كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: لم تخرج وقائع جلسة اللجان النيابية أمس عن مجريات المشهد العام المتأزم والمتمدّد في البلد، لكنها اختزنت في مدلولاتها مؤشرات بالغة الدلالة على مستوى ما بلغه الشغور في رئاسة الجمهورية من “هزّات ارتدادية” خطرة على أرضية العيش المشترك تحت وطأة إيغال أوصياء الحكم والحكومة في عملية القفز فوق موقع الرئاسة الأولى والإمعان في سياسة تدجين الأداء الرسمي على تسيير شؤون الدولة “بلا رأس”… على قاعدة التعامل مع الفراغ الرئاسي كأمر واقع ينبغي التعايش معه وتهميش تداعياته على مسار الأحداث الناظمة للحياة العامة اللبنانية.
فبمعزل عن الجدل الدستوري والقانوني حول أحقية الحكومة المستقيلة من عدمها في تصريف الأعمال، وعن أحقية المجلس النيابي من عدمها في التشريع في ظل خلو سدة الرئاسة الأولى، لا ريب في أنّ خطورة ما عكسته مناخات النقاشات الحادة في جلسة اللجان المشتركة تكمن في أنّ الشغور المستدام دخل مرحلة اللعب في “النار الطائفية” وتأجيجها حكومياً ومجلسياً، لا سيّما في ضوء الانقسام العامودي الذي برز تحت قبة البرلمان بين الكتل المسيحية من جهة والكتل الإسلامية من جهة ثانية على خلفية مسألة استسهال “شطب” توقيع رئيس الجمهورية من المعادلة الوطنية، ما خلّف تشنّجاً متفاقماً في الجوّ المسيحي النيابي أدى إلى الانسحاب من الجلسة اعتراضاً على الممارسات الحكومية في تقديم المراسيم واستفراد رئيس الحكومة بالتوقيع عليها مرتين، مرّة بالأصالة عن نفسه وأخرى بالوكالة عن رئيس الجمهورية.
وإذ لم يتردّد نواب سائر الكتل الداعمة لاستمرار الحكومة في “التصريف” والمجلس في “التشريع” بعيداً عن محاذير الشغور في تصعيد الأجواء المتشنجة عبر التصويب على الكتل المسيحية المعترضة على مواصلة سياسة الإخلال بتوازنات الصلاحيات الدستورية، واتهامها بعرقلة المشاريع واقتراحات القوانين وتعطيل العمل النيابي، استرعى الانتباه في المقابل وقوف “حزب الله” الراعي الرسمي للفراغ الرئاسي، موقف “المتفرّج” في اللجان على ارتفاع وتيرة السجال الدستوري وحدّته، فآثر النأي بنوابه عن الانغماس في النقاش ملتزماً الصمت المطبق من خلال امتناع عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسين الحاج حسن عن الإدلاء بأي موقف حين أتى دوره رغم أنه كان من “طالبي الكلام”.
مصرفياً، وبينما دخل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات على خط تدعيم جبهة “حماية المصارف” من الملاحقات القضائية بتعميمه على “مختلف النيابات العامة في كلّ المحافظات بما فيها النيابة العامة المالية ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، الامتناع عن طلب أيّ معلومة مصرفيّة لا تتعلق بالدعاوى العائدة لجرائم الفساد ومكافحة تبييض الأموال”، احتدمت على المستوى المالي منافسة لبنان على احتلال المركز العالمي الأول في سباق التضخم، مع توقع تأهله في الأسابيع القليلة المقبلة إلى تبوّؤ المركز الأول، متخطياً زيمبابوي التي هي الأولى بمعدل 480% وفنزويلا في المركز الثاني بمعدل 395%، يليهما راهناً لبنان عند معدل 321% وفقاً لمؤشر “هانكس” العالمي للتضخم، إلا انه اعتباراً من اليوم سيكون مرشحاً بقوة لكسر رقم قياسي جديد في ارتفاع الأسعار، مع رفع الدولار الجمركي من 15 الف ليرة الى 45 الفاً وفقاً لمصرف لبنان الذي أصدر الجدول الشهري لمتوسطات اسعار العملات امس ولشهر آذار مع احتمال رفعه مع بداية كل شهر اذا اقتضى الأمر. ووافقت رئاسة الحكومة على السعر الجديد في رد على وزارة المالية التي ربطت الأمر بالزيادات والبدلات الإضافية التي ستمنحها لموظفي القطاع العام المضربين عن العمل لأن رواتبهم رغم الزيادات التي أقرت في تشرين الأول الماضي لا تزال تخسر أكثر من 80% من قيمتها قياساً على قيمة رواتب ما قبل الأزمة.
وإذ باتت قيمة الدولار الجمركي الجديد تشكّل اليوم نسبة 50% من سعر الصرف الحقيقي للدولار المتداول في السوق الموازية، والذي لامس أمس 90 ألف ليرة، كذلك ستتأثر السلع المصنفة ضمن الكماليات بزيادة الدولار الجمركي، خصوصاً وأنّ رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي أعرب في تعليقه لـ”نداء الوطن” عن استغرابه هذا القرار “المفاجئ”، لافتاً الى أن “الكلفة ستزيد على المستوردين بنسبة تتراوح بين 2% و15%، علماً أنه لقرار الزيادة تأثير سلبي على اسعار المواد الغذائية حتى الأساسية جرّاء رفع الرسم الجمركي 3 اضعاف”. وتساءل: “إذا كان الدولار الجمركي بقيمة 45 ألف ليرة فماذا عن الضريبة على القيمة المضاقة التي من المفترض أن تسدّد ايضاً وفق سعر صرف 45 ألفاً؟”.
ويبدأ اعتباراً من اليوم تسعير السلع في السوبرماركت بالدولار، على أن يكون الدفع بالدولار او بسعر صرفه بالليرة عند لحظة الدفع على الصندوق، وفقاً لسعر صرف مجبرة السوبرماركت والمحال التجارية على إعلانه بشكل واضح أمام المتسوقين. وتوازياً أصدرت نقابة المستشفيات بياناً أمس طلبت فيه أيضاً بدولرة خدماتها، وإلا فإن “المستشفيات ستكون على حافة الزوال بالنظر إلى أن الجهات الرسمية الضامنة تدفع بالليرة وبشكل متأخر جداً بسبب الاضرابات، وعندما تقبض هذه المستحقات فإنها تخسر أكثر من 60% من قيمتها مما يجعلها عاجزة عن تسديد ديونها، ودفع أثمان المستلزمات المدولرة بشكل كامل”.
وفي حين بات تسعير خدمات كثيرة مدولرة بشكل كامل في لبنان، مثل المحروقات والأدوية وكهرباء المولدات، وعلى سعر المنصة بالنسبة لفواتير الخليوي، بالتزامن مع الدولرة المستمرة في الخدمات والرسوم تباعاً مثل الضمان الالزامي على السيارات، سيزداد غبن المودعين ويتعاظم أكثر فأكثر مع الوقت إذا بقي سعر السحوبات من ودائعهم الدولارية عند حدود 15 ألف ليرة، أي بمستوى هيركات يفوق 83% اليوم، وسترتفع نسبته أكثر مع ارتفاع سعر دولار السوق الموازية.