مع استمرار تأرجح المواقف والتحليلات بين تفاؤل وتشاؤم، حيث يستبشر البعض خيراً بالحراك الذي انطلق منذ مدة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وتلته الحركة الدبلوماسية التي يقوم به سفراء مجموعة الدول الخمس المعنية باجتماع باريس الشهر الفائت، في وقت ثمة من يتوقع لبننة الاستحقاق الرئاسي الذي لم يزل حتى الساعة من دون أفق واضح، فإن البعض الآخر يرى أن الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية سيطول، مستندا بذلك إلى تعقيدات الملف وتشابكه وارتباطه بعوامل عدة واستمرار السقوف العالية محلياُ.
أما عمليا، فالشيء الوحيد الذي تغير يتمثل بانتقال الثنائي أمل – حزب الله من الورقة البيضاء إلى تسمية مرشحهما الوزير السابق سليمان فرنجية. مصادر سياسية رأت أنه إزاء هذا الواقع الجديد فقد بات على الفريق السيادي إمّا أن يكمل المعركة بمرشحه النائب ميشال معوض، وإمّا التوافق على مرشح آخر قادر على لمّ شتات النواب السياديين والتغيريين والمستقلين، وأن يجمع حوله على الأقل نصف عدد النواب لكي يستطيع هذا الفريق مواجهة الفريق الآخر الذي هو أيضاً ليس بأفضل حال على ما يبدو.
في هذا السياق لفت النائب أديب عبد المسيح في حديث الى جريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “إعلان بري دعمه فرنجية أحرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ما اضطر الأخير لإعلان ذلك بنفسه كي لا يقال إن حركة أمل هي التي سمت فرنجية وليس حزب الله. لذلك أتى كلام نصرالله تعقيبا على موقف بري“.
واعتبر عبد المسيح أن “هذا الدعم المفرط لفرنجية من الثنائي أمل – حزب الله، هو سيف ذو حدين، قد يراد منه إحراج باسيل الذي يلوح بتسمية مرشحه وإحراق فرنجية في الوقت نفسه، لأنه من الواضح جدا أن حظوظ فرنجية مخيبة للآمال من دون أصوات التيار الوطني الحر“.
وفي تفسيره للحراك الذي يقوم به السفير السعودي وليد البخاري باتجاه المرجعيات الدينية والسياسية، رأى عبد المسيح أن “ذلك يأتي عقب الشائعات التي تقول إن السعودية لا تمانع في انتخاب فرنجية، فيما الحقيقة عكس ذلك تماما. فالسعودية ضد اي مرشح ينتمي الى حزب الله وفريقه السياسي، وتغريدة البخاري واضحة جداً لأن السعودية لن تتعاون مع أي رئيس جمهورية يتحالف مع حزب الله“.
بدوره اعتبر النائب بلال الحشيمي أن نصرالله أعلن “بالخط العريض تكرار تجربة العماد عون”، ووصف لـ “الأنباء” الالكترونية التطورات السياسية الأخيرة “بالخطيرة جداً”، مضيفاً: “في ظل هذه الأزمة المعيشية الخانقة من كافة النواحي هناك فريق ما زال يمارس أسلوب التحدي، وكأن البلد بألف خير، فيقوم بطرح مرشح تحد بدلاً من تمرير الأزمة من خلال التفتيش عن مرشح قادر أن ينقذ البلد من أزمته”، وسأل: “كيف يمكننا أن نقبل برئيس جمهورية يريده حزب الله ان يحمي ظهر المقاومة ولا يريد رئيسا ينقذ لبنان ويحمي لبنان من المتطاولين عليه والعاملين على تهديم اقتصاده ومؤسساته؟ بعد 11 جلسة فولكلورية والعمل على تطيير النصاب يريدون منا اليوم ان ننتخب سليمان فرنجية! لسنا على استعداد لإطالة أمد الازمة ست سنوات جديدة”، داعيا حزب الله للإقلاع عن سياسة “جوّع شعبك تحكم“.
ومع أن المواقف التي خرجت حول الاستحقاق الرئاسي من قبل الثنائي الشيعي حيال ترشيح فرنجية وضعت الاستحقاق في مرحلة “اللعب على المكشوف”، إلا انها كشفت في الوقت نفسه أن أياً من الأفرقاء لا يزال غير قادر على الخروج من ضرورة التوافق، لأن أحداً لا يملك القدرة على إيصال مرشحه دون الآخرين، ولو حضورياً. وهذا الكلام يعيد إلى الذاكرة الموقف الذي قاله وليد جنبلاط بعيد أحداث عين الرمانة السنة الماضية، يوم أكد أن البلد محكوم بعدم العزل ورفض الانعزال، ويومها دعا إلى عدم الذهاب إلى خطوات العزل التي تضرب فكرة لبنان، وهو ما لا يزال يصح اليوم، إذ لن ينتهي الشغور الرئاسي قبل أن يقتنع الأطراف المعنيون بالاستحقاق على الضفتين بأن انتخاب الرئيس لن يتم الا بالحديث مع الآخر مهما كان ذلك صعباً، إذ يبقى بالتأكيد أقل سوءاً من ترك البلاد في قعر الانهيار.