لا صوت يعلو على الدولار في صعوده أو هبوطه بسحر ساحر، فهو الحاكم الأول بأمره وبيوميات اللبنانيين ولقمة عيشهم، حتى باتت حياتهم مربوطة بمشيئته وتحكّمه بكل القطاعات دون استثناء، لا سيما وقد تم تشريع الدولرة رسمياً في تسعير السوبرماركت بدءا من يوم أمس.
رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر صوّر المشهد القائم بالكارثة التي تصيب لبنان نتيجة تخبط المسؤولين وانشغالهم باجراءات غير مدروسة وردود فعل كيدية أوصلت البلاد الى هذا المنحى الخطير.
وبرأي الأسمر فإنَّ ما نشهده اليوم هو نتيجة السياسة الخاطئة التي اتبعت لتمويل الزيادات في القطاع العام، معتبراً في حديث لجريدة الأنباء الالكترونية أنَّنا كنا من الأساس ضدّ هذه الزيادات وفرض الضرائب، واعداً بالتحرك بطرق علمية ومدروسة لمواجهة الأزمة على أن تأتي بثمارها المرجوة بعيداً عن تسجيل المواقف.
وفي المقابل، لفتَ الأسمر إلى أن أسئلة كثيرة تطرح لا بد من التوّقف عندها، مشيراً الى قطاعات عدّة متوقفة عن العمل، ومن بينها القطاع التعليمي رغم محاولت الوزير الدؤوبة إلّا أن لا تغيّر في المشهد ما قد يهدّد السنة الدراسية، هذا بالإضافة إلى اضراب القطاع العام المُستمر منذ أكثر من ستة أشهر دون أيّ نتيجة.
واستطرد الأسمر قائلاً: لذلك قلنا ان هذه الاجراءات التي اتخذت لم ترضِ جزءً من القطاع العام، لأن المشكلة تكمن بتمويل الخزينة، متسائلاً كيف لدولة ان تستمر ومصادر تمويلها معطلة ومتوقفة عن العمل، فلا دوائر عقارية ولا نافعة ولا مصلحة تسجيل سيارات ولا تربية ولا صحة ولا معاينة ميكانيكية ولا جباية ضرائب.
واعتبر الأسمر أنَّ هذا النموذج من الاضراب لا يؤدي مفاعيله، مبدياً تخوفه من الدعوة للاضراب والنزول الى الشارع دون الوصول الى النتيجة المتوخاة، ومعرباً عن خشيته من انفجار أمني في ظل الأوضاع السائدة، فالتفلت السياسي القائم يمكن أن يؤدي الى تفلت أمني، واعداً بأن قرار تصحيح الأجور سوف يصدر في الجريدة الرسمية هذا الاسبوع.
أمّا في موضوع الدولرة وارتفاع الدولار الجمركي، أشار الخبير المالي والاقتصادي انطوان فرح في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية الى أن سعر الدولار في السوق السوداء مصطنع وهو أدنى من سعره الحقيقي، خاصة عندما كان مصرف لبنان يتدخل دائماً للحد من ارتفاعه، وكيف تدخل بقوّة في كانون الأول 2022 للجم الدولار عن الارتفاع بسرعة، لكنه ما لبث وانكفأ من السوق وبدا الدولار يرتفع بسرعة ليأخذ سعره الحقيقي في السوق السوداء، وهذا ما حصل مؤخراً.
وربطاً بموضوع رفع الدولار الجمركي الى 45 ألف ليرة، ولو كان هذا الكلام غير شعبي، أشارَ فرح إلى ان الحقيقة عندما كان الدولار الجمركي 15 الفاً كان سعر الدولار في السوق السوداء يتراوح بين 30 الى35 الفاً بما معناه ان الدولار الجمركي يساوي50 % من سعر الدولار الحقيقي، أمّا اليوم مع رفعه الى 45 الفاً وسعر الدولار وصل الى 90 الفاً، قبل انخفاضه مجدداً، وقد يرتفع الى 100000 ألف، فإنه ما زال بمعدل50 % من سعر الدولار، وبالتالي النسبة ما تزال هي نفسها، علماً أن الأسعار بالدولار لا ترتفع، لكن الأسعار بالليرة سترتفع حتماً والمواطن الذي يتقاضى بالليرة ولا تزال رواتبه بحدود الدنيا لا شك انه سيعاني من تراجع اضافي في قدراته الشرائية وسوف يزداد منسوب الفقر في البلد.
وعليه هذا المشهد الأسود والتلاعب بأسعار الصيرفة لن يتغير ولن تبدأ مسيرة وقف الانهيار الا عندما نصل الى خطة انقاذ والى مشهد سياسي واقتصادي مستقرّ، وفق فرح، الذي أكّد أنّه عندها فقط يمكن أن نأمل أننا بدأنا الخطوة الأولى من مسافة الالف ميل للاصلاح الاقتصادي.