ثمّة من لا يقرأ التاريخ ولا يدرك الحاضر ويغرق في أوهامه ويخاصم طواحين الهواء بضراوة عند كل تباين في وجهة نظر. هكذا هي حال بعض القوى والجهات اللبنانية في مقاربتها لما يقدمه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في مسيرته السياسية بماضيها وحاضرها، إذ تذكّر مصادر سياسية بارزة بأنه “كان أول من دعا إلى حوار سعودي/عربي إيراني منذ أيلول 2006، وعاد ليؤكد أهمية ذلك عام 2017 من باب الحرص أولاً، وعلى قاعدة أن التسوية لا تعني الاستسلام بل البحث عن تحقيق الاستقرار ضمن الثوابت وتكريس الحقوق”، وتضيف المصادر: “أما اليوم وقد تحققت هذه التسوية، وأياً كانت عناوينها وبنودها، فهي بعدما أكدت المؤكد لجهة الدور المحوري للمملكة العربية السعودية، إنما أعطت أيضاً لجنبلاط حقّه في ما دعا إليه منذ 17 سنة”، متمنية أن “يقتنع أطراف الداخل اللبناني بضرورة الحوار للتوصل الى توافق أو تسوية محلية على أساس واضح يحفظ الثوابت، ويفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية ويطلق مسار الإنقاذ المالي والاقتصادي والاجتماعي“.
وفيما الأسئلة تُطرَح حول المدى الذي يمكن أن يؤثر به إتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران على لبنان، فإن القوى السياسية بدأت محاولات استطلاع تداعياته، لرسم صورة المرحلة المقبلة وتكوين إجابات واقعية.
وقد جاء تصريح وزير الخارجية السعودي بأن لبنان يحتاج لتقارب لبناني – لبناني، ليؤكد دعوة جنبلاط وبأن الحل يحتاج لحراك لبناني حقيقي، وهو ما أكد عليه السفير الإيراني في بيروت أيضاً. ويبقى أن لعودة التقارب بين الرياض وطهران أثر يفترض أن يتلمسه اللبنانيون، أقله في تخفيف الإحتقان السياسي والتفكير جديا بحوار لا بد منه حول الأزمات التي تعمق الإنهيار.
في هذا السياق، أشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب أيوب حميد في حديث لجريدة الأنباء الإلكترونية إلى أن “هذا التفاهم الذي تم برعاية صينية له ايجابية تتجاوز الاقليم، ولبنان يتأثر بالمجريات حول العالم، وهذا التقارب الايراني – السعودي هو ما دعينا اليه باستمرار لما يشكله من إيجابية على الساحة المحلية”، وقال حميد: “يجب أن نتلقف الفرصة كلبنانيين وأن نذهب الى الحوار انطلاقا من المسلمات التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لنرى ما يمكننا التفاهم حوله. لكننا حتى الآن لم نر ايجابية صريحة لدى الفريق الآخر”، معتبراً أن “البعض قد يكون فوجىء بالبيان الذي صدر عن المشاركين في المفاوضات، وقد يحتاج الأمر عند البعض وقتا للاستدارة باتجاه القبول بالحوار لحل المشاكل العالقة وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية، اما من جانبنا اليد ممدودة والقلب منفتح والعقل أيضا على الحوار“.
من جهة أخرى وفي موضوع زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى بكركي اليوم، فقد اشارت مصادر الصرح البطريركي في اتصال مع الأنباء الإلكترونية إلى أن ميقاتي سيقف على رأي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حول الزيارة التي سيقوم بها إلى الفاتيكان، واللقاء الذي سيجمعه بقداسة الحبر الأعظم. ومن المتوقع أن يتناول اللقاء أوضاع البلد بشكل عام والاستحقاق الرئاسي والأزمة المعيشية بشكل خاص.
من جهته أكد النائب السابق علي درويش ان ميقاتي قبل زيارته المرتقبة الى روما للقاء قداسة البابا فرنسيس أراد أن يجري مشاورات بشأن الزيارة مع البطريرك الراعي، لافتاً في حديث لجريدة الأنباء الإلكترونية إلى ضرورة إبقاء حضور لبنان على المنبر العالمي “فالتحضير لهذه الزيارة ينطلق من التأكيد على هذا الحضور وبالأخص من خلال منبر عالمي مثل الفاتيكان”، كاشفا عن توجه ما لخطة عمل حول كيفية الحفاظ على التكوين اللبناني. وقد أشير في الفترة الاخيرة لبعض الأرقام حول نسبة عدد السكان ما أثار تساؤلات من قبل البعض حول كيفية تعزيز هذه المكونات.
وفي تعليقه على إثارة البعض لموضوع الفدرلة، أشار درويش إلى انه من الصعب جدا لبلد مثل لبنان تحقيق الفدرلة فيه التي جُربت اثناء الحرب الاهلية وفشلت، وقال إن المطروح الآن هو اللامركزية الإدارية من حيث ان يكون لكل منطقة إدارتها بشكل اسلم. فلبنان بلد صغير وغني بتنوعه وتفاعله وليس بتحجيمه وتقسيمه.
وفي وجه محاولات الضغط باتجاه ضرب صيغة لبنان والدفع بظل الانهيار إلى تذويب الهوية الوطنية لمصلحة تعزيز الهويات الفئوية، فإن المخرج الوحيد للبنان واللبنانيين يبقى بولوج باب الحوار الجدي الذي يفتح الباب واسعاً أمام قطار المعالجات، وسوى ذلك مزيد من الانهيار