شكّل العامل الحاسم في الإطاحة به، فإنّ مصدراً مواكباً لهذا الملف وضع الوزر الأكبر من المسؤولية في هذا المجال على كاهل الثنائي الشيعي الذي “غدر باللواء وضحى به عن سابق تصميم”، وأضاف: “لو كان الثنائي صادق النية في مسألة التمديد له لكان فعل ذلك منذ قدّم “اللقاء الديمقراطي” مشروعاً متكاملاً بهذا الصدد يطال كل المواقع العسكرية والأمنية المهدّدة بالشغور والذي تم وضعه على جدول الأعمال التشريعي لكنّ الجلسات كانت تُرفع دائماً كلما اقترب بند طرح المشروع“.
وإذ رفض المصدر محاولات “تحوير الحقائق” عبر اتهام المكوّن المسيحي بعرقلة التمديد لابراهيم، جزم في المقابل بأنّ “الثنائي كان يعلم مسبقاً، لا بل يراهن على موقف الكتل المسيحية الأساسية، برفض التشريع في ظل خلوّ سدة الرئاسة الأولى للتهرّب من مسؤوليته المباشرة في عدم التمديد له”، مشددةً على أنّه “كان بالإمكان إنجاز هذا التمديد قبل 31 تشرين الأول الماضي بدل إغداق الوعود على اللواء ابراهيم… لكن يبدو أنّ هناك من بدأ يتوجّس من تمدّد علاقاته الخارجية واتساع مروحتها فقرر “قصقصة أجنحته” وإعادة تحجيم دوره في اللعبة“.
ولمزيد من الاستدلال على عدم رغبة الثنائي الشيعي الجدّية في التمديد للواء ابراهيم، وضعت أوساط مراقبة كلام ميقاتي في مجلس الوزراء أمس الذي عدّد فيه مآثر “الراحل” عن المديرية العامة للأمن العام، في خانة تيقّن رئيس الحكومة مسبقاً من هذا التوجّه “وإلا ما كان ليأخذ بصدره حسم مسألة عدم التمديد والمخاطرة تالياً بردة فعل محتملة من وزراء “حزب الله” و”حركة أمل” تهدد ما تبقى من وحدة حكومته، فيما لو كان “الثنائي” يعتزم الضغط فعلياً لإبقاء ابراهيم على رأس المديرية العامة للأمن العام“.
وكان ميقاتي قد تحدث خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي أمس عن “مزايا اللواء ابراهيم وتقديماته وعطاءاته للوطن”، قبل أن يؤكد أنّ “مجلس الوزراء لا يمكنه القيام بشيء” للتمديد له بموجب القانون، مع إبقاء الباب موارباً أمام اتخاذ وزير الداخلية “إجراءً إدارياً” حيال الموضوع، حسبما ألمح وزير الإعلام عقب انتهاء الجلسة.
ومع انتهاء ولاية ابراهيم، تتجه الأنظار ترقباً لمن سيخلفه في تسيير شؤون مديرية الأمن العام، سيّما وأنّ نائبه الياس البيسري على وشك الإحالة بدوره للتقاعد، يليه الأعلى رتبةً بالأقدمية العميد رمزي الرامي ثم أسماء أخرى جرى التداول بها لتولي هذه المهمة، بينما كشفت المعطيات المتواترة أنّ الثنائي الشيعي يعمل على تقطيع الوقت بأي من هذه الأسماء، ريثما يصار إلى تحضير نائب المدير العام لأمن الدولة العميد حسن شقير لخلافة اللواء ابراهيم مديراً أصيلاً للأمن العام.
مالياً، وفي إطار مواكبة قضية التحقيق السويسري الجاري في الشبهات التي تحوم حول حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، لا سيما تلك ذات الصلة بشبهة تبييض أموال بقيمة تراوح بين 300 مليون دولار و500 مليون، أفادت مصادر متابعة لمستجدات الملف بأنّ الادعاء العام الفيدرالي السويسري وجّه خلال الساعات الأخيرة “كتاباً رسمياً إلى كل البنوك العاملة في سويسرا طلب بموجبه تزويده بكل حركة مالية، سواءً كانت تحويلات أو حسابات ادخار أو حسابات استثمارية، تعود للأخوين سلامة، رياض ورجا، و/ أو آخرين من الشركات وغيرها (على صلة بالقضية المنظور فيها) منذ العام 2008 لغاية تاريخه“.
أما على الساحة الداخلية، فيبدو أنّ حاكم المركزي رضخ لضغوط الطبقة الحاكمة بغية ضخّ المزيد من الدولارات عبر منصة صيرفة لزوم الاستمرار في تمويل رواتب القطاع العام بالدولار، الأمر الذي اضطره إلى اللجوء مجدداً إلى السوق الموازية طلباً للعملة الصعبة وهو ما أدى إلى ارتفاع مفاجئ بسعر صرف الدولار أمس بنحو 5 آلاف ليرة ليبلغ حدود 85 ألف ليرة مساءً.
وعزت أوساط مالية هذا الارتفاع بسعر صرف الدولار إلى “تخبّط أداء المنظومة السياسية، فهي تطلب الشيء ونقيضه في الوقت نفسه”، موضحةً أنّ “رئيس الحكومة يطلب من حاكم مصرف لبنان العمل على خفض سعر الدولار ثم يعود إلى الدفع بالتنسيق مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري باتجاه ضخّ المزيد من الدولارات عبر منصة صيرفة وهذا ما لا يكمن توفيره إلا من خلال “لمّ” الدولار من السوق ما سيؤدي حكماً إلى ارتفاع سعر الصرف على قاعدة قلّة العرض وكثرة الطلب”، ولفتت الانتباه في هذا السياق إلى أنّ “المصرف المركزي بات على شفير المسّ باحتياطي الـ10 مليارات دولار المتبقي للاستمرار في تلبية السحوبات النقدية بالدولار وفق التعميمين 158 و 161، علماً بأنّ هذا الاحتياطي يشكل جزءاً اساسياً من صيغة الحل المطروحة ضمن خطة التعافي لردّ ودائع صغار المودعين“.