فراغ سياسي يزيد من تفاقم ضياع رئاسي حيث لم ترسُ كل المشاروات الداخلية والاقليمية والدولية على برّ معيّن تَتظهّر من خلالها التسوية الرئاسية المنتظرة، والتي يبدو انها تنتظر نتائج المفاوضات الجارية لإنهاء الازمات السائدة في المنطقة، ويعوّل الجميع على تبلور موقف سعودي يكون بمثابة نفس يعالج الاختناق الرئاسي لتنطلق بعده كل خطوات المعالجات السياسية والاقتصادية والمالية التي تتخذ في شأنها معالجات هي أشبَه بمسكنات الى درجة انّ البعض وصف الخطوات التي اتخذها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأنها «تهريج نقدي» في ظل تعدد اسعار الدولار الاميركي بين الجمركي وسعر منصة صيرفة المزدوج، فيما ترك السعر الادنى البالغ 15 ألف ليرة للمواطنين لكي تواصل المصارف نهبها المنظّم لرواتبهم او لما تبقّى من مدخراتهم، من دون أي رادع سلطوي او وازع من ضمير…
هل بدأ الافلاس السياسي يولّد «نقاراً» حاداً؟ والى اين سيوصِل هذا السجال؟ سؤال ارتسم في يوميات السياسة العائمة على بحر فراغ وانسحب ليليات من الردود وردود على الردود في فصلٍ من فصول كباش اختبره اللبنانيون في الحياة السياسة كخبز يومي. وبحسب مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية» فإنّ هذا السجال يتمخّض ولا يولد رئيساً، بل على العكس، يوسّع الهوة في الوقت الضائع لكن إيجابيته الوحيدة انه نقل الملف الرئاسي الى مربّع جديد باتت فيه المواقف اكثر وضوحاً.
ورأى المصدر انّ الرد الذي حصل على كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري حول ما سمّاه «أنبوبية» مرشح الفريق المعارض «هو رد فارغ سحب معه سجالاً لا طعم له سوى مخافة البعض من امور لا يريدون الاعتراف بها، وهي اننا لا نملك قراراً وكل ما حصل في جلسات الانتخاب الـ12 كان لعباً في الوقت الضائع واستثمارات واهية لأشخاص ليسوا في السباق الجدي».
وكشف المصدر «انّ «صفر» التقدم في الملف الرئاسي يجعله اكثر اختناقاً وهذا الاختناق يحتاج الى تنفّس طبيعي لا صناعي، أي الى تطور جدي لأنّ الاوضاع لم تعد تحتمل». وسأل المصدر: «هل يمكن ان يأتي هذا النفس من حراك تفتحه عودة السفير السعودي الى لبنان؟».
فتح الخيارات
بدورها، مصادر سياسية عاملة بقوة على الملف الرئاسي قالت لـ«الجمهورية» ان هذا السجال لا يقدّم ولا يؤخّر، كاشفاً انّ صيغة (فرنجية – سلام) ولدت ميتة ولم تقطع مع اي جهة سياسية ولم تصل الى أدنى مستوى وهو قبولها او نقاشها بشكل جدي. كذلك سقطت حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون لأنّ عقبات كبيرة تحول دونها. وهذا يعني انه يجب اعادة فتح دائرة الخيارات وترشيح سلة أسماء جديدة.
وكشفت هذه المصادر «ان تجربة الكتل السياسية التي رشّحت النائب ميشال معوض وصلت الى حدودها القصوى بالتفاهم معه وليس بالخلاف». واكدت «ان لا أحد يملك حتى الآن plan B، والجميع ينتظر فتح باب النقاش على اسم تسوية وانّ الموقف السعودي أساسي مهما وردت إشارات اميركية او فرنسية الى هذا المرشح او ذاك، إذ اصبح واضحاً انّ المملكة غير موافقة حتى الآن على فرنجية. وبالتالي نحتاج الى نقاش جديد، الا اذا استطاع فرنجية تبديل الموقف السعودي واستمالة طرف مسيحي قوي لجانبه. وسألت المصادر: «هل رأيتم مشهد هيجان بعض الكتل المسيحية في مجلس النواب أثناء جلسة انعقاد اللجان النيابية المشتركة؟ فإلى أين يمكن ان تذهب هذه الكتل في ردّة فعلها اذا فرض عليها فرنجية عنوة؟». وختمت المصادر انه «حتى الآن لا يمكن رصد الحركة الرئاسية الا مضيعة وقت، ولم ندخل النقاش الجدي في انتظار التطور المرتقب»…
تحذير من فوضى
في غضون ذلك حذّرت مصادر ديبلوماسية عربية من استمرار الشغور الرئاسي في لبنان، وقالت لـ«الجمهورية» انه «في حال استمر هذا الشغور المعطوف على الانهيار المالي المعطوف على التحلّل في الدولة، المعطوف على مزيد من الشغور في المواقع الدولتية، المعطوف على تأفّف وغضب شعبيين، المعطوف على انقسام سياسي عمودي فإنّ لبنان يتجه أكثر فأكثر نحو فوضى لا تحمد عقباها».
ودعت هذه المصادر القوى السياسية اللبنانية على اختلافها الى «التنبّه من مخاطر الوضع السياسي اللبناني لأنّ هذا الوضع لا يرتبط فقط بشغور رئاسي، فالشغور الرئاسي يحصل هذه المرة خلافاً للمرة السابقة على وقع انهيارغير مسبوق في تاريخ الجمهورية اللبنانية، وهذا الانهيار غير المسبوق ايضاً يَترافق مع تعطّل المؤسسات ومع الشغور المتدحرج داخلها في ظل غضب شعبي من الوضع المالي ومن الاوضاع القائمة كلها. وبالتالي، هناك مخاوف كبرى على القوى السياسية، وعليها ان تتنبّه لمخاطر هذه المسألة. وقالت المصادر ان على القوى اللبنانية ان تدرك بأنّ عواصم القرار، على رغم اهتمامها بلبنان وحرصها على الاستقرار فيه، مُنشغلة بأولوياتها وغير قادرة على التأثير في مجريات الواقع اللبناني، وبالتالي في حال القوى السياسية لم تأخذ هذا الواقع في الحسبان فإنّ الوضع يتجه اكثر فأكثر نحو مَهالك عليها ان تتنبّه من مخاطر المرحلة وما يمكن ان يلحق بها.
وختمت المصادر معتبرة «أن الانقاذ هو في يد اللبنانيين، وفي حال لم يبادروا فإنّ الاوضاع وفق تقارير رسمية جدية هي خطيرة جداً».
تهريج نقدي
في غضون ذلك، أكدت اوساط واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ الاجراءات الجديدة لمصرف لبنان «ليست سوى حبة مسكّنات إضافية لن يدوم مفعولها طويلاً»، مشيرة الى «ان الوجع سيعود لاحقاً أقوى».
واعتبرت هذه الاوساط «انّ المشكلة تكمن في مواصلة معالجة مرض مُستعصٍ بالمهدئات»، لافتة إلى أنه «من دون اتفاق سياسي وخطة اقتصادية سيستمر لحس المبرد والدوران العبثي في الحلقة المفرغة».
واشارت الاوساط الى انّ القرارات الاخيرة الذي صدرت عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لِلجم الدولار «تندرج في إطار التهريج النقدي، ليس إلّا». ونبّهت الى «انّ المودعين هم سيدفعون ثمن تدابير المصرف المركزي، لأنّ الفارق بين سعر صيرفة على أساس 70 الف ليرة وبين السعر الحقيقي في السوق السوداء سيعوّض مما تبقّى من أموال المودعين.
مجموعة الدعم
في ظل كل هذه التطورات صدر أمس بيان لافت عن مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، والتي تأسست عام 2013، وتضمّ كلّاً من الامم المتحدة وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وايطاليا والاتحاد الروسي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الاميركية مع الاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية. وتضمن الآتي:
«مع بلوغ الفراغ الرئاسي شهره الخامس، وفي ظل غياب الاصلاحات وتصلّب المواقف وازدياد الاستقطاب، تعبّر مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان عن بالغ قلقها إزاء تداعيات استمرار الفراغ الرئاسي.
وتحثّ مجموعة الدعم الدولية القيادات السياسية وأعضاء البرلمان على تحمّل مسؤولياتهم والعمل وفقاً للدستور واحترام «اتفاق الطائف» من خلال انتخاب رئيس جديد بلا مزيد من التأخير.
يعدّ الوضع الراهن أمراً غير مستدام. إذ يصيب الدولة بالشلل على كل المستويات، ويحد بشدة من قدرتها على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والإنسانية العاجلة، كما يقوّض ثقة الناس في مؤسسات الدولة فيما تتفاقم الأزمات.
بعد مرور أحد عشر شهراً على تَوصّل لبنان الى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، لم يبرِم لبنان بعد برنامجا ماليا مع الصندوق. إن التعجيل في إقرار القوانين اللازمة لاستعادة الثقة في القطاع المصرفي وتوحيد أسعار الصرف يعدّ أمرا حيويا لوقف التدهور الاجتماعي والاقتصادي. وإذ تستذكر مجموعة الدعم الدولية تأجيل الانتخابات البلدية لمدة عام حتى أيار 2023، فإنها ترحّب بالاستعدادات الجارية لضمان إجراء هذه الانتخابات في موعدها. إن تجديد التفويض الشعبي للهيئات البلدية، التي تقع في الخط الأمامي لخدمة المواطنين اللبنانيين، أمر مهم لضمان عمل مؤسسات الدولة وتعزيز الثقة في الادارة المحلية.
تدين مجموعة الدعم الدولية بشدة الهجوم المسلح على دورية تابعة لليونيفيل في كانون الأول 2022، والذي أودى بحياة أحد أعضائها في العاقبية، وتتوقع محاسبة المُعتدين المتورطين فيه وتقديمهم إلى العدالة على وجه السرعة.
إنّ ضمان حسن سير العمل القضائي هو عنصر ضروري لاستعادة صدقية مؤسسات الدولة اللبنانية، وتكريس سيادة القانون، وفرض المُساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب. وفي هذا الإطار، تلاحظ مجموعة الدعم الدولية بقلق عدم إحراز تقدم في المسار القضائي المتعلّق بانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
وتؤكد مجموعة الدعم الدولية استمرارها بالوقوف إلى جانب لبنان وشعبه».