يعكس السجال المتدني المستوى الذي ساد خلال الساعات القليلة الماضية حجم المأزق السياسي والاخلاقي في بلد يواصل انهياره المالي والاقتصادي بسياسات «ترقيعية» موقتة لا يمكن ان تصمد على المدى المتوسط والطويل. في هذا الوقت لم يحضر الملف اللبناني على هامش قمة العشرين بعدما تجاهل الوفد السعودي ونظيره الاميركي الاوضاع المهترئة في هذا البلد، على الرغم من تطرق البحث الى كل الملفات الاقليمية الساخنة في المنطقة، وهذا ما يؤشر الى «عقم» الرهان حاليا على «ترياق» خارجي يمكن ان يخرج الاستحقاقات الراهنة من الافق المسدود. هذه الخلاصة لمصادر ديبلوماسية مطلعة لفتت الى ان الرياض لا تزال عند موقفها بتعليق البحث بالملف اللبناني ريثما يتبلور مستقبل استئناف المفاوضات مع طهران، وكذلك الانفتاح المستجد على دمشق، فيما تبقى اليمن هي «البوصلة» التي ستحدد كيفية تعامل المملكة مع كافة الملفات المتصلة بالمنطقة التي تقف على فوهة بركان على خلفية ارتفاع منسوب التوتر في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وارتفاع احتمال اندلاع مواجهة شاملة على خلفية التهديدات الاسرائيلية لايران.
لبنان في «الثلاجة»
وقد ناقش وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، امس مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، على هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة العشرين المنعقد في الهند ، تكثيف العمل المشترك لإرساء الأمن والسلم في المنطقة والعالم. وفيما ذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الوزيرين استعرضا خلال اللقاء العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، وتطرقا الى العديد من القضايا والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، إضافة إلى تبادل وجهات النظر حيال الأزمة (الروسية – الأوكرانية) والجهود المبذولة بشأنها، لفتت مصادر دبلوماسية لـ»الديار» الى ان الملف اللبناني لم يحضر لا من قريب او بعيد، وثمة تفاهم ضمني اميركي- سعودي على وضع الازمة اللبنانية في «الثلاجة» باعتبارها ملفا ثانويا يمكن فكفكة «الغامه» بعد التوصل الى تسويات حول ملفات اخرى في المنطقة.
«الثنائي» منفتح على «التسوية» ولكن…؟
في هذا الوقت،ارتفع منسوب السجال السياسي في البلاد على خلفية تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سجل باسم «الثنائي» خطوة متقدمة على خط تبني ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وبعيدا عن موجة الردود الصاخبة بين النائب ميشال معوض الذي تلقى دعما من القوات اللبنانية، والنائب علي حسن خليل مدعوما من «المردة»، فان مواقف بري حملت في طياتها الكثير من الرسائل كان اهمها اضعاف فرص قائد الجيش جوزاف عون الرئاسية، وتبني ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية رسميا والاستعداد للمباشرة في نقاش «التسوية» الفرنسية المطروحة. هكذا تلخص مصادر في «الثنائي» الموقف الحالي وتشير الى ان بري اعطى «الضوء» الاخضر علنا لامكانية البحث في «مقايضة» بين الرئاسة الاولى والثالثة على قاعدة نقاش البرنامج للسنوات الست المقبلة بعض النظر عن اسم رئيس الحكومة المفترض. وتلفت تلك الاوساط الى ان «الثنائي» تعامل بايجابية مع الطرح الفرنسي الذي حملته السفيرة آن غريو وهو ابدى انفتاحه على اي حوار يخرج البلاد من المأزق الراهن. لكن المشكلة الرئيسية تبقى في عدم نجاح الفرنسيين حتى الآن في اقناع الرياض بفتح باب النقاش حول الاستحقاق اللبناني، ودون «الغطاء» السعودي لا يملك الفرنسيون القدرة على تسويق «الفكرة» لانهم لا يملكون ادوات ضغط على القوى السياسية التي تدور في فلك واشنطن والمملكة. وقد كان «الثنائي» واضحا بابلاغ باريس انه منفتح على الجلوس للنقاش حين ينجحون في «كسر» الفيتو السعودي.
«تسريبات» سعودية
لكن لا تبدو «الطريق معبدة» حتى الآن امام اقتراح الفرنسيين مقايضة ترشيح فرنجية برئيس حكومة ترضى عنه المملكة، وتظهر الموقف علنا بتصريحات رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع السلبية حيال عدم تامين النصاب لاي جلسة انتخاب اذا كانت ستؤدي الى ايصال ما اسماه مرشح حزب الله الى بعبدا، ومن هنا تروج الاوساط المقربة من الرياض في بيروت بان «المبادرة ولدت ميتة» ولا مجال حتى للنقاش فيها، وهي اذا كانت لا تريد التدخل في التسمية فان فرنجية على عكس ما يقال، ليس مرشحا مقبولا من قبلها، ولا صحة للكلام انها لا تعترض عليه.
متى تنخفض «السقوف»؟
ووفقا لمصادر مطلعة، هذا الاستعصاء يعكس اجواء سليية لكن اي تفاوض يبدأ بالعادة من خلال «سقوف مرتفعة»، وعندما تصبح الظروف الاقليمية والدولية مؤاتية للتسويات والمقايضات تنخفض «السقوف» ويصبح كل شيء قابلا للتفاوض. فالرياض ترغب بالحصول على نتائج عملية في اليمن وقبل ذلك لن تدخل في اي تسوية في مكان آخر، وهم يعرفون جيدا مدى تاثير حزب الله هناك ولهذا يمارسون الضغط على الساحة اللبنانية. ولهذا فان التسوية مؤجلة وليست مستحيلة، وباريس تواصل عملية «جس النبض» لكنها تصطدم ايضا ببرودة الموقف الاميركي، الذي لا يريد فوضى شاملة في لبنان ولكنه لا يدعم اي حل. وتبقى القوى السياسية اللبنانية في حال انتظار، بعضها مؤثر ويفاوض على «الطاولة» وبعضها الآخر اختار العبثية في المواقف، كالتيار الوطني الحر، الذي اختار معاداة حليفه الوحيد في فترة مفصلية مع علمه انه الطرف الاقوى القادر على حفظ مصالحه التي حصرها النائب جبران باسيل بوصوله الى الرئاسة.
القلق الدولي
وقد ترجم القلق الدولي ببيان مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان التي اعربت عن بالغ قلقها إزاء تداعيات استمرار الفراغ الرئاسي، واصفةً الوضع السياسي الراهن في لبنان بـ»غير المستدام». وقالت المجموعة، التي تضمّ الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية وأكثر من ست دول من بينها الولايات المتحدة وفرنسا، إنّ «الوضع الراهن يعدّ أمراً غير مستدام، إذ يصيب الدولة بالشلل على جميع المستويات ما يحدّ بشدّة من قدرتها على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية». ولفتت إلى عدم إحراز تقدّم «في التحقيق المتعلق بالانفجار المروع في مرفأ بيروت الذي وقع عام 2020، ونجم عن مواد كيميائية خطيرة كانت مخزنة بالمرفأ لسنوات. كما أشارت إلى أنّ لبنان لم يبرم بعد برنامجاً مالياً مع صندوق النقد الدولي. وحثت المسؤولين اللبنانيين على «التعجيل في إقرار القوانين اللازمة لاستعادة الثقة في القطاع المصرفي مالياً وتوحيد أسعار الصرف. وتوحيد أسعار الصرف المتعددة أحد الشروط المسبقة التي وضعها صندوق النقد الدولي للبنان من أجل الحصول على حزمة مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار».
التصعيد الاسرائيلي
وفي هذا الوقت، يرتفع منسوب القلق الاقليمي من ضربة اسرائيلية منسقة مع واشنطن ضد ايران، وفي هذا السياق، لفت الباحث في معهد هدسون الأميركي في مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية الى انه إنه أجرى الأسبوع الماضي مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما كان مشاركاً في مؤتمر تكفا الأمني الإسرائيلي في تل أبيب وخرج بقناعة أن الولايات المتحدة أقرب إلى التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط ضد ايران في ظل المعلومات عن قيامها برفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى ما فوق 80% واقترابها من امتلاك القنبلة النووية التي تحتاج الى نسبة 95 في المئة.
واشنطن تمهد للمواجهة؟
وفي هذا السياق، دعت مسؤولة في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، الى تشكيل «تحالف عالمي» من شأنه ردع التعاون «الشرير» بين إيران وروسيا، مشيرة إلى أن ما يتعلمه الإيرانيون في أوكرانيا حالياً «سيهدد يوماً ما شركاءنا» في منطقة الشرق الأوسط. وقالت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، إنه رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها «لردع النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار»، وتحرك وزير الدفاع لويد أوستن في عام 2021 للتركيز على «أولوية» خطر المُسيّرات الإيرانية التي «كنا وما زلنا قلقين جداً منها إزاء شركائنا في الشرق الأوسط»، فقد وصلت الأمور الآن إلى نقطة «نرى فيها أن التهديد الإيراني لم يعد محصوراً بالشرق الأوسط فقط؛ بل بات تحدياً عالمياً، وهذا جاء نتيجة التعاون العسكري المتزايد بين إيران وروسيا، والنقل غير المشروع من إيران لروسيا لطائرات (درون) ذات وجهة واحدة، يتم استخدامها حالياً في أوكرانيا لقتل المدنيين». وتابعت سترول في إيجاز صحافي عبر تطبيق «زوم»: «علينا أن ندفع في اتجاه قيام تحالف؛ ليس فقط في الشرق الأوسط؛ بل تحالف عالمي لردع التعاون الشرير بين إيران وروسيا».
اين حزب الله من التصعيد؟
ولم يغب احتمال التصعيد عن كلام رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة»، النائب محمد رعد الذي ذكر اسرائيل بأنّه «في حربٍ تموز عام 2006 رأى العدوّ بعضاً من بأسنا»، وحذّر، قائلا أنّه «إذا أراد العدوّ الآن أن يعتدي على خيارنا وهويتنا فهويتنا تعني وجودنا فسَنُري العدوّ كلّ بأسنا». وقال «تركوا لبنان لقدره لأنّه استطاع أن يهزم الإسرائيليين ونحن بكلّ ثقة واستناداً إلى معرفتنا بما يُعدّه المجاهدون في مسيرتنا وبما يُخطَّط له فإننا لن نركع لأحد ولن ننحني لأحد وسنُحقّق عزّتنا وكرامتنا وسنستعيد كلّ ما سَلَبَه العدوّ من شعبنا».
سجالات «عقيمة»
محليا، وبغض النظر عن مدى دقة المواقف المنقولة عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو ما المح اليه معاونه النائب علي حسن خليل، فان قوله بان مرشحنا معروف وهو سليمان فرنجية. والورقة البيضاء سمته من دون أن تكتب اسمه… مرشحنا جدي وأكدنا عليه مراراً. أما مرشحهم فليس سوى «تجربة أنبوبية» رد المكتب الإعلامي لرئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض على نحو عنيف متهما رئيس «حركة أمل» نبيه بري بمصادرة رئاسة مجلس النواب منذ أكثر من 30 عاماً وقال «أتحفنا بكلام أقل ما فيه أنه لا يليق برأس المؤسسة البرلمانية إنما يليق به كميليشيوي». واعتبر ان وصفه بالتجربة الأنبوبية» فيه محاولة الإساءة إلى رئيس جمهورية شهيد هو الرئيس رينه معوض.. والإساءة تطال أيضاً وبالمباشر زغرتا الزاوية والشمال اللذين يمثلهما في المجلس النيابي واللذين لطالما مثلهما رينه معوض ونايلة معوض خير تمثيل، ولربما على «مرشحهم» أن يجيب بنفسه إن كان يقبل بإهانة زغرتا الزاوية والشمال كما فعل «عرّابه» نبيه بري. وعلى الاثر، صدر عن المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل بيان جاء فيه: «أتحفنا رئيس «حركة الإستقلال» ميشال معوض الذي يعيش في فقاعة الترشيح منذ أكثر من خمسة شهور بكلام أقل ما فيه أنه بلا تربية. كان الاجدى به ان يتأكد من مضمون ودقة الكلام الذي نقل عن لسان دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري ولكن عصبيته كشفته امام جميع اللبنانيين وكشفت اي مشروع مرشح للرئاسة هو». أضاف: «و»للمعجزة» نقول نتفهم شعورك بعدما ايقنت أنك تحولت الى أُنبوب تجارب سياسي في مختبر من رشحك وضحك عليك».
مساندة الحلفاء!
في هذا الوقت، دخل مكتب فرنجية على الخط مهاجما معوض، وقال انه يربىء الرد عليه ودعاه الى العودة الى شيم اهل زغرتا. فيما اصدر الحزب التقدمي الاشتراكي بيانا داعما للرئيس بري مستنكرا ما اسماه الاتهامات «الهاميونية»، في المقابل وفي تغريدة تحمل خلفية طائفية مقيتة، غرد رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب «القوات اللبنانية» الوزير السابق ريشار قيومجيان عبر حسابه على «تويتر» كاتبا: زمن قحط الشيعية السياسية مهما بالغت بالفوقية. تجربة الأنبوب تأتي بمولود شرعي من أب وأم معروفين، بينما زواج المتعة، ولو شرّعه الفقه، يبقى حالة زنى تأتي بلقيط تخجل به أمه، وأبوه الفعلي غير أبيه الإسمي؟!
تجميد ملاحقات عون
قضائيا، انتهى اجتماع مجلس القضاء الأعلى برئاسة القاضي سهيل عبود، الذي ناقش فيه المجتمعون، كتاب النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى المدعية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، دون صدور اي بيان، ووفقا للمعلومات، تم الاتفاق خلاله على وقف التحقيق موقتاً في ملف المصارف لحين بت دعاوى مخاصمة بحق عون أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز مع التركيز كان على تطبيق القانون والتقيد بأحكامه. وكانت عون حضرت إلى قصر العدل وتقدّمت بدراسة إلى كل من عبود وعويدات حول عدم جواز وقف عمل القضاء في ظل غياب هيئة عامة لمحكمة التمييز…
اضراب المصارف؟
في هذا الوقت، تعقد جمعية المصارف اجتماعا اليوم لتقييم الاوضاع، اثر مبادرتها تعليق الاضراب خلال الاسبوع الحالي، بفعل قرار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات «تجميد» تحقيقات القاضية غادة عون في ملف ملاحقة المصارف الى حين، واتخاذ الموقف المناسب من الاضراب. وهي تتجه «مبدئيا» الى وقف الاضراب، تجاوبا مع قرار عويدات، ورغبة باستئناف العمل لتلبية حاجات زبائنها…